اتفاقية «بازل» تقفز برساميل واحتياطيات البنوك المحلية إلى 194 مليار ريال
اتجهت جميع البنوك التجارية العاملة في المملكة إلى زيادة رؤوس أموالها بهدف تعضيد مستويات السيولة لديها؛ وذلك نتيجة للرقابة الشديدة والصرامة التي تمارسها مؤسسة النقد العربي السعودي عليها للتأكد من سلامة مراكزها المالية والالتزام بمعايير الملاءة المالية وكفاية رأس المال، حيث شهدت رؤوس أموال تلك البنوك والاحتياطيات ارتفاعا ملحوظا منذ بدأ التزام البنوك بتطبيق معيار ''بازل1'' في عام 1992 من 25.1 مليار ريال إلى 194 مليار ريال، كما قد ساعد أيضا نمو الأرباح خلال تلك الفترة على تعزيز حقوق المساهمين والمراكز المالية للبنوك على حد سواء؛ مما مكنها من ممارسة أنشطتها المصرفية المختلفة بقدرة فائقة، رغم الأزمات المالية العالمية المتتالية والمتلاحقة التي حلت بالساحة المصرفية العالمية.
وبدأ محافظو البنوك المركزية على مستوى العالم خلال فترة السبعينيات الميلادية من القرن الماضي، التفكير جديا في إيجاد وسيلة عادلة وموحدة لوضع قيود للرقابة على البنوك التجارية؛ كون أن بعضا منها كانت لديها رقابة مشددة على العمليات المصرفية التي تتم في داخل المصرف، وبالذات فيما يتعلق بالمحافظة على مستوى ملاءة مالية معين، في حين أن هناك بعضا آخر من البنوك كانت تتساهل إلى حد ما في ممارسة الرقابة على أعمالها بالشكل المطلوب، والذي يحقق للمصرف الحماية الكافية من التقلبات والأزمات المالية المحتملة.
ومن هذا المنطلق وبهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من التناسق الرقابي بين البنوك، قرر محافظو البنوك في الدول الصناعية الكبرى العشر آنذاك والتي من بينها: أمريكا، بريطانيا، كندا، واليابان، إنشاء لجنة ''بازل'' الدولية للرقابة على البنوك في تلك الدول، بحيث تجتمع في إطار وتحت مظلة بنك التسويات الدولية لوضع التنظيم المناسب الذي يضمن توفير الرقابة العادلة على البنوك، وبالذات فيما يتعلق بمستوى الملاءة المالية التي يجب على البنك أن يتمتع بها.
وتشكلت في عام 1974 لجنة ''بازل'' الدولية كلجنة للرقابة الدولية على المصارف، واعتبرت تنظيما غير رسمي آنذاك ''مجرد تفاهم بين الدول الصناعية الكبرى وتنسيق في المواقف وليس نتاج معاهدة دولية'' ضمن إطار بنك التسويات الدولية.
وتركز عمل لجنة بازل'' الدولية في بدايته على وضع قواعد منظمة لما يعرف بكفاية رأس المال للمصارف التجارية، بتحديد حدود دنيا لرأس المال المطلوب توافره في المصرف مقابل القروض والتسهيلات الائتمانية التي يمنحها للعملاء، ثم تطور بعد ذلك مفهوم الرقابة لدى الجنة بوضعها لمعيار ''بازل1'' عام 1988، الذي تتضمن لعدد من الأسس والقواعد الموحدة على مستوى العالم لقياس كفاية رأس المال لدى البنوك من خلال تحديد العلاقة بين رأس المال المتوافر لدى البنك، ونوعية الموجودات أو الأصول التي يحتفظ بها المصرف ''درجة مخاطرها''، داخل وخارج الميزانية العمومية للمصرف التي حُددت بنسبة 8 في المائة، وعُرِف الاتفاق بعد ذلك بين الدول الصناعية الكبرى باتفاق ''بازل لكفاية رأس المال''. واشتمل هذا الاتفاق في البداية الدول الصناعية الكبرى، والدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنميةOrganization for Economic Co-operation & Development، ومن ثم تمت إضافة المملكة العربية السعودية إلى المنظمة، وأصبحت السعودية منذ ذلك الوقت تخضع بنوكها لمعايير الكفاية أو الملاءة المالية ''بازل1''، والذي أصبح يلزم البنوك الأعضاء بالاتفاقية بعدم التوسع في منح القروض والتسهيلات الائتمانية دون وضع قيود وربط ذلك بملاءة وكفاية رأس مال المصرف.
وأخذت معايير الرقابة على رؤوس أموال المصارف التي تصدرها لجنة بازل الدولية منذ ذلك الحين وحتى وقتنا الحاضر في تطور مستمر، يتماشى مع النقلة النوعية الكبيرة التي شهدتها عمليات المصارف على مستوى العالم، وبالذات في ظل عصر العولمة، ومزيدا من انفتاح الأسواق المالية على بعضها البعض، حيث أصدرت لجنة بازل للرقابة المصرفية في عام 2004 وثيقة بعنوان ''التقارب الدولي حول قياس ومعيار رأس المال'' التي وضعت تفاصيل لإطار العمل المعروف اليوم بمعيار ''بازل2''، الذي يعد تعديلا لـ''بازل1''، وذلك بإدخال المزيد من متطلبات رأس المال الأكثر حساسية تجاه مختلف المخاطر، مثل المخاطر التشغيلية، مخاطر الائتمان، مخاطر السوق، ومخاطر أخرى كمخاطر السيولة ومخاطر سعر الفائدة، والمخاطر المرتبطة بالسمعة وغيرها.
وبتفجر الأزمة المالية العالمية في منتصف عام 2008 وإعلان البنك الأمريكي ليمان براذرز الاستثماري إفلاسه، برز على سطح الساحة المصرفية العالمية معيار جديد لـبازل يطلق عليه ''بازل3''، والذي يعد أكثر صرامة وتطورا من حيث المتطلبات الرقابية مقارنة بمعياري ''بازل1 و بازل2''، ويتوقع للبنوك العالمية أن تكون متوائمة تماما مع جميع متطلباته في عام 2019، التي من بينها على سبيل المثال رفع الحدود الدنيا لنسبة الملاءة المالية أو كفاية رأس المال لتصبح 10.5 في المائة.
وبالنسبة لالتزام البنوك السعودية بمعايير كفاية أو ملاءة رأس المال، فقد أصدرت مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما'' تعليمات للبنوك في عام 1992 بتطبيق معيار ''بازل1''، ومنذ ذلك الوقت وحتى 2009 والبنوك السعودية تحافظ على مستويات كفاية رأسمال عالية جدا، بمتوسط بلغت نسبته نحو 19.25 في المائة، لكن انخفضت تلك النسبة بسبب تطبيق معيار ''بازل2'' إلى 16.5 في المائة، التي لا تزال جيدة وقوية، حيث تمثل أكثر من ضعفين متطلبات ''بازل1''. وفي سياق تطبيق معيار ''بازل2''، ركزت مؤسسة النقد خلال السنوات الماضية على تشجيع المصارف السعودية على القيام بإجراء اختبارات الضغط ''الجهد'' للتأكد من قدرة مراكز البنوك المالية على التحمل تحت تأثير سيناريوهات مالية واقتصادية مختلفة، من خلال تحديد الآثار السلبية لتلك السيناريوهات الاقتصادية المتنوعة حول تعرضها للمخاطر الائتمانية وكفاية رأس المال الكلي. وبعد ذلك، أصدرت ''ساما'' تعليمات إضافية أكثر تفصيلا حول معيار ''بازل2''، وتعليمات أخرى حول متطلبات اختبار الضغط المصرفي. ويراقب فريق المؤسسة الخاص بمعيار ''بازل2'' عن كثب طرق ومنهجيات وفرضيات اختبارات الضغط المحددة، التي تنطوي عليها ممارسات اختبارات الضغط للمصارف في عمليات المراجعة لخططها للتقييم الداخلي لكفاية رأس المال، حيث يطلب من المصارف تقديم دعم كاف لرأس المال لمواجهة الأزمات المالية والاقتصادية المحتملة.