توقعات غير واقعية.. إذا كان التحليل واقعياً وحقيقياً!
وأنا أقرأ هذه الصحيفة الصادرة يوم السبت بتاريخ 20/9/1432هـ الموافق 20/8/2011 ، شد انتباهي عنوان عريض (توقعات بأن تنتعش عائدات الاقتصاد السعودي ـ لأول مرة مداخيل ''العمرة'' تقرب من تحقيق ''34'' مليار ريال)، فقرأت ما كتب تحت هذا العنوان، وإذا بي أتناول القلم لأكتب ما أعتقد من واقع ما شاهدته، وأنا في مكة المكرمة خلال عشرة أيام (7 ـ17 /9 /1432هـ)، ومما لاحظته من ارتفاع أسعار فنادق فئة الخمسة نجوم بما فيها من إضافات لقاء وجبة الإفطار أو السحور أو كليهما، التي تعد بحق وحقيقة مرتفعة جداً، خصوصاً القريبة من الحرم، ونظرة المحلل (النظري) البعيد عن إدراك الواقع الحقيقي لهذه ''المداخيل'' يعتقد أن هذا ينعش الاقتصاد السعودي عندما لا يدرك مدى استقرار هذه ''المداخيل'' في المملكة، وعدم خروجها إلى خارج المملكة، وفي الحقيقة أن أغلبية الفنادق من فئة خمسة نجوم تدار من قبل شركات أجنبية، وأن أغلبية العاملين فيها من غير السعوديين، خصوصاً القياديين ذوي الرواتب والأجور والمزايا والحوافز المرتفعة، فضلا عن الفنادق من الفئة الأقل، وبطبيعة الحال أن أغلبية نصيب الشركات والعاملين غير السعوديين من الدخل لا يتم صرفه داخل المملكة، بل يخرج خارج المملكة إلى بلدانهم، أو مكان استثماراتهم خارج المملكة، وبالتالي يكون توقعات بعض المختصين الذي كتب عنه لو تحقق فعلاً، فإنه لا ينعش اقتصادنا السعودي، بل يشكل دورة تعامل تجاري لا يضيف دخلاً كبيراً للاقتصاد كما توقع، وتكون النتيجة أن التوقعات غير واقعية عندما يكون التحليل واقعياً وحقيقياً، ولذلك نقول إن الرصد الحقيقي ''للمداخيل''، أي إيرادات الفنادق بكل فئاتها، والشقق والمصروفات قد يضر باقتصاد المملكة لأن بلادنا دولة مستوردة لكثير من الاحتياجات والمستلزمات التي تباع للحجاج والمعتمرين والزوار، وهذه حقيقة يدركها كل راصد ومحلل نزيه ينأى بنفسه عن الدعايات الإعلامية غير الحقيقية.
وما دمت قد انجررت للكتابة برأيي المتواضع عما سطر تحت العنوان، فإن هذا يدعوني للكتابة عن بعض مشاهداتي وملاحظاتي وملحوظاتي أثناء وجودي في مكة المكرمة، فالدولة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ــ حفظه الله ــ صرفت وتصرف مبالغ كبيرة جداً بالمليارات في توسعة الحرم، والتطوير والتنمية المتنوعة بمشروعات كبيرة مختلفة بغية تمكين الحجاج والمعتمرين من أداء مناسكهم بيسر وسهولة، وراحة تامة دون أن تنتظر عائداً مالياً، لكن ــ بكل أسف ــ نلاحظ أن المستثمرين من سعوديين وغير سعوديين يبالغون في رفع أسعار الفنادق والشقق والسلع والمواد المختلفة بشكل لافت للنظر تغلب عليهم نزعة استغلال للمواسم، وهي نزعة مادية بحتة تتسم بالجشع والطمع مع عدم تقديم خدمات كاملة كما هو متوقع في مثلها في المدن الأخرى داخل المملكة، أو حتى خارج المملكة، وهذا ما لاحظته ـ كمثال ـ عند سكني في أحد الفنادق من فئة خمسة نجوم القريبة من الحرم، إذ لم توفر الخدمات العادية التي توفر في مثل هذه الفنادق من نظافة سريعة للغرف إلا بعد طلب ذلك بإلحاح وتكرار، أو تقديم خدمات عادية جداً، وعلى سبيل المثال عندما سكنت طلبت تأكيد الحجز من الخطوط الجوية فأحلت إلي غرفة كتب عليها (مركز الأعمال) في الفندق، فأعطيت الموظف التذاكر من أجل القيام بالمهمة، وبعد لحظة قال لي تعذر تأكيد الحجز، وأنه بإمكاني الذهاب إلى مكتب الخطوط الذي وصف لي موقعه للقيام بتأكيد الحجز، فاستغربت ما سمعت وبحثت عن مسؤول في الفندق لأقول له ما سمعت، ووجدت (مدير أول للمكاتب الأمامية)، وعرفته بنفسي كساكن يستغرب تدني مستوى الخدمات في فندق من فئة خمسة نجوم، بل يكاد بعضها تكون معدومة، فتحمس وأخذ التذاكر مني، وأعطاني إياها بعد ساعتين مؤكدة الحجز، وهذا كمثال بسيط جداً، وما خفي كان أعظم، فأسعار الغرف مختلفة فلاحظت أن سعر الغرفة التي سكنت فيها مبلغ (2570) ريالاً ولعشرة أيام (25700) ريال، وهي غير مطلة على الحرم، وبسؤال صديق ساكن في غرفة مماثلة قال: إن سعر غرفته (2400) ريال، بفارق (170) ريالا، وأردت أن أعرف أكثر عن هذا التعامل المتناقض غبر العادل ، فسألت عن سعر الغرفة في العشر الأواخر من رمضان، فقال لي من سألته: إنه يراوح ما بين خمسة إلى ستة آلاف ريال، ومصادفة قابلت المدير العام للفندق، فناقشته بداية بقولي إنني لا أشعر أنني أسكن في فندق من فئة خمسة نجوم لتدني مستوى الخدمات المتوافرة، وانعدام بعض الخدمات كلية، وذكرت بعض الأمثلة، فقال لي أنه يصعب توفير كل الخدمات التي توفر في الفنادق ذات الخمسة نجوم، ولم يوضح لي أسباب الصعوبة، وأعتقد أن السبب كثرة الساكنين للإقبال الكبير على شغل الفندق بنسبة (100 في المائة)، لكون الطلب أكبر من العرض، ودليل ذلك الإخطار الذي يوزع على الغرف بموعد المغادرة الساعة الثانية ظهراً، فإن كان الساكن يريد التأخر عن موعد المغادرة ثلاث ساعات تضاف عليه 25 في المائة من سعر الغرفة، وإن كان خمس ساعات يضاف عليه 50 في المائة من سعر الغرفة، وإن كان أكثر يدفع سعر الغرفة كاملاً، فالحرص التام على الناحية المادية، وعدم التسامح جعلني أستغرب ذلك، ولأنني أهتم بما يتعلق بالشأن العام، خصوصاً في هذه الأرض الطاهرة التي يجب أن يتحلى فيها كل شخص مسلم بالعفة والنزاهة والاستقامة والورع، فقد رأيت أن أذهب إلى الفندق الذي سكنت فيه العام الماضي، وهو من فئة خمسة نجوم، ويبعد عن الحـرم قرابة (500 م)، وكان سعر الغرفة ألف ريال مع وجبة الإفطار أو السحور، وعندما ذهبت سألت عن السعر هذه السنة فقيل لي (1700 )، ريال أي بزيادة (700) ريال على العام الماضي، فماذا تمثل هذه الزيادة؟ هل هي نتيجة لانخفاض القيمة الشرائية للريال؟ أم لأسباب أخرى؟ ومن ذلك انعدام الرقابة من الهيئة العامة للسياحة، والجهات الرقابية الأخرى في وزارة التجارة والصناعة، والبلديات، ويكاد يترجح لدي أن هذا من أهم الأسباب، وأستشف ذلك مما قرأته من تصريح للمدير التنفيذي للهيئة العامة للسياحة والآثار بمنطقة مكة المكرمة المنشور في صحيفة ''المدينة'' بتاريخ 10/9/1432 هـ الموافق 10/8/2011 عندما ذكر الحد الأعلى لأسعار الفنادق، ومنها فئة خمسة نجوم خارج الموسم (2000 ) وقال: في المواسم التي حددها في شهر رمضان، وموسم الحج، يضاف ( 100 في المائة)، وأعتقد أن هذه النسبة كبيرة ـ نسبياً ـ لما لاحظته من تدني الخدمات، و قال: في سياق تصريحه ( .. وذلك لضمان حق العميل بأن يدفع سعراً يتوازى مع الخدمات المقدمة له)، فماذا يكون عند تدني الخدمات أو انعدامها كما أسلفت؟ ناهيك عند الحديث عن العروض التي تضاف إلى سعر الغرفة لقاء وجبتي الإفطار والسحور وغيرها، إذ قال: ( نود أن نؤكد أن الهيئة لا تتدخل في أسعار الخدمات الأخرى في الفندق..)، وأعتقد أن هذا جعل الفنادق تتمادى في رفع الأسعار تحت ستار هذه الخدمات التي لا رقابة عليها، والحديث عن ملاحظاتي وملحوظاتي يطول لو ذكرتها، لكن المساحة محدودة، أرجو أنني لم أتجاوزها، وهذا اضطرني إلى الاكتفاء بما تقدم ذكره، آملاً أن يكون فيه الفائدة لتلافي المبالغة في رفع الأسعار التي يتذمر منها كثير ممن تحدثت معهم، وقد يكون من أغلب المعتمرين ، ناهيك أنه لا ينعش الاقتصاد الوطني، بل قد يضر به كما ذكرت سابقاً، والله الهادي إلى سواء السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.