صندوق أكبر حجما يمكن أن يمنع الانهيار التالي
تتطلب المشاكل غير العادية حلولاً غير تقليدية. والنظام المالي العالمي مهدد بأزمة جديدة يمكن أن تكون أسوأ من أزمة عام 2008. وقد أثار انقلاب المستثمرين ضد إيطاليا وإسبانيا في الآونة الأخيرة حالة من الهلع في أسواق الأسهم التي كانت بالفعل تشعر بشيء من العصبية بسبب توقعها تراجعا اقتصاديا جديدا، وبسبب المأزق السياسي في الولايات المتحدة. ولمواجهة ذلك، على صندوق النقد الدولي إنشاء «تسهيلات دين» جديدة لمساعدة البلدان المدينة على تدبر شؤونها المالية.
ولا تظهر الأزمة الحالية أية إشارات على التراجع. فقد اتخذ زعماء منطقة اليورو كل ما بوسعهم من خطوات مجدية سياسياً في المرحلة الحالية من التوحيد النقدي. كذلك البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قريبان من حدود طاقاتهما. ومن شأن اللجوء إلى تقليص الديون – أي إلى عجز منظم – مساعدة البلدان المعنية، لكنه يسبب خسائر كبرى للبنوك الأوروبية، وشركات التأمين، وصناديق التقاعد، مع مخاطر تهدد النظام ككل يمكن مقارنتها بفشل ليمان براذرز عام 2008. إن المشكلة في الوقت الراهن تتجاوز قدرات البلدان المتقدمة وتهدد نمو الاقتصاد العالمي، وبالتالي البلدان الناشئة. وتتراجع أسواق الأسهم في الصين، والهند، والبرازيل وغيرها، لكن الفوائض الكبرى توجد في احتياطيات بنوكها المركزية. وثمة حاجة إلى إجراءات جديدة وفعالة لمعالجة المشكلة على نطاق عالمي.
حين كنت المدير الإداري لصندوق النقد الدولي ( 1973 – 1978) نجحنا في إنشاء «تسهيلات نفطية» عام 1973 لتجاوز مشكلة فائض أوبك وما نجم عنه من مشاكل عجز. وأنشأنا كذلك «تسهيلات إضافية» عام 1977 تبين أنها كانت حيوية في استجابتنا لأزمة ديون أمريكا اللاتينية. فلماذا لا ننشئ الآن «تسهيلات ديون جديدة» لمنح البلدان التي تعاني أزمة ديون سيادية مجالاً لإصلاح أمورها المتعلقة بالاقتراض؟
كانت التسهيلات الأصلية مفيدة لأن قدرة صندوق النقد الدولي على الاقتراض مقيدة بنظامه التمويلي من خلال حصص مرتبطة بحجم البلدان. وكذلك حين ارتفعت أسعار النفط بصورة حادة عام 1973، تكونت لدى أوبك على نحو مفاجئ فوائض في موازين مدفوعاتها أكبر بكثير من حصصها في الصندوق. ومكنت التسهيلات صندوق النقد الدولي الذي كانت فيه كميات قليلة من عملات بلدان أوبك، من زيادة الاقتراض واستخدام الأموال لإقراض بلدان سبب لها ارتفاع أسعار النفط عجوزات لا تستطيع البنوك التجارية تمويلها بسهولة.
كان المقصود من استخدام هذه الأموال وإتاحة مزيد من الوقت لتقليص العجوزات، تقليل الأثر الانكماشي لمحاولة القيام بذلك على الفور. ويختلف الوضع الحالي عن ذلك من عدة جوانب، لكنه مشابه من حيث أن لدى عدد من البلدان الناشئة وبلدان منظمة أوبك فوائض ضخمة، مقارنة بحصصها في الصندوق، بينما تصارع البلدان المتقدمة لإقناع البنوك بالاستمرار في التمويل الحيوي.
إن من شأن «تسهيلات ديون» جديدة السماح للصندوق باقتراض مبالغ كبرى من كل بلدان الفوائض، وبالتالي تقديم تمويل مؤقت حتى إلى بلد كبير مثل إيطاليا. ويمكن لمثل هذا البلد تقديم طلب إلى الصندوق من أجل ترتيب جاهز للاستخدام بحيث يلبي كل حاجاته التمويلية لمدة عامين – إلى أن يصبح بالإمكان تخفيض عجز ميزانيته على نحو كبير. ويمكن لهذا الأمر طمأنة الأسواق وتخفيض معدلات الفائدة إلى المستويات الطبيعية، بحيث يتم اللجوء إلى استخدام جزئي للترتيب الجاهز للاستخدام ـ إذا استخدم أصلاً.
ويمكن لمثل هذه التسهيلات أن تجعل بالإمكان طرق أبواب الاحتياطيات المالية الهائلة في البنوك المركزية للصين واليابان، أو بلدان الشرق الأوسط، إضافة إلى ألمانيا. ويمكن أن يكون ذلك أكثر جاذبية لبلدان الفائض من التمويل المباشر لبلدان العجز.
ولتمويل صندوق النقد الدولي أولوية في أي عجز، ولذلك فإن مخاطر تمويل البلدان في حدها الأدنى. وستكون الأموال التي يتم إقراضها للصندوق متاحة إذا أرادت البلدان السحب من تلك الأموال في وقت لاحق. وتظل الأموال في احتياطيات البنوك المركزية، بحيث لا تؤثر على دافعي الضرائب.
هناك ميزة أخيرة تتمثل في جعل البلدان الكبيرة، مثل إيطاليا وإسبانيا، خاضعة لشروط صندوق النقد الدولي. ويمكن للصندوق في تلك الظروف القيام بعمل البنك المركزي الأوروبي الذي يتطلب شراؤه الشجاع لسندات البلدان المدنية سياسات مالية ملائمة. ومن الواضح أن هذه هي مهمة صندوق النقد الدولي، وليست مهمة البنك المركزي الأوروبي. ومن شأنها استعادة الثقة في الأسواق، وبذلك يمكن ممارسة التمويل مرة أخرى، في نهاية الأمر، من جانب آليات الأسواق المعتادة.
إن إجراء دولياً يعد أمرا ملحا في الوقت الراهن لتجنب دورة انكماشية مفرغة يمكن ألا تكون حكومات كثيرة - تعاني مشاكل ديون – قادرة على مواجهتها، حتى لو أصبحت هي نفسها قوة انكماشية.
كان الكاتب مديراً إدارياً لصندوق النقد الدولي في الفترة من 1973 – 1978.