في أول عيد بعد الثورة .. الزوار العرب أكثر ثقة من الأوروبيين بمصر كخيار سياحي
كنت ستفكر ملياً في مدى مصداقية محبة أحدهم لك إذا نصحك بقضاء الجزء الأخير من شهر كانون الثاني (يناير) الماضي في ميدان التحرير على سبيل المثال، فالظروف التي عاشتها مصر في تلك الفترة بقدر ما كانت تعيد رسم الخريطة السياسية، فهي كانت كذلك تلقي بظلالها على خطط كثير من الأشخاص الذين كانوا يضعون في أجندتهم زيارة بلد تمثل السياحة أحد أهم روافده الاقتصادية، غير أن مستوى القلق بدأ في الانخفاض تدريجياً مع عودة الحياة إلى طبيعتها، فيما كانت المناسبات الموسمية التي تمر بها مصر للمرة الأولى في واقعها السياسي الجديد هي المحك الحقيقي لاختبار مدى التأثر الذي طال مفاصل الحياة سلباً وإيجاباً، ولا يقتصر هذا على السياحة فحسب، بل يشمل كذلك جوانب اجتماعية واقتصادية وثقافية وخدمية.
وبعد مرور أشهر قليلة على الثورة، بدأ عدد من الفعاليات التي اعتادها الجمهور العربي في مصر في استعادة نشاطه الذي كان أبرزها معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث أعيد افتتاحه مع بداية آب (أغسطس) الماضي مع التأكيد على إقامة النسخة المؤجلة منه في كانون الثاني (يناير) المقبل، وقد أثبت حضور زوار المعرض أن نسبة لا بأس بها من العرب أعادت الخيار المصري إلى قائمة وجهاتها الصيفية في وقت تغيرت فيه بوصلة كثيرين نحو تركيا وأوربا نظراً لظروف المنطقة، بينما بدا أن القطاع السياحي في أرض الكنانة بدأ في استعادة وعيه بعد الغيبوبة القسرية التي كلفت مصر خسائر تقترب من 2.5 مليار دولار بحسب تقديرات وزير السياحة فيها، حيث مثلت المناسبات الدينية كشهر رمضان وعيد الفطر في مرورها الأول على مصر ما بعد الثورة فرصة لإقامة عدد من الأنشطة لاجتذاب الزوار من العالمين العربي والإسلامي، فأقيمت النسخة الثانية من ''مهرجان فوانيس رمضان 2011'' الذي اختتم رسمياً في ثاني أيام العيد في حديقة الجزيرة في منطقة الزمالك بمدينة القاهرة، بحضور نخبة من الفنانين المصريين وعدد من الفرق الفنية، كما شمل الحفل الختامي له تقديم عروض الفنون الشعبية والفلكلورية وفقرات للأطفال وعروض الخفة والليزر، وإن كانت مدينة شرم الشيخ الساحلية قد عاشت قلقاً نسبياً مع عودة اسمها إلى واجهة الأحداث في مرحلة معينة، إلا أنها عادت لاستقبال الراغبين في قضاء العيد فيها رغبة في خياراتها السياحية والترفيهية، من الرياضات المائية والبحرية ورحلات السفاري والتعرف على الحياة البدوية، فضلا عن الحياة الليلية التي تضيء منتجعاتها، بينما يؤكد عائدون من مصر أن تسهيلات إضافية على مستوى الإقامة والاستقبال والتنقل منحت للسائحين خلال عيد الفطر المبارك وهو ما يدخل في إطار توجه البلاد جدياً لاستعادة قيمتها السياحية في المنطقة.
وإذا كانت الاعتبارات الأمنية المواكبة للمرحلة الانتقالية الحالية لا تبعث على خلق ثقة سياحية لدى البعض، فإن آخرين لا يرون لها علاقة بالأمر، فيما يذهب آخرون إلى أن السياحة قد تكون سياقاً آخر يعيد اكتشاف نفسه وتجديد آلياته مع حالة التغيير العام الذي حدث أخيرا، وقد تصبح الأمور مشجعة أكثر، ليس فقط لأن وزير السياحة المصري تحدث عن عودة الحركة السياحية لبلاده إلى معدلاتها المعتادة في السنوات الأخيرة بعد شهر تماماً من الآن، بل أيضاً لأن الفنان الأسترالي بيتر أندريه الذي قال في أحد تصريحاته ''أنا لا أجازف، الأمن يأتي في المقام الأول بالنسبة لي'' زار مصر بالتزامن مع أيام عيد الفطر، وكأنه يختار أن يكون موجودا في المكان الطبيعي ليروج لعمله الجديد ''برفكت نايل''!
في جانب آخر، كان عمرو العزبي وهو رئيس ''الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي'' قد أكد على أن الأشهر الأخيرة أظهرت المكانة المتميزة التي تحتلها مصر في قلوب السائحين العرب وذلك على الرغم من الظروف التي عاشتها مصر خلال النصف الأول من هذا العام، وأشار إلى أن الحركة السياحية الوافدة من الدول العربية خلال شهر حزيران (يونيو) الماضي سجلت انخفاضا بنسبة 0.3 في المائة مقارنة بانخفاض قدره 33.3 في المائة في عدد الوافدين الأوروبيين، كما أكد أن السائحين القادمين من المملكة يتصدرون القائمة العربية لزوار مصر، حيث وصل عددهم إلى 118.555 سائحا خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، إضافة إلى زوار من الكويت، الإمارات العربية المتحدة، الأردن، وقطر، ودول عربية أخرى.
قد ينصحك أحدهم الآن بزيارة ميدان التحرير، ولن تشك في محبته لك، بل ستقدر له نصيحته التي ستأخذك إلى مكان غدا معلماً تاريخياً، وهناك سيكون بإمكانك التأكد من أن السياحة المصرية قد شرعت فعلياً في ''تحرير'' نفسها من تبعات الظروف السياسية الصعبة.