مطاردة مصرفي من عصابات البنوك
منذ أزمة الائتمان، تحمس المصرفيون الاستثماريون الذين أصبحوا مؤلفين ''لفك شفرة الصمت الذي ساد المركز المالي لمدينة لندن''، و''لكشف تجاوزته''. وازدحمت أرفف الكتب بقصص غريبة للغاية حول جموح المصرفيين الجشعين. وكلها مواضيع مضجرة. وحيث إنني اشتغلت شخصياً في قطاع المصرفية، فمن الواضح أن الناس والمواقف التي تصفها هذه القصص عبارة عن رسوم كاريكاتورية للواقع في العادة، وتم اختيارها بعناية على مدار السنين، وتقديمها على أنها القاعدة.
بناءً عليه، حينما وجدت أن الفصل الأول بأكمله من الكتاب المشوق للمؤلف جيرانت أندرسون، ''مجرد أعمال فقط''، كان عبارة عن رواية للكيفية التي كان ستيف جونز، المدير العام لبنك استثماري، والشخصية الرئيسة في الكتاب، يرفه بها عن زبائنه بمرح صاخب في ناد ليلي راقٍ بلندن، كان من السهل أن أتذمر قائلاً: ''ها نحن نمضي مرة أخرى''. حظي جميع المصرفيين بحصتهم العادلة من القصص الغريبة. وكانت حصيلة سيرتي المهنية التي سبقت عملي في ''فاينانشال تايمز'' لدى بنك استثماري كبير، ومجموعة أسهم خاصة، كثيرة للغاية من هذه القصص (بما فيها مدير عام قام بتحديد الإطار الزمني كي ''يخطب فتاة''). ولكن هذه القصص تشكل القليل للغاية مما يعد بخلاف ذلك بيئة عمل عادية إلى حد ما. وفي الأساس، يمضي يوم المصرفي الاستثماري العادي كالتالي: الوصول إلى المكتب، وضع جدول، تناول وجبة الغداء، الذهاب إلى اجتماعات، تناول وجبة العشاء، العمل على عرض تقديمي باستخدام برنامج ''باور بوينت''، طلب سيارة بالهاتف لتوصله إلى منزله نحو منتصف الليل. غير أن ذلك لا يروج لأي كتاب.
يعرف أندرسون أن مشجعيه - داخل المركز المالي لمدينة لندن وخارجه – يقرأون كتبه من أجل الشائعات المثيرة. وصنع كاتب عمود ''صبي المركز المالي'' المجهول سابقاً الذي كان يكتب في صحيفة لندنية للمواصلات معطلة عن العمل حالياً، اسمه بجعل الناس يتلهفون بشأن الأعمال الجريئة للمصرفين وأقربائهم. وحيث إنه متقاعد الآن من عمله السابق كمحلل للمرافق في بنك استثماري، فإنه يشارك في البرامج الحوارية، ويكتب مؤلفات مستوحاة من كدحه اليومي السابق.
في كتاب ''مجرد أعمال فقط''، يجد ستيف دليلاً على أن البنك الذي يرأسه يمارس عمليات غسل أموال ذات صلة بالمخدرات لبعض الكولومبيين الفاسدين، ويحاول شق طريقه بالابتزاز للحصول على حصة من الأرباح. يا للهول، لقد أغضب الآن الأشخاص الخطأ، وعليه الآن أن يتوقف ويهرب مع صديقته جيما. وتجري الشرطة في أعقابه، و''إم آي 6''، وسلطة الخدمات المالية، وقتلة مأجورون من اتحاد المخدرات، وقاتل يتقاضى أجراً عالياً يدعي ''ذا بانثر''، أي النمر (ليس له علاقة بقصة فريدريك فورسث، جاكال). وبعد ذلك إشارة إلى مطاردة دولية تختلط باستخدام غير قانوني وفير للمخدرات.
الفصول الأكثر إمتاعاً في هذه الرواية هي مشاهد المطاردة. ومن الواضح أن أندرسون يعرف غرب لندن بشكل كافٍ ليكون سائق تاكسي أسود البشرة، وفيه تفاصيل كافية ترضي أي شخص يعرف المنطقة تماماً. وبالمثل، فإن المشاهد التي تقع أحداثها في إسبانيا، والمغرب، والهند، تشكل جميعها أجواء مألوفة مرضية، على الرغم من أن أسلوبه الحواري القوي في الكتابة يأتي في بعض الأحيان على حساب الوصف الحي. وهناك عبارات حديثة تضفي نكهة على السرد إلى الحد الذي قد يضطر بعض القراء غير اللندنيين إلى البحث على ''جوجل'' لإيجاد معنى عبارة أو مصطلح (توجب عليّ شخصياً أن أبحث عن معنى a tinker’s cuss أي شروى نقير.
على الرغم من ذلك، فإن كتاب أندرسون يبدو وكأنه هجوم على المركز المالي لمدينة لندن، وليس رواية، وفي بعض الأحيان، يتمادى الكاتب الذي يوبخ البنوك بعنف ويستخدم العبارات لمجرد ملء الفراغ، كثيراً. وفي بعض الأحيان، يربط البنوك باتحادات المخدرات، ويشجب في الوقت ذاته جشع وغطرسة موظفيها باستمرار. وفي حقيقة الأمر، فإن الصحافي الرياضي العادي يظهر غروراً يتجاوز غرور المصرفي العادي - ويمكن أن يتصرف الصحافيون الضعفاء مثل حكام القلة الفاسدين إذا لم يوافق الشخص على وجهة نظرهم. على الأرجح أن تكون قراءة ''مجرد أعمال فقط'' ممتعة، ولكنه ليس انعكاساً دقيقاً لقطاع المصرفية الاستثمارية. وما زلنا بانتظار رواية تأتي وتقول لنا بالضبط كيف هي الحال في المركز المالي لمدينة لندن – وأنه بعد أخذ جميع الأمور بعين الاعتبار، ربما أنه ليس شيئاً رديئاً.