المصالحة الفلسطينية البداية للاعتراف بالدولة

بعد مناقشات ومداولات طويلة واتصالات مكثفة مع الراعي الأمريكي، حسمت السلطة الفلسطينية موقفها، حول مطالبة المجتمع الدولي الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وتوجه الرئيس محمود عباس إلى نيويورك لحضور دورة الجمعية العمومية للأمم المتحدة لمناقشة هذا المطلب وتبنيه في اجتماعاتها.
في هذا السياق، أشار نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح في مؤتمر صحافي عقد في رام الله إلى أن الموقف الأمريكي الذي حمله المبعوثان الرئاسيان، دنيس روس وديفيد هيل، أسهم في حسم القرار الفلسطيني بالتوجه إلى الأمم المتحدة، وأوضح أن المبعوثين الرئاسيين أكدا تمسك إدارة الرئيس أوباما بموقفها المساند لسياسات إسرائيل في بناء المستوطنات.
وفي هذا السياق، يجدر التذكير بأن السلطة الفلسطينية سعت في الأشهر القليلة الماضية لحشد موقف عالمي مناصر لإعلان قيام الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ردا على فشل المفاوضات الماراثونية مع الصهاينة، ووصولها إلى طريق مسدود.
مصاعب كثيرة يتوقع أن تواجه مسألة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية المستقلة، أهمها اعتراض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على إعلان قيام الدولة دون اتفاق مسبق مع الكيان الصهيوني. الأقرب أن يجري تصويت الجمعية العمومية للأمم المتحدة إيجابا على الإعلان، لكن صلاحيات هذه الجمعية لا تتعدى حدود التوصية، ونقل المقترح إلى مجلس الأمن الدولي للتصويت عليه.
وإذا افترضنا جدلا أن الفلسطينيين تمكنوا من إحراز هدفهم في الاعتراف الدولي بدولتهم، فإن مشكلات كثيرة أخرى ستواجه تأسيس الدولة، وستبقى معلقة دون حل. فقيام الدولة لن يكون، بحسب تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية فك ارتباط نهائيا عن الاحتلال الصهيوني، وستستمر العلاقات القائمة بين السلطة والإسرائيليين إلى مرحلة ليس بالمستطاع تقدير زمنها.
وبحسب تصريحات ''أبو مازن'' فإن الذهاب إلى الأمم المتحدة، والحصول على وثيقة الاستقلال، ليس نهاية المفاوضات بين السلطة والعدو الصهيوني. ستبقى منظمة التحرير الفلسطينية ملتزمة بالاتفاقيات الموقعة مع الكيان الغاصب، بما في ذلك اتفاقية أوسلو عام 1993.
بمعنى آخر، سيبقى قرار الاعتراف الدولي رهينة في يد إسرائيل. وتعود السلطة الفلسطينية إلى المربع الأول في مفاوضاتها مع الإسرائيليين. وسيستمر الفيتو الأمريكي ووقف تمويل الاتحاد الأوروبي سيوفا مسلطة فوق رقاب الفلسطينيين، إن هم تمسكوا بأدنى الحقوق. ولن يحول اعتراف الجمعية العمومية للأمم المتحدة بالسلطة، ما لم تتغير موازين القوى، دون استمرار الصهاينة في بناء المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومرة أخرى، ستصطدم السلطة الفلسطينية بالتصلب الإسرائيلي.
ولن يكون مجديا المراهنة على أي تغيرات سياسية مستقبلية في الموقفين الإسرائيلي والأمريكي، نتيجة لتغير خريطة ونتائج الانتخابات في الولايات المتحدة والكيان الغاصب. فقد أثبتت تجارب الماضي أن ليس من خلافات جوهرية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بين إدارات المحافظين والليبراليين. بل إن المواقف المتشددة في إسرائيل والولايات المتحدة من القضية الفلسطينية هي أحد عناصر شرعية الحكومات المتتالية في البلدين. فلم يكن هناك خلاف في الموقف بين رئيس الحكومة الإسرائيلي الليبرالي أيهود باراك ورئيس الحكومة الإسرائيلية اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو، ولا بين الرئيس الأمريكي الجمهوري جورج بوش أو الرئيس الأمريكي الديمقراطي باراك أوباما. الكل يعمل جل ما في وسعه لدعم السياسة الإسرائيلية الاستيطانية التوسعية، والتنكر لحق الفلسطينيين في العودة والحرية والاستقلال والاعتراف بعروبة القدس. بمعنى أن التعويل على تغير السياسات نتيجة لتغير الإدارات الحاكمة في أمريكا أو إسرائيل لن يتعدى حدود التسليم بالوهم.
والنتيجة أن حصول الفلسطينيين على اعتراف أممي بدولتهم ليس خطوة تاريخية على طريق إنجاز الأهداف المشروعة للكفاح الفلسطيني. وأن سبل تحقيق الأهداف الوطنية هي صياغة خريطة نضالية جديدة، تسهم فيها مختلف فصائل المقاومة، وتعيد الاعتبار للوحدة الوطنية، وبشكل خاص الاتفاق بين حماس وفتح، والاتفاق على ثوابت الكفاح، وإعادة توحيد العمل الفلسطيني في الضفة والقطاع.
مثل هذا الاتفاق يمكن أن يمثل محطة انتقال تاريخية في النضال الفلسطيني، وينبغي ألا يتم النظر للمصالحة، من قبل السلطة باعتبارها عنصر ضغط يلوح به للإدارة الأمريكية وإسرائيل؛ لعدم الاعتراض على قيام الدولة الفلسطينية. إن تبني تكتيك كهذا خطأ استراتيجي، بكل المقاييس. لا يكفي أن تتسلح السلطة الفلسطينية بتعهد اللجنة الوزارية لمتابعة مبادرة السلام العربية، بدعمها في نيويورك، دونما تصليب الموقف الفلسطيني داخليا. إن العمل على إعادة وحدة صنع القرار في الضفة والقطاع خطوة ملحة على طريق تحرير القرار الفلسطيني وتصليبه أمام محاولات الابتزاز.
إن دروس الماضي القريب لا تزال ماثلة أمامنا. فقد واصلت السلطة الفلسطينية، في الأشهر الأخيرة جهودها الدبلوماسية، وأبقت قنوات اتصالاتها مفتوحة مع الإسرائيليين والأمريكان، تحت لافتة الدفع بعملية السلام، لكن تلك اللقاءات لم تنجز خطوة واحدة على طريق إقناع الإسرائيليين والأمريكان بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية فالنتائج جاءت مخيبة للآمال. لقد تقابل الرئيس أبو مازن مع رئيس الكيان الصهيوني، شمعون بيريز ووزير الحرب أيهود باراك في العاصمة الأردنية عمان، ولم يستمع إلى ما يفيد باستعداد الإسرائيليين لتقديم أي نوع من التنازل من أجل إنجاح مسيرة السلام. وهدد المبعوثان الرئاسيان الأمريكيان، هل وروس، اللذان استقبلهما أبو مازن بعد اتصال هاتفي من وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، لثنيه عن الذهاب للأمم المتحدة، باستخدام الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن الدولي وقطع المعونات الأمريكية.
ما تريده الإدارة الأمريكية وإسرائيل هو أن تتحول منظمة التحرير التي انبثقت من رحم المقاومة إلى شرطي يحمي حدود الكيان الغاصب ويدافع عن مستوطناته ويشارك في الحصار المفروض على غزة، وهدر المزيد من الوقت، بالمراهنة على الاستفراد الأمريكي بالملف الفلسطيني لقضم المزيد من الاستحقاقات الوطنية، مع تنكر صارخ للتعهدات التي نصت عليها الاتفاقيات التي وقعتها السلطة برعاية أمريكية مع الكيان الغاصب، ومن ضمنها اتفاق أوسلو وتفاهمات ميتشل وخريطة الطريق. وكان التهديد باستخدام الفيتو في حالة عرض ملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مجلس الأمن قمة الانحياز الأمريكي الفاضح للكيان الغاصب.
لا مخرج لحالة الارتباك التي تشوب عملية الإخراج للدولة الفلسطينية سوى إنجاز المصالحة الوطنية وتحقيق وحدة القوى المقاومة والشروع في تنفيذ اتفاق القاهرة الأخير، ففي ظل الانقسام والتشرذم تضعف أوراق المفاوض الفلسطيني ويتراجع التفاف الشعب حول قياداته.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي