القطاع المصرفي أنموذج ناجح في توطين الوظائف وتأهيل السعوديين العاملين لديه
شهد إجمالي عدد السكان السعوديين نموا مطردا خلال العقود الخمسة الماضية، بحسب إحصائيات التعداد السكاني في المملكة الصادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات. حيث تضاعف أعداد السكان ثلاث مرات خلال تلك الفترة منذ أول إحصاء رسمي أجرته البلاد في عام 1974، عندما بلغ إجمالي عدد السكان السعوديين آنذاك 6.2 مليون سعودي، وارتفع ليصل وفق آخر تعداد سكاني أجري العام الماضي إلى 18.7 مليون سعودي.
هذا النمو الكبير في عدد السكان السعوديين، فرض على الحكومة السعودية عددا من التحديات المعيشية والحياتية، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، استحداث وظائف للداخلين الجدد إلى سوق العمل بغية تفادي تفشي البطالة بين الشباب والشابات السعوديين، والتي كما تشير الإحصائيات بلغ معدلها 10.5 في المائة بين الجنسين بنهاية عام 2009. ومن بين الحلول التي اتبعتها الحكومة السعودية للتعامل مع مشكلة البطالة في السعودية، إقرار استراتيجية وطنية لتوظيف السعوديين تنطلق رؤيتها من توفير فرص عمل كافية من حيث العدد، وملائمة من حيث الأجر، تؤدي إلى توظيف كامل للموارد البشرية السعودية، وتحقق تنافسية للاقتصاد الوطني.
وتمتاز الاستراتيجية المذكورة بقدرتها في التعامل مع سوق العمل كجزء من منظومة الاقتصاد الكلي، بأخذها في الاعتبار التكامل بين جهود الإصلاح الاقتصادي وبرامج إصلاح وتطوير سوق العمل. من هذا المنطلق، سعت الاستراتيجية إلى التأسيس الكامل لمفهوم الشراكة المؤسسية بين مكونات الاقتصاد الوطني المختلفة من خلال بناء شراكات مع الجهات الأخرى ذات العلاقة بسعودة الوظائف، لتحقيق التفعيل الكامل للسياسات والآليات وفق أدوار ومسؤوليات محددة. كما حرصت الاستراتيجية على بناء منهجية واضحة لعملية متابعة تنفيذ تلك السياسات وفق معايير ومؤشرات كمية، يمكن من خلالها قياس مستوى الإنجاز وتقويم الجهود المبذولة. وقد ساند جهود الحكومة الرامية إلى سعودة وظائف سوق العمل وتوطينها، صندوق تنمية الموارد البشرية من خلال بدء تنفيذ برامج الدعم للتدريب والتوظيف، حيث تمثلت خطة عمل الصندوق من خلال برنامجين أساسيين لتنمية الموارد البشرية، الأول برنامج التدريب المرتبط بالتوظيف للمؤهلين، والثاني برنامج التدريب المرتبط بالتوظيف لغير المؤهلين.
وبهدف تسريع تنفيذ سياسات توطين الوظائف في سوق العمل، بما في ذلك إيجاد حلول سريعة وجذرية لمشكلة البطالة بالقطاعين العام والخاص، صدر أخيرا أمر سام بتشكيل لجنة حكومية عليا لدراسة حجم المشكلة والتعرف على أسبابها، وقد حرص الأمر السامي على دراسة موضوع البطالة بشكل عاجل والرفع بتوصيات اللجنة لوضع حلول عملية وسريعة للبطالة في المملكة في القطاعين العام والخاص. كما بدأت وزارة العمل أخيرا في تطبيق مراحل برنامج ''نطاقات''، الذي جعل من توطين الوظائف ميزة تنافسية بالنسبة للشركات الجادة في سعودة الوظائف، حيث اعتمد البرنامج حزمة من المكافآت التشجيعية للمنشآت التي تحقق نسب توطين مرتفعة بمجموعة من الحوافز، فقد تم تصنيف المنشآت في قدرتها على تحقيق نسب السعودة إلى أربعة نطاقات رئيسة، هي: الممتاز، الأخضر، الأصفر، والأحمر. وتعتبر المنشآت التي تقع ضمن إطار وحدود النطاق الممتاز أفضل المنشآت التي تعمل في سوق العمل من حيث قدرتها على التوطين وسعودة الوظائف، تليها المنشآت التي تقع في النطاق الأخضر، في حين يعتبر البرنامج المنشآت التي تقع ضمن إطار النطاقين الأصفر والأحمر بين أسوأ المنشآت من حيث قدرتها على توطين الوظائف.
ومن بين القرارات الحكومية الأخيرة التي استهدفت تفعيل برامج السعودة المختلفة ومكافحة البطالة في السعودية، منح إعانة للباحثين عن العمل للذين لم تهيأ لهم فرص عمل مناسبة، وإقرار حد أدنى للأجور. وبغية إيجاد حل دائم وغير مؤقت يسهم في رفع مستوى الحماية الاجتماعية إلى المستويات العالمية التي تحمي حقوق العمال في القطاع الخاص، سيتم نقل برنامج الإعانة بعد انتهاء عامه الأول من صندوق تنمية الموارد البشرية، إلى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، بحيث تصبح المؤسسة هي المسؤولة عن تمويل البرنامج بشكل مستمر. كما تناول القرار برنامجا آخر يختص بإعانة ''التأمين التعاوني على التعطل المؤقت''، الذي يتعلق بموظفي القطاع الخاص الذين فقدوا وظائفهم ودخلوا في فترة البحث عن وظيفة أخرى في حال أن الشركة أو المؤسسة أفلست أو أقفلت أو قلصت من احتياجات العمالة لديها، حيث يغطي البرنامج جزءا من احتياجاتهم حتى يجدوا عملا جديدا.
ويتوقع في حالة تفاعل القطاع الخاص مع قرارات الحكومة الأخيرة التي تختص بالسعودة، أن تتمكن المملكة خلال السنوات القليلة المقبلة من التغلب على مشكلة البطالة والقضاء عليها بشكل جذري، ولا سيما أن هناك نماذج ناجحة لعدد من القطاعات والأنشطة الاقتصادية في القطاع الخاص التي تمكنت من تحقيق نسب سعودة مرتفعة، إضافة إلى تأهيل السعوديين العاملين لديها، بالشكل الذي يتناسب مع متطلبات سوق العمل، والتي من بينها على سبيل المثال، القطاع المصرفي، الشركة السعودية للصناعات الأساسية ''سابك''، وشركة أرامكو السعودية.