كيف يؤثر الخريف في صحة كبار السن .. وما علاقة الغذاء؟
ذكرنا في موضوع الأسبوع الماضي تدرج التغيرات المناخية للمناطق المعتدلة مناخيا ومن ضمن هذا التدرج التغير المناخي بين فصلي الصيف والخريف، بعد فصل الصيف الذي يتميز بشدة الحر والجفاف يأتي فصل الخريف الذي يميل إلى البرد مع استمرار الجفاف وشدته، ويظهر ذلك جليا على الشجيرات، حيث يتساقط ورقها ويجف الماء في عروقها ما يجعلها قابلة للكسر وتشبه في حالها حال الشجرة المسنة.
ويقال لكبار السن إنهم وصلوا إلى خريف العمر ونرى في المقابل تشبيه الطب الإسلامي مراحل عمر الإنسان بمراحل تغير الفصول، فالطفل عند الولادة يميل بدنه إلى البرودة والرطوبة كالشتاء، وعند ريعان الشباب يكون بدنه كالربيع حارا رطبا، وفي الكهولة يميل بدنه إلى الحرارة والجفاف كالصيف، وفي الشيخوخة يشبه الخريف حينما يميل بدنه إلى البرودة والجفاف، من ذلك يلاحظ أن التأثر الأكبر في المرحلة العمرية يكون للفصل المشابه له، مثلا فصل الخريف يؤثر في الشيوخ أكثر من غيرهم فهو فصل يزيد فيه البرد والجفاف وأبدانهم تميل إلى ذلك فيكونون عرضة لحدوث ضعف في أجسامهم، إما بسبب عدم التحرز من العوامل الجوية أو بسبب إدمان نوعية من الأغذية لفترة طويلة.
وعودا إلى ارتباط الأعضاء بالفصول، فكما تتأثر المرارة في فصل الصيف أكثر من غيرها، كذلك يتأثر الطحال أكثر من غيره في فصل الخريف، حيث إن الطحال يعرف في الطب الإسلامي والصيني بالعضو البارد الجاف.
وقد أجرت الصين تجارب على حيوانات لإثبات عدة أمور وردت في الطب الصيني، ولمعرفة الآثار التي يحدثها ضعف منظومة المعدة والطحال، فكانت نتائج التجارب عديدة منها أن عدم اتزان الطحال يسبب التالي: يحدث ضعفا للمناعة، يقلل عدد كريات الدم البيضاء، يحدث ضعفا لهضم البروتين بسبب نقص الهرمون المحفز لإفراز البيبسين في المعدة، كما يضعف هضم النشويات بسبب قلة إفراز الاميلاز في اللعاب، يحدث ضعفا كبيرا وضمورا للعضلات، يقلل من سرعة نبضات القلب، يسبب برودة في الأطراف، تضعف حركة الأمعاء، ما يعرض المرء للإمساك، يؤثر على الغشاء المخاطي في الأمعاء، ويقلل من قدرتها على امتصاص المعادن والفيتامينات، كما يضعف أداء الغدة الكظرية، يقلل التغذية لأعضاء الجسم ومنها المخ.
وفي دراسة قام بها العالم البريطاني روبيرت أم سي كاريسون ROBERT McCARRISON عن الأمراض الناتجة عن سوء التغذية في عام 1921م في الهند لاحظ ترابطا بين حدوث تضخم للطحال وأعضاء أخرى كنتيجة للتغيرات التي حدثت في الغذاء اليومي للناس من استبدال القمح الكامل بالدقيق الأبيض واستبدال الزبد بالزيت المهدرج والمارجرين واستبدال السكر الطبيعي بالسكر المكرر ونقص تناول الورقيات الطازجة والبيض واللحم الطبيعي باعتدال.
وقد لاحظ هذا الباحث تلازم مشكلات الدم، مثل: إنتان الدم مع وجود تضخم للطحال وقد يصاحب ذلك التهاب للأعصاب. وهذه الدراسة مهمة وتحتاج إلى توضيح نتائجها في مقال منفصل.
وقد ذكر الطب الإسلامي مهام الطحال في الجسم والأمراض المرتبطة بضعفه من صلابة الطحال وتضخمه وسدده. فالطحال مرتبط بقوة الهضم وهو مهم لشد المعدة وكذلك لتنقية الدم وقوة ونمو العضلات ومرتبط بالاتزان النفسي، حيث ذكر أنه مع وجود ضعف للطحال وسدده يكون المرء قابلا للحزن والاكتئاب، والمتابع يجد شيئا مقاربا للارتباط النفسي بفصل الخريف خاصة في أوروبا، حيث يذكره البعض بالفصل الكئيب بعدما يزداد البرد وتقل الحركة ويتقلب الجو وتزول الخضرة.
وذكر الطب الإسلامي ارتباط الطحال بمشكلات الدم وبعض الأمراض الجلدية الجافة كالجذام ويلاحظ ارتباطه بتكسر صفائح الدم (التي عولجت بتنقية الطحال) وحدوث ضعف نقص للمناعة، وقد يصل الأمر إلى الإصابة بسرطان الدم.
وننتقل إلى الحاجة لمعرفة الأغذية المناسبة لفصل الخريف، كما نحتاج معرفة العوامل والأغذية التي تزيد حالة الطحال سوءا التي تحدث بعد طول تعرض لها وإدمان تناول أغذية غير مناسبة لهذا الفصل. فالعوامل التي يجب التخفيف منها هي العطش وشدة الجوع مع الاحتراز من الجو البارد، خاصة لكبار السن، ومما يضر في هذا الفصل كثرة التعرق وطول المكوث في الساونا الحارة وتجب محاربة الإمساك ووزن درجة المكيفات الباردة إلى درجة معتدلة وترك شرب الماء شديد البرودة وتجنب مدرات البول.
وبالنسبة للأغذية التي يسبب إدمانها مشكلات صحية في فصل الخريف خاصة لكبار السن فهي: كل ما فقد طعمه أو لا توجد له رائحة مميزة، إما بسبب طبيعته أو بسبب مروره بالمعالجة الصناعية، لأن هذه النوعية من الأطعمة يصعب هضمها وتسبب السدد في الجسم وهي تشبه طبيعة الطحال الباردة الجافة، ومثال عليها الزيوت المهدرجة، ومن الأطعمة التي يجب التنبه إليها الدقيق الأبيض وكل بارد جاف من الأطعمة إذا كان وحده خاليا من البهارات كالعدس ولحم البقر كبير السن والباذنجان والدخن واللوبيا والباقلا ونحوها من القوابض، ومن الأطعمة التي يقلل منها خاصة على جوع أو عطش الحوامض كالليمون والخل الطبيعي والصناعي واللبن الحامض، وكذلك تتجنب الأطعمة الغليظة الصعبة الهضم.
أما الذي ينصح بتناوله في الخريف، فهو كل حار رطب من الأطعمة، مثل: ما صنع من القمح الكامل ولحم الخروف السمين والحلوى العسلية والسكرية بالسمن ولبن البقر الدسم وأن يكون الطبخ بالزبدة مع إضافة الألياف كالسلطات الورقية، مثل: التبولة، الجرجير، الخيار، والخس، وذلك لمحاربة الإمساك، كما ينصح بالإكثار من الماء الصحي المعتدل البرودة مع إضافة الملح الطبيعي أو البحري إلى السلطات للمساعدة في حفظ الرطوبة في الجسم، كما ينصح بتناول العسل المذاب في الماء والفواكه قبل الوجبات بفترة كالرمان والنبق الناضج، ومن المشروبات مشروب العسل مع الزنجبيل الرطب، وكذلك منقوع الزبيب الأسود في الماء وتناول العسل الأسود (دبس قصب السكر) ومن الأعشاب الصمغ العربي والكثيراء والسمسم.
ويلاحظ أن الإدمان على العادات الخاطئة والأكلات غير المناسبة لهذا الفصل يسبب ضعفا للطحال وتظهر آثار ذلك بشكل متدرج بدءا بحدوث نشوف للبشرة وميل للإمساك وقد يزداد الأمر فيحدث تغير في لون البشرة إلى اللون البرونزي مع حدوث صداع نصفي في الجهة اليسرى وتترافق معه قلة الشهية مع عسر الهضم وقد يزيد الأمر إلى حدوث الإمساك المزمن الذي إذا رافق ضعفا شديدا للطحال يحدث انتشار للسموم في الدم مع نقص لكريات الدم البيضاء وقد يزداد الأمر سوءا، ما يسبب حدوث أمراض جلدية جافة كالجذام أو تيبس شديد للبشرة، وقد يرافق ذلك تكسر ونقص لصفائح الدم، ومع وجود هذه العوامل لزمن طويل قد يحدث للمرء بعد سنوات الإصابة بسرطان الدم - لا قدر الله.
وكما ذكرنا في بداية الموضوع فإن أكثر من يتضرر من هذه العادات غير المناسبة لفصل الخريف هم كبار السن، حيث لوحظ تعرض البعض منهم للإمساك المزمن بحيث لا يذهب للدورة إلا كل خمسة أيام واستمراره على هذا الوضع فترة طويلة تصل لأكثر من ستة أشهر، وإذا رافق ذلك ضعف في الجسم يكون كبير السن معرضا لحدوث الجلطة الدماغية، ومصداق ذلك أن العالم نيتشي الياباني الذي عاش في الأربعينيات من هذا القرن أثبت أن الأوعية الدموية التي في المخ تتأثر بالأوعية الدموية التي في الأمعاء، وقد أجرى تجربة على أرانب، حيث عرّضها لإمساك مزمن طويل فحدث لها ضيق في أوعية المخ، ما أدى إلى تفجرها بعد زمن.
كما ربط هذا العالم بين الأمراض النفسية وحالة الأمعاء، وقد عالج بعض المرضى النفسيين بعد تنظيف أمعائهم وتنقية أجسامهم وإلزامهم بحمية غذائية مفيدة وتمارين رياضية بسيطة. وقد لاحظ المعالجون العالميون أن أكثر أمراض النساء تكون بدايتها إمساكا مزمنا، وذكر كثير منهم أن الصحة تبدأ من القولون المتوازن والنظيف.
وكمثال مشاهد على الارتباط النفسي، ما يحدث لمرضى السرطان - شفاهم الله - خاصة من يتعرضون لجرعات عالية من الكيماوي، حيث تظهر لديهم آثار مشابهة لضعف الطحال من تغير لون البشرة ونشوفتها والإمساك وحالات من الكآبة. وفي الطب الإسلامي عولج مرض الجذام بتنقية سدد الطحال وإزالة تورمه، حيث ذكر أن سبب هذا المرض هو عدم نقاء الدم بسبب ضعف الطحال. وأخيرا، هناك حاجة لإعادة دراسة الطب الإسلامي وفهمه ومن ثم إجراء التجارب العلمية بهدف الوصول لعلاج أمراض مستعصية كأمراض الدم المختلفة.