دول الخليج في تقرير «فريزر» لعام 2011
أقل ما يمكن قوله حول تقرير معهد (فريزر) الكندي لعام 2011 حول الحرية الاقتصادية، الذي صدر حديثًا أنه غير منصف حيال دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام مع بعض الاستثناءات. من جملة الأمور المثيرة، احتفظت البحرين بالمركز الأول بين الدول العربية قاطبة للعام الثامن على التوالي بحلولها في المرتبة رقم 11 دوليًا. إضافة إلى ذلك، حلت كل من الإمارات وعمان والكويت في المراكز 14 و28 و47 على التوالي. أما المفاجأة الأخرى فعبارة عن عدم توفير تصنيف لكل من قطر والسعودية.
معايير المؤشر
يعتمد التقرير على 39 متغيرًا ما يعد أمرًا إيجابيًا، حيث الفرص لأخذ العديد من الجوانب في الحسبان قبل منح الدرجات. تتوزع المتغيرات على خمسة مجالات، وهي: حجم الحكومة، القانون التجاري والاقتصادي وحماية حقوق الملكية، السياسة النقدية، التجارة الدولية، والإطار التنظيمي لكل من الائتمان والعمالة والنشاط التجاري. لكن تكمن المشكلة في صعوبة منح نقاط بصورة موضوعية للدول المشمولة في التقرير، وذلك بالنظر لمحدودية الإحصاءات المتوافرة. وربما هذا يفسر أحد أسباب عدم تضمين كل من قطر والسعودية في التقرير بالنظر للمعضلة المتكررة المتمثلة في عدم نشر بعض الإحصاءات الحيوية بصورة منتظمة.
وتشمل السلبيات الأخرى للتقرير الاعتماد على إحصاءات عام 2009، أي أرقام قديمة نسبيًا في الوقت الذي تتوافر فيه أرقام 2010 بالنسبة لكثير من دول العالم بما فيها بعض دول مجلس التعاون الخليجي. السلبية الأخرى مردها المنهجية المتبعة عبر اعتماد التقرير بشكل أساسي على مصادر ثانوية تم إعدادها لأغراض أخرى بدل تنفيذ دراسات ميدانية خاصة بالمؤشر.
الانفتاح الاقتصادي
في المحصلة، نرى صواب إشادة التقرير بانفتاح اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي على التجارة العالمية، على الرغم من تمتعها بثروات نفطية ربما تسمح لها بفرض نوع من الحماية. حقيقة القول، تشتهر دول مجلس التعاون بانفتاح اقتصاداتها على العالم الخارجي بدليل تمتع أغلبية دول العالم بفائض في ميزانها التجاري مع الدول الست.
ينطبق هذا بالضرورة على الاتحاد الأوروبي الذي يتمتع بفائض يفوق 30 مليار دولار في تعامله التجاري مع المنظومة الخليجية. وربما هذا يفسر بشكل جزئي عدم استعداد الاتحاد الأوروبي لإبرام اتفاقية للتجارة مع مجلس التعاون الخليجي. طبعًا، تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بفائض في الحساب الجاري في المجموع في الوقت الحاضر، وذلك على خلفية ارتفاع الأسعار وبقائها مرتفعة فترة زمنية غير قصيرة.
بل تعد الحمائية التجارية من صفات بعض الاقتصادات الكبرى مثل الصين، التي بدورها تركز على الصادرات وليس الواردات لتحقيق أهدافها الاقتصادية مثل تعزيز فرص العمل لمواطنيها. فقد حققت الصين فائضًا تجاريًا قدره 183 مليار دولار في عام 2010، أي الأعلى على مستوى العالم.
المؤشرات الأخرى
من جهة أخرى، يتناقض ما جاء في تقرير فريزر مع بعض الدراسات الحديثة من قبيل تقرير التنافسية العالمية لعام 2012 -2011 ومصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي صدر قبل أسابيع فقط. مؤكدا أن هناك علاقة مباشرة بين الحرية الاقتصادية والتنافسية؛ لأن وجود الأول جوهري لتحقيق الثاني. ويلاحظ أن قطر والسعودية اللتين لم تحصلا على تصنيف في تقرير فريزر، حققتا أفضل النتائج بين الدول العربية على مؤشر التنافسية الاقتصادية.
بشكل مختصر، نالت قطر المرتبة رقم 14 في تقرير التنافسية الاقتصادية أي الأفضل بين الدول العربية والإسلامية. وبشكل أكثر تحديدا، جاء ترتيب الاقتصاد القطري بعد كل من سويسرا وسنغافورة والسويد وفنلندا والولايات المتحدة وألمانيا وهولندا والدنمارك واليابان وبريطانيا وهونج كونج وكندا وتايوان.
بدورها نجحت السعودية في التقدم أربع مراتب، أي الأفضل بين دول اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، حيث حلت في المرتبة رقم 17 دوليا، وهو ترتيب السابق نفسه لقطر. يستند التقدم السعودي إلى أسس صحيحة من قبيل استقرار الاقتصاد الكلي بالنظر لبقاء أسعار النفط مرتفعة نسبيا لفترة زمنية، الأمر الذي يكتسب أهمية خاصة كون السعودية أكبر مصدر للنفط الخام.
الاهتمام بالمؤشرات
في المقابل، تأخرت الإمارات مرتبتين في مؤشر التنافسية الاقتصادية، حيث نالت المرتبة رقم 25 بسبب التباطؤ في تحديث القوانين المرتبطة بممارسة الأعمال، خصوصا الإعسار والإفلاس وجذب الاستثمارات بالمستوى الذي يناسب تداعيات الأزمة المالية العالمية، فضلاً عن معضلة مديونية دبي. تقليديًا، كان الترتيب الثاني من نصيب الإمارات، لكنها تراجعت في السنتين الأخيرتين لأسباب لها علاقة بعض الشيء بتداعيات أزمة مديونية دبي، التي تم الكشف عنها نهاية 2009. كما حصلت البحرين على المرتبة رقم 37 على مؤشر التنافسية الاقتصادية، أي الأسوأ بين دول مجلس التعاون الخليجي بالنظر لمحدودية حجم السوق المحلية، خلافًا لما عليه الحال بالنسبة لتقرير فريزر.
ختامًا، لا مناص من الاهتمام بالمؤشرات الدولية المتنوعة؛ لأن المستثمرين الدوليين يأخذونها في الحسبان عند اتخاذ قرارات الاستثمار، فهناك منافسة بين 200 دولة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية بغية مساعدتها على حل تحديات اقتصادية مثل توفير فرص العمل لمواطنيها.