مثقفات الرياض.. من عرائض الانتظار خلف الأسوار إلى مجلس صنع القرار
خمس سنوات مرت على الأمسية التي تبدو وكأنها حدثت بالأمس فقط، يقام لقاء المثقفين المفتوح في نادي الرياض الأدبي وتقف مثقفتان عند بوابة النادي – لم يكن يسمح لهن الوصول لنقطة أبعد منها في ذلك الوقت - تحاولان العثور على أي صحافي يمر مصادفة لإعطائه نسخة من البيان الذي قامتا بكتابته ليكون بمثابة "عريضة ثقافية" للتعبير عن رفضهن للتهميش الذي تتعرض له المثقفات وغير ذلك من الأمور التي لم يكن بوسع المثقفتين طرحها في صالة اللقاء المفتوح؛ حيث لم يكن مسموحاً للنساء بالحضور، غير أنهما قامتا بهذا التصرف كتسجيل موقف يقوم على استجابة سريعة لتصريح الدكتور عبد العزيز السبيل أن من حق المثقفات المطالبة بحقوقهن في المشاركة الفعلية، وأن عليهن "أن يطرقن الأبواب".
لم تكن تلك الحقوق مستحيلة على أية حال، ولم تكن المثقفات تردن أكثر من الحصول على شرعية الوجود في المشهد الثقافي وبشكل يتجاوز مجرد تشكيل تنظيمات رمزية تسمى "اللجان النسائية" وتقوم بعملها على هامش الدور الذي تؤديه مجالس الإدارة المكونة بالكامل من الرجال، غير أن انتخابات الأندية الأدبية التي مثلت تحولاً نوعياً في تاريخ الحياة الثقافية في المملكة جاءت بالجديد، وهذا الجديد جاء بنبأ فوز أربع مثقفات من أصل ست تقدمن لنيل العضوية الكاملة لمجلس نادي الرياض الأدبي الذي يتشكل من عشرة مقاعد فحسب، وهو ما اعتبره متابعون انتصارا يعد الأهم في مسيرة مطالبة المرأة في أن تكون جزءا من صنع القرار الثقافي في وطنها.
تقول الفائزة بعضوية مجلس الإدارة الجديد رحاب أبو زيد "أكثر ما أثار بهجتي عشية إعلان نتائج الانتخابات هي الأجواء الراقية والديموقراطية، علاوة على اتسامها بالمحبة والسلام الذي يعبر عن مستوى ثقافي رفيع. نظرت للأمر بوصفه تفعيلا لدور المرأة اجتماعياً وثقافياً وتمثيلها ليس للمثقفات فحسب وإنما لصوت جيل بأكمله، وكذلك تفعيل لدور الأندية الأدبية في تطوير المجتمع والارتقاء بمستوى إدراكه وتقبله للوعي الجديد والاختلاف وإزالة الصور النمطية عن الثقافة والمثقفين".
في حين يختلف موقف هدى الدغفق التي جاءت رؤيتها متحفظة قليلا تجاه الشعور بأهمية ما تحقق، فتقول "لم يكن ترشحي أمراً مهما بالنسبة لي بقدر أهمية أن تنال المرأة منصبا لا أن تكون مجرد عضو عادي في مجلس الإدارة، المؤسف أن ما كنت أريده لم يحدث بسبب قلة العضوات النساء وتغيب واحدة منهن، وعدم حماس العنصر النسائي إلى تواجدهن كصانعات قرار.. تمنيت لو ترشحت فاتن يتيم مثلا لتمثل جيل الشابات وتدعم المجلس برؤية تعبر عن ثقافة شابة".
من جهتها تشكر وضحاء آل زعير من رشحوها وترى أن فوز أربع نساء في عضوية مجلس الإدارة أمر يبشر بخير، ويؤكد امتداد حضور المرأة ودورها المؤثر في المجالات المختلفة، فيما تتوقف للتنويه قائلة "دور مجلس الإدارة لن يكون مكتملا دون التفاف أعضاء الجمعية العمومية وكل مهتم بالأدب حوله، بالمقترحات والنصائح والآراء، كما يحدوني الأمل أن تكون بداية العهد الجديد للنادي متزامنة مع تفعيل أكبر لدور الشباب وتجديد الحياة الثقافية والأدبية".
عضوة المجلس الجديد ليلى الأحيدب تحدثت عن سعادتها بانتخابات "خالية من الأدلجة".. تضيف في مدونة كتبتها قبل توجهها لمقر الاقتراع "كنا كنساء – تحديدا – ننتظره كحلم، هذا النزال البطيء الطويل العتيق، أثمر أخيرا .. إنه باب كنا نطرقه لسنوات فلا ينفتح وها هو الآن يفتح ويقول هيت لكن، المهم أن الباب فتح وأصبح من حقي الدخول، وليس على استحياء، ولا منة ولا فضلا من أحد!".
ما الذي يمنع أن تكون المرأة حاضرة ولها مقعدها في الأندية الأدبية السعودية؟ كيف تسعى الثقافة للتغيير ومجتمع المثقفين ومؤسساتهم لا تتغير في تقديرها لوجود المرأة المثقفة والمرأة بشكل عام؟ إنها بعض الأسئلة التي جاءت في ورقة المثقفتين اللتين طرقتا الباب وكان من حقهما أن تسمعا الجواب، ولو بعد سنوات خمس.. لم تكن هاتان المثقفتان الواقفتان أمام باب النادي سوى هدى الدغفق وليلى الأحيدب" عضوتا مجلس الإدارة حالياً".. إحداهما كانت تنظر إلى الأشجار الموجودة داخل أسوار النادي وتعتقد أنها حصلت على حق لم تكن هي قادرة عليه، إنه الوقت إذن لكي تقوم نسبة 40 في المائة من أعضاء المجلس الجديد للنادي الأدبي بغرس شجرة الوجود الحقيقي لنون النسوة في جملتنا الثقافية، لقد فتح الباب وامتلكت الطارقات بعد ذلك مسكن الجواب، وجد صوت المثقفات من يسمعه أخيرا، وهو يردد منذ زمن "نحن هنا".