المعايير الأخلاقية للعاملين في حقل كرة القدم
إن كرة القدم بمتعتها وشعبيتها وشعبية نجومها وجنونها الذي أصبح يسيطر على الكبار والصغار رجالاً ونساء، ما جعلها تصبح حباً وأملاً وعشقاً، مما يستوجب على كل العاملين في حقل كرة القدم والرياضة عامة من إداريين ولاعبين ومدربين ومشجعين التحلي بالأخلاق الرياضية السمحة لأنهم القدوة، ويجب أن تكون أخلاق العاملين في المجال الرياضي في مقدمة الصفات المطلوبة كمحدد أساسي للانخراط في العمل الرياضي لأن الاهتمام والتمسك بالأخلاق الحميدة والقيام بالتصرفات السليمة التي تنم عن خلق رفيع، وأخص هنا اللاعبين لأنهم القدوة لملايين البشر الذين يتابعونهم ويتعلقون بهم ويعشقونهم، وبالتالي يتأثرون بتصرفاتهم، فإن كان لاعب كرة القدم خلوقاً وروحه طيبة فإن ذلك سيؤثر إيجاباً في المتابعين والمشجعين، خاصة البراعم والناشئين، وستتجسد تلك الصفات الجميلة في شخصياتهم وينعكس في حياتهم اليومية، خاصة تلك التصرفات التي تظهر عند الفوز والخسارة على حد السواء، وسيشيع المفهوم الراقي للرياضة بأنها مجال للتنافس الشريف والسعي من أجل تحقيق الإنجازات واعتلاء منصات التتويج وتحقيق الألقاب بالمنافسة بالبذل والعطاء والتضحية وفقاً للقانون والعدل وتقبل النتيجة بروح عالية وإيمان قاطع بأن كرة القدم هدف ومعنى والفوز والخسارة إحدى مفرداتها وعليك أن تتقبل ذلك بالروح الرياضية السمحة.
إن الأخلاق الرياضية بشكل عام سلوك مكتسب ينتج عن البيئة المحيطة باللاعب منذ نعومة أظفاره ومن خلال سلوكيات أفراد أسرته ومجتمعه الصغير في مكان السكن أو المدرسة ومجتمعه الكبير في البلد الذي يقطن فيه، فالنسيج الاجتماعي يشكل المكونات الأخلاقية للأفراد ويعتبر من أهم المقومات التي يتم عليها تأسيس قاعدة سليمة وبناء متين للاعب كرة القدم وتتضاعف أهمية الأخلاق لارتباط الرياضة بشريحة الشباب التي على أكتافها تبنى حضارة الأمة لأن الرياضة جملة من المبادئ والقيم تعتمد على زرع الثقافة الرياضية وتأصيلها وتعليمها للناشئة وتربيتهم عليها حتى يتخلقوا بها في سلوكياتهم العامة والخاصة وداخل ملاعب كرة القدم وخارجها وتسخيرها لخدمتهم الخاصة وللمجتمع والوطن، فالأخلاق صادرة عن النفس الإنسانية لتعبر عن شخصية صاحبها وطبائعه، ومن هنا تأتي أهمية الأخلاق حيث لها التأثير الكبير في سلوك الإنسان وتصرفاته وأفعاله وردود أفعاله وعلاقته بالمجتمع وبالآخرين، فأي عمل يقوم به الإنسان في حياته سيكون مراقباً من قبل ضميره ومسيرا تبعا لأخلاقه، وأهمها في النشاطات الرياضية ومباريات كرة القدم على وجه الخصوص، حيث إن التنافس الشريف وإثبات الذات والقدرة على التفوق بالوسائل المشروعة وضمن ظروف المنافسة العادلة والبعيدة عن الخروج عن الخلق الرياضي القويم، تلك الأمور لها أهمية أكبر من تحقيق النتائج وحصد الألقاب، وكرة القدم بالمبادئ الرياضية كانت وما زالت وستظل منهجاً ومنبراً للأخلاق والقيم والمبادئ والمثل العليا، حيث تعتبر ترويضا للنفس قبل أن تكون حصداً للألقاب والكؤوس ويجب أن يتحلى اللاعب بالأخلاق الفاضلة لأن تحقيق الانتصار والصعود إلى قمة الشهرة يحتاج إلى جهد ومثابرة وتفان وإخلاص ومقدرة على الصبر واستخلاص الإبداع والتميز والتمتع بالتواضع لأن الشهرة دائماً ما تفقد الإنسان صوابه وتنسيه أمورا كثيرة وتغير في سلوكياته، بل تؤدي في أغلبية الأحيان، خاصة عند ضعاف النفوس، إلى الانحراف إن لم ينضبطوا بالأخلاق.
وهناك معايير أخلاقية يجب التحلي بها وأمور تحكم لاعب كرة القدم في تصرفاته وتجعله من زمرة اللاعبين الخلوقين مثل: احترامه حقوق وإنسانية الآخرين إن كانوا زملاء أو خصوما، وأن يتعامل معهم بعدل ومسؤولية وعدم إيذائهم بالقول أو الفعل، أو يفعل ما يعرض سلامتهم البدنية أو النفسية للإيذاء، وبهذا القدر نفسه هناك معايير أخلاقية للجمهور الموجود في الملاعب ونتيجة لانفعالهم وعدم السيطرة على أعصابهم قد لا تمثل الأخلاق الرياضية معاني جوهرية لهم، فكل المشجعين لا يتمنون ولا يقبلون الخسارة وفي بعض الأحيان يقوم الجمهور بتصرفات غريبة ومنافية للأخلاق نتيجة تعرض فريقهم لخسارة ما، فيخرج المشجعون عن طورهم فيشتمون الحكام واللاعبين والمدربين ويشتمون جماهير الفرق المنافسة ولا يقف الأمر عند الشتم والإهانات فقط، بل يتعدى ذلك إلى التعرض للاعبي وجماهير الفريق المنافس وضربهم، وأحياناً ينتهي بهم الأمر إلى إحداث الأذى الجسيم، إن كل هذه الأعمال تدل على البعد الأخلاقي الضعيف والضيق والتعصب الأعمى، والأمثل أن يتمتع جمهور كرة القدم بثقافة تشجيع فريقه بلا تعصب ودون استخدام ألفاظ سيئة ضد الفرق المنافسة، كما يجب أن يستمر في تشجيع فريقه عند هزيمته ليتجاوز هذه الهزيمة. وبذلك يكون تشجيع الجمهور مثالياً بعيداً عن التعصب أو إحداث الشغب، فالتعصب الأهوج وانعدام الثقافة الرياضية من العوائق الرئيسة في مسيرة تقدم كرة القدم العربية وبنائها السليم.
أما الإداريون في عالمنا العربي فلا فرق بينهم وبين المشجعين العاديين إلا من رحم ربي، فهم الذين يثيرون المشجعين بحركاتهم واعتراضاتهم على الحكام وغيرهم، أما الذين ينحرفون ويتخطون الحدود بمحاولات الرشا لأي جهة كانت فهؤلاء يقودون دفة سفينة كرة القدم إلى الهلاك، وأدت مثل هذه الأمور إلى فضائح هزت أقوى عروش الكرة في عالم الكرة في إيطاليا، خاصة فضيحة التلاعب بالنتائج ومعاقبة أعرق الأندية الأوروبية مثل جوفينتوس وميلان وغيرهما نتيجة سوء إداراتها وضعف أمانتها، وذلك لأنه ليس لديهم ضوابط إيمانية تضبط أخلاقياتهم، لذلك نأمل ألا تتكرر مثل هذه الأمور في عالمنا العربي لأننا في الأساس متخلفون من ناحية المستويات العليا في لعب كرة القدم ونحتاج إلى أعوام عديدة وأزمنة مديدة لنحقق بطولات عالمية فعلينا أن نتمسك بأخلاقياتنا، فهي عزاؤنا الوحيد التي تشعرنا بجمالية وروعة الأخلاق التي تسود حولنا من خلالها روح المحبة والمودة والألفة.
كما يجب على المدربين، وهم قادة الفريق، أن يعملوا على تهدئة اللاعبين وتوجيههم والسيطرة عليهم وإعادتهم إلى وعيهم وعدم الانخراط معهم في السب والشتم والاعتراض على قرارات الحكام مهما كانت أو التعدي على الخصوم بمبررات أو دون مبررات، وعدم استخدام الحركات التي يحاولون من خلالها التأثير في قرارات الحكام، فالمدرب الهادئ المتزن المتعقل يستطيع بحكمته إعادة الأجواء إلى طبيعتها ويستطيع فرض العقوبات على اللاعبين المشاغبين كسبيل لردعهم عن أخطائهم، أما المدرب العصبي الهائج المتسرع فيسيء إلى نفسه وإلى الآخرين ويزيد الأمر سوءاً في وقت يحتاج فيه الجميع إلى إنسان عاقل يتحكم في الأمور، وقد تشتعل المدرجات نتيجة اعتراضاته، والمدرب الذي يتمتع بأخلاق حميدة رفيعة يتخرج من بين يديه لاعبون يتمتعون بصفاته وأخلاقياته نفسها.
وأما الإعلام فله دور كبير في نشر الأخلاق الرياضية، فهو الجهة التي يمكن أن تقود التوجيه والإرشاد والتعليم، وهو الوسيلة الأنسب لنشر الوعي والأخلاق الفاضلة، وعن طريقه يمكن إعادة المجتمع الرياضي إلى المنهج الصحيح السليم وأن ينشر الفضائل ومحاسن التحلي بالخلق القويم، فسكوت الإعلام عن بيان الأخطاء ومعالجتها يؤثر بشكل كبير في المجتمع الرياضي، ولا بد من زرع الروح الإيمانية في الرأي العام التي تقود نحو الأفضل، لأن الإيمان الكامل بأن كرة القدم فوز وخسارة، وامتلاك الروح الرياضية وتقبل النتائج مهما كانت، والعمل الجاد والمتواصل لتحسينها وفق الأنظمة والقوانين، كلها أمور مهمة لبناء كرة قدم مزدهرة، كما يمكن ابتكار الشعارات واختيار العبارات المؤثرة التي لها تأثير كبير في تقويم الرياضة ونشر الأخلاق الرياضية السمحة التي تساعدنا على الاستمتاع بكرة القدم. وهناك أسلوب فاعل أيضا وهو فضح الممارسات الخاطئة التي تقود إلى تردي الخلق الرياضي ووضع الحلول لمعالجتها، لذا فإن مسؤولية الإعلاميين تعتبر على درجة كبيرة من الأهمية حيث ترتكز على نشر الوعي الرياضي وبيان محاسن الأخلاق وكشف الممارسات والأساليب التي لا تمت إلى الرياضة بصلة.
وعلينا دائماً أن نتذكر (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا).