فقدان الثقة بالاقتصاد الأمريكي تهوي بالدولار
سجل الدولار الأمريكي أمس أدنى مستوى له أمام الين منذ عام 1945، وسجل 75.32 ين، محطما بذلك سعره القياسي الأدنى لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وعزا محللان تحدثا لـ "الاقتصادية" أمس تراجع الدولار أمام الين إلى ضعف العملة الأمريكية بسبب فقدان الثقة بالاقتصاد الأكبر في العالم، حيث اتجه كثير من المؤسسات والأفراد إلى تحويل احتياطياتهم المالية خلال الفترة الماضية إلى سلة من العملات.
واستقرت العملة الأمريكية أمام الين عند أدنى مستوى لها منذ 66 عاما، لفترة لم تدم طويلا أثناء فترة التداولات الصباحية، مسجلة 75.70 ين، وهو سعر لا تزال الشركات اليابانية تعده مرتفعا كثيرا لأنه يؤثر سلبا في صادراتها. وتدخلت الحكومة اليابانية للحد من ارتفاع عملتها. وجاء ثاني تدخل لطوكيو في سوق الصرف بعد بيعها 4.5 تريليون ين (59.4 مليار دولار) في الرابع من آب (أغسطس) الماضي في أعقاب تحذيرات المسؤولين على مدى أسابيع من احتمال التدخل نظرا لارتفاع الين. من جهته، قال وزير المالية الياباني جون أزومي إن اليابان تدخلت من جانب واحد في سوق الصرف الأجنبي لإضعاف الين بعد أن ارتفع إلى مستوى قياسي جديد أمام الدولار.
وفي هذا السياق لفت أمجد علوش - مختص في العملات والمعادن - إلى أن هبوط لدولار الأمريكي مقابل الين الياباني هو بفعل "ضعف الدولار" بغض النظر عما إذا كان ذلك مقصودا من خلال القائمين على السياسات المالية في الولايات المتحدة الأمريكية أم لا. وقال "إن ضعف الدولار هو ما يسبب قوة الين الياباني وليس العكس".
وأضاف أن "المؤثر الأكبر هو الدولار"، معللا ذلك بأن قوة الين الحالية "مؤذية جدا للأسواق اليابانية وبخاصة في قطاع التصدير". وزاد أنه لن يكون في مصلحة اليابانيين أن تكون عملتهم قوية "وهو ما يدفعهم بين حين وآخر للتدخل في أسواق الصرف للحد من هبوط الدولار" - على حد قوله.
ولفت إلى أنه عند الرابعة من صباح أمس "صعد الدولار 400 نقطة خلال ساعتين فقط"، مؤكدا أن ذلك يعني أن "تدخلا قويا من قبل المركزي الياباني قد حدث". وذهب إلى أن التدخل الحكومي ربما يعد إشارة قوية للمتعاملين أن كسر المناطق الحالية "ليس موضع نقاش".
ويرى علوش أن مستويات الدعم الرئيسي ما زالت عند 76 ينا لكل دولار، في وقت أشار فيه إلى أنه كلما صعد الين الياباني تصاعدت معه نسبة احتمال تدخل البنك المركزي الياباني من خلال بيع كميات ضخمة من الين الياباني، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف في الين و"هو ما تريده الحكومة اليابانية"، قبل أن يتساءل: "ما المدة الزمنية التي سيتعافى فيها الين؟".
وأشار إلى أن التدخلات السابقة من المركزي الياباني أسهمت في "ضعف مؤقت للين لأيام أو أسابيع ومن ثم يصعد مجددا محققا أرقاما قياسية جديدة وخصوصا أمام الدولار الأمريكي". وأكد علوش أنه على الرغم من أن الدولار ظل العملة الرئيسية الأولى طيلة عقود من الزمن إلا أنه أخيرا أصبح يعاني فقدان الثقة، حيث إن كثيرا من الدول والمؤسسات المالية والأفراد حولوا احتياطياتهم المالية خلال الفترة الماضية إلى سلة من العملات ولم يحصروها في الدولار فقط، معتبرا أن لذلك "تفسيرا واحدا.. الخوف من مستقبل هذه العملة واقتصاد صاحب هذه العملة خصوصا عندما نرى كمية الديون الهائلة، إضافة إلى الخلافات الكبيرة داخل الحكومة الأمريكية حول رفع سقف الدين، الأمر الذي يدفع المتعاملين للتوجه إلى ما هو آمن واستغلال أي ارتفاع للدولار لتحويله إلى عملة أخرى"، وأن ذلك "ما يفسر أن عمليات التصحيح التي تحصل يعقبها هبوط سريع نتيجة كميات البيع الكبيرة التي تحصل عند تلك المستويات". من جهته، أكد محمد الشميمري - محلل اقتصادي - أن قوة الين بعد أن سجل 75.31 مقابل الدولار تعود إلى ضعف الدولار بسبب السياسة النقدية التي تتبعها الولايات المتحدة في الوقت الحالي، ولأن البنك المركزي الياباني أبقى معدل الفائدة عند 10 نقاط أساس.
وأكد الشميمري أن تدخل البنك المركزي الياباني كان متوقعا من المتعاملين "لكن لم يعرف توقيته" - الذي كان جلسة أمس، مشيرا إلى أن التدخل ليس الأول فقد تدخل المركزي الياباني في آب (أغسطس) وكان أثره في مدى يوم واحد فقط، وتدخل المركزي أيضا في آذار (مارس) الماضي واستمر ضعف الين حينها لمدة أسبوعين فقط، وتدخل المركزي أيضا في أيلول (سبتمبر) 2010 واستمر ضعف الين يوما واحدا فقط، ثم عاد للقوة التي شهدناها أخيرا.
وأشار المحلل الاقتصادي، إلى أن رئيس المركزي الياباني لم يحدد حجم التدخل أو مدة التدخل متسائلا: "هل ستكون هذه الحركة على غرار حركة البنك الوطني السويسري حينما تدخل لإضعاف الفرنك ونجح بربطه باليورو عند سعر صرف 1.20 فرنك مقابل اليورو؟".
وأضاف أن تاريخ الين يرجح كفة عدم نجاح التدخل، لكن المؤيدين لفاعليته - وهم من الصناديق التي تتاجر في الين - أخذت مراكز توحي بأن استمرار ضعف الين سيختبر هذا عند سعر المقاومة الفورية 80 ينا للدولار. وعزا الشميمري ضعف الدولار إلى أن الولايات المتحدة قامت هذا السنة بعمليتين (التيسير الكمي) جعلتا من الدولار يهبط أمام العملات الرئيسية لكنه يرتفع أمام الين والفرنك، وقال "إذا ما حصل تيسير كمي ثالث فإن التدخل الياباني لن يكون له أثر".
بعد ذلك تراجع سعر الين بحدة أمام الدولار مسجلا أدنى مستوياته في ثلاثة أشهر بعد أن تدخلت اليابان في السوق للحد من ارتفاع عملتها، لكن المتعاملين قالوا إنه ربما تكون هناك حاجة لمزيد من التدخل لتحقيق أثر مستدام.
وقفز الدولار الذي تعرض لضغوط من تكهنات بمزيد من تسهيل السياسة النقدية من جانب مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) أكثر من 4 في المائة إلى 79.55 ين بعد أن سجل انخفاضا قياسيا جديدا عند 75.31 ين في التعاملات الآسيوية المبكرة. وجاء ثاني تدخل لطوكيو في سوق الصرف بعد بيعها 4.5 تريليون ين (59.4 مليار دولار) في الرابع من آب (أغسطس) الماضي في أعقاب تحذيرات المسؤولين على مدى أسابيع من احتمال التدخل نظرا لارتفاع الين.
وقال متعاملون إن حجم التدخل اليوم ربما يكون مساويا للتدخل السابق أو أكثر منه. وقال محللون إنه قد يكون من الصعب على السلطات الحفاظ على ارتفاع الدولار مقابل الين، إذ إن المصدرين اليابانيين قد يبيعون مع ارتفاع الدولار لتحسين تحوطهم من تقلبات العملة. ودفع ارتفاع الدولار الحاد أمام الين العملة الموحدة للتخلي عن أغلب مكاسبها التي حققتها الأسبوع الماضي. ونزل سعر اليورو أكثر من 1 في المائة إلى 1.3993 دولار. وارتفع مؤشر الدولار 1.2 في المائة إلى 76.001.