رحل الأمير وترك لنا العبر
صفات فقيدنا الأمير سلطان، رحمه الله، عطفه وكرمه وإنسانيته، وشعبيته الاستثنائية، يمكن تلخيصها في قول أحدهم: ''إننا نحن المواطنين أحق بأن نعزى فيه''، إنه فقيدنا، بل اعتاد المواطنون على تبادل التعازي في المرحوم خلال الاتصالات التلفونية أو المقابلات العامة والخاصة.. أحسن الله عزاءكم وعظم الله أجركم في المرحوم.. هاتان الجملتان كانتا السائدتين في ذلك الأسبوع.. أسبوع الوداع.
كانت هناك رغبة جامحة وشخصية لدى المواطنين من جميع الشرائح للمشاركة في العزاء على مستوى المدينة والقرية، أعداد هائلة وسيل جارف من القلوب الدافئة اندفعت لوداع صاحب القلب الكبير والصلاة عليه وتعزية أولياء الأمر، والإعلان والكتابة عبر وسائل الإعلام المكتوب والمقروء والمرئي الذي كان واسعاً في محتواه وغزارة مادته، وهذه الكثافة في المشاركة بشكل لم يسبق له مثيل.. ما هي في الحقيقة إلا استفتاء على نظام الحكم وتأكيد للبيعة، وهذه رسالة واضحة لمن حولنا بأن مملكتنا تتمتع بترابط وثيق بين الحكومة والشعب.
شاء العزيز القدير وقبل غياب المرحوم إلى مثواه الأخير، أن يودع المملكة كما تمناها صرحاً شامخاً، استقراراً ونمواً، وتتمتع بأمن وأمان وترابط نسيجها الاجتماعي، بينما من حوله ممن كانوا يُنعتون بالتقدميين، الديمقراطيين، الجمهوريين، الثوريين... إلخ.. يعيشون خريف ثورة شعوبهم عليهم، ودخلوا في دوامة الدم والحروب الداخلية. وتبين أنها أنظمة فقدت مصداقيتها مع شعوبها. انتخاباتها مزورة وأحزابها حزب واحد. والديمقراطية تقال ولا تعمل، وحقوق الإنسان فعل ماض. حكام هذه الدول أصبحوا عبئاً على شعوبهم بل نسوها، أهملوا الاقتصاد وضخوا الأموال في جيوبهم وشراء السلاح لحمايتهم. وظاهرة مفزعة ولأول مرة نراها بالعين المجردة أن الدولة وجيش الدولة يقاتل المواطنين ويقصف المنازل ويقتل الأطفال على مرأى العين قنصاً وتنكيلاً وتعذيباً، بل ويا للهول رأينا أن السفن والمدمرات البحرية والمدافع والدبابات والصواريخ توجه إلى مدنهم ومدنييهم.
المرحوم كان يريد لهذا الوطن الطريق الصحيح. وقبل مغادرته إلى مثواه الأخير كان مطمئنا أن مملكتنا بعيدة عن هذه الأوضاع الشاذة المؤلمة. وأن سياستها في ظل خادم الحرمين الشريفين وسياسة من قبله اتجهت بالبلاد إلى مسيرة النمو والأمان. وهذا ما نص عليه نظام الحكم.
كان البعض ممن يسمى خبراء في شؤون الشرق الأوسط والمرتبطين بمراكز البحوث الغربية ذات الانتماء المعروف، واستغلالهم لجهل الغرب بالكثير من زوايانا الاجتماعية والتاريخية اقنعوا بعض رجالهم بخطأ تعاونهم مع الدول التقليدية (الملكية) واصفينها بأسوأ النعوت، وأنها لا تعبر عن رغبات شعوبها وشعوبها لا تؤيدها، وبعد أن حدث ما حدث في هذه الدول خلال ما يسمى بربيع العرب، اقتنع هؤلاء الغربيون أخيرا بأن هذه الدول التقليدية كانت في الطريق الصحيح، وتتمتع بالحكم الرشيد وأنها دول عريقة وشرعية، تدار شؤونها بتقاليد موروثة ومكتسبة، تهتم بالاستقرار والأمان والنمو والتطور واحترام المواطن وحقوقه، ما له وما عليه. حكامها يأتون بالبيعة وشؤونهم شورى بينهم.
ذهب أميرنا - رحمه الله - إلى مثواه تحوطه دعوات المواطنين ودموعهم وحبهم ومحبتهم.. بينما القادة الآخرون إما أبعدوا أو سجنوا أو مثل بهم. الأمير سلطان.. والقذافي كلاهما دفنا في يوم واحد، الأول ودعه وصلى عليه أشراف القوم وعامتهم، والثاني شَمت به الخاصة ونكّل به العامة.. اللهم لا شماتة.. صدق الرسول الكريم: ''أنتم شهداء الله في أرضه''.
نعم.. رحل الأمير - إن شاء الله - إلى جنة الخلد وهو مطمئن إلى أن نظام الحكم السعودي باق وعتيد، كم هي التحديات التي واجهها هذا الوطن خلال عقود القرن الماضي.. ما أكثرها.. وتغلب عليها، وتفسير ذلك هو في التحام النظام والشعب، دولة موحدة آمنة - إن شاء الله. وها نحن بايعنا الأمير نايف رجل الأمن الناجح ولياً للعهد، اختاره خادم الحرمين - سلمه الله - لنجاحه في المهمات التي تولاها. إنه صاحب خبرة وكفاءة وحنكة، تعلم الإدارة والسياسة في مدرسة مؤسس هذه الدولة والملوك من بعده. اللهم وفقهم إلى ما فيه خير العباد والبلاد. اللهم آمين.