الحجاج في طلب الموت «تعددت الأكفان والآجال واحدة»
حينما يستشرف الحجاج اللحظات الأخيرة في الوداع، تتماثل طقوس الموت في أعينهم، وتختلف باختلاف مشاربهم وثقافاتهم، فحاج يعطر كفنه بمسك، وآخر يطلبه مغسولا بماء زمزم، يقتنيه في طريق عودته إلى بلاده ليكون رفيقا له حتى الممات.
"تعددت الأكفان والموت واحد"، عبارة تبادرت إلى ذهن خالد الهذلي، الطالب في كلية الشريعة في جامعة أم القرى، الذي وقف لبعض الوقت يستعرض أنواعا من الأكفان يعرضها أحد الباعة من جنسية عربية في المشاعر المقدسة، وبأنواع مختلفة، منها ما هو برائحة المسك، ورائحة الورد، وهناك نوع فاخر يطلق عليه كفن "vip".
مشهد بيع الأكفان في المشاعر المقدسة، قد يشوبه نوع من الاستغراب، خصوصا أن المشهد لا يستدعي تواجد تلك الأكفان فيه، ولكن ما يبدد ذلك الاستغراب هو أن البعض من هؤلاء الباعة استغلوا تواجد الأعداد الكبيرة من الحجاج، الذين ينتمون إلى ثقافات مختلفة، بدأوا في ترويج فكرة الأكفان المباركة من الأراضي المقدسة، والتي ساعدهم فيها هي الأيام الفضيلة والشعيرة الدينية المتمثلة في الحج، في تقبل وإقبال عدد كبير من الحجاج على شراء الأكفان.
يقول الحاج الهذلي: "ما أثار اهتمامي هو وجود أنواع متعددة من الأكفان، ودعم هؤلاء الباعة هذه الثقافة الترويجية، في أن مجرد بيع هذه الأكفان في المشاعر المقدسة يكسبها قدسية لدى الحاج، الذي يعتبرها آخر ما يلتف به جسده في هذه الدنيا، بعد أن يعلو روحه إلى بارئها، بل إن البعض من هؤلاء الحجاج ينوي أن يغسل كفنه بماء زمزم ليجمع الحسنيين في كفنه، حسن قداسته كونه من الأراضي المباركة، وحسن نظافته مغسولا بأطيب ماء على وجه الأرض.
عبد الجليل مصطفى - بائع أكفان يجول المشاعر المقدسة، يقول "أقوم بعرض الأكفان على الحجاج، وليس لدي سوى نوع واحد من الأكفان وهو الكفن العادي ذو القماش الأبيض، وهناك كفن خاص للرجل، وكفن آخر للمرأة، أتيت من جدة حيث إنني اعتدت على بيعها طوال أيام السنة أمام أحد المساجد الشهيرة في جدة".
ويضيف عبد الجليل "أقوم بشراء الأكفان من مصنع متخصص بصناعتها في جدة، وبالطبع بسعر منخفض التكلفة؛ نظرا لأنني عميل متميز لديهم، كوني أشتري منهم كميات كبيرة جدا خلال الموسم، وأقوم ببيعها وحاليا أعرضها في المشاعر المقدسة وبأسعار لا تتجاوز 250 ريالا للكفن الواحد".
وحول وجود أنواع متعددة للأكفان قال عبد الجليل "هناك ترويج غير محبب من قبل بعض الباعة، بحيث يستغلون قدسية شعيرة الحج في بيع الأكفان، وهو ما قابله تقبلا كثيفا من قبل الحجاج؛ نظرا لاختلاف ثقافتهم ومحبتهم لمكة المكرمة، ورغبتهم في اقتناء أكفان مقدسة من الأراضي المقدسة تلف أجسادهم في نهاية حياتهم".
الحاج محسن الشدوخي من منطقة نجد، والذي يبلغ من العمر عتيا، يروي لـ "الاقتصادية" رحلة الحج في الماضي وكيف أنهم كانوا يجهزون قافلة الحج بجميع المستلزمات، ومن ضمنها عدة تجهيز الأموات، والتي تكون في مقدمتها عدد من الأكفان؛ نظرا لما تتمتع به تلك الحقبة الزمنية الماضية من فقر وقلة موارد وإمكانات.
ويتابع الحاج الشدوخي سرد تفاصيل رحلات الحج القديمة "عدة تجهيز الأموات تشتمل على السدر والطيب، وأدوات حفر القبور؛ نظرا لأن قوافل الحج لا تخلو من الأموات، وتتعدد أسباب الموت لمرض أو تعرض أحد الحجاج لهجوم من حيوانات مفترسة، ونظرا لعدم وجود مستشفيات أو تجهيزات نضطر إلى حفر قبر ودفنه بعد تجهيزه وتكفينه والصلاة عليه".