مخصص «حافز» المالي يدعم الباحثين عن فرص عمل بجدية
حذرت منظمة العمل الدولية في تقرير صدر أخيراً من أن الاقتصاد العالمي على شفا الدخول في ركود عميق لفترة جديدة ما قد يؤخر من تعافيه، وهو الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى حدوث المزيد من الاضطرابات الاجتماعية في عددٍ من دول العالم. كما أكدت المنظمة أن خروج الاقتصاد من الركود قد يتطلب خمس سنوات أخرى قبل أن تعود مستويات العمالة في الاقتصادات المتقدمة إلى مستواها السابق قبل الأزمة.
وشدد التقرير الذي جاء تحت عنوان ''تقرير عالم العمل للعام 2011: جعل الأسواق تعمل لمصلحة الوظائف'' على ضرورة استحداث نحو 80 مليون فرصة عمل جديدة خلال السنتين المقبلة، 27 مليون وظيفة منها في الاقتصادات المتقدمة، والبقية في الدول الناشئة والنامية بغية استعادة الاقتصادات لقدرتها في استحداث الوظائف إلى مستويات ما قبل الأزمة، مع الأخذ في الاعتبار أن سوق العمل الحالية قد دخلت مرحلة الشهور الستة العادية التي تفصل بين التباطؤ الاقتصادي وانعكاسه على اليد العاملة، ولهذا السبب وفي ظل التباطؤ الاقتصادي الحديث قد لا ينجح الاقتصاد العالمي سوى في استحداث نصف عدد هذه الوظائف.
ولفت التقرير إلى مؤشر جديد للاضطرابات الاجتماعية والذي يظهر مستويات من عدم الرضا الناتجة من شح فرص العمل والغضب، نتيجة عدم تقاسم الدول للعبء المترتب عن الأزمة المالية العالمية بشكل عادل، كما أظهر أن خطر الاضطرابات الاجتماعية سيرتفع في 45 دولة من الدول الـ 118 التي تمت دراستها.
وأصبحت السعودية كغيرها من دول العالم، تعاني من مشكلة تفشي البطالة بين المواطنين من الجنسين، الأمر الذي يؤكده تسجيل مؤشر البطالة العام في البلاد لمعدل مرتفع نسبياً خلال السنوات الثلاث الماضية بلغت نسبته في حدود 10 في المائة في المتوسط، علاوة على ذلك ظلت سوق العمل تعاني لفترة طويلة من الوقت، من تدني إنتاجية العمالة الوطنية مقارنة بإنتاجية العامل مثلاً في ٢٦ دولة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث احتلت إنتاجية العامل السعودي مرتبة في آخر السلسلة قبل المكسيك وبولندا.
وتنبهت الحكومة السعودية لمشكلة البطالة في البلاد منذ وقت بعيد، وإلى انعكاساتها وأضرارها السلبية على الاقتصاد الوطني وسوق العمل والمجتمع السعودي، واتخذت تبعاً لذلك عدداً من التدابير والحلول، التي من شأنها المساعدة في التغلب على مشكلة البطالة، وذلك من خلال توفير فرص عمل للمواطنين السعوديين من الجنسين، إضافة إلى جعل سوق العمل أكثر جاذبية للعمالة الوطنية مقارنة بالماضي، حيث اعتمدت الحكومة على سبيل المثال حداً أدنى للأجر قدره ثلاثة آلاف ريال، كما تم البدء في تطبيق برنامج ''نطاقات''، الذي يتوقع له أن يسهم بفاعلية في توظيف السعوديين، وفي إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة بأسلوب منهجي وعلمي وعملي مدروس لا يضر بسوق العمل.
ومن بين التدابير والحلول المهمة أيضاً التي اتخذتها الحكومة للتغلب على مشكلة البطالة في المملكة، إقرارها للبرنامج الوطني لإعانة الباحثين ''حافز'' الذي أسندت إدارته إلى صندوق تنمية الموارد البشرية، والذي يعتبر نقطة البداية لمجموعة من الحوافز والتنظيمات التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، لدعم الباحثين عن العمل بهدف تعزيز فرصهم في الحصول على وظيفة تضمن لهم حياة كريمة، وتمكينهم من المساهمة في بناء الوطن والمسيرة التنموية التي تعيشها البلاد.
ومن بين أحد أبرز عناصر برنامج ''حافز'' الرئيسة، صرف مخصص مالي شهري لدعم وتحفيز الباحثين بجدية عن العمل والمستحقين للإعانة المالية وفقاً لضوابط استحقاق يحددها المجلس الاقتصادي الأعلى، علماً أن استمرارية الحصول على هذا المخصص يتعين على الباحث استمراره ومواصلته في البحث بشكل جاد عن العمل، حيث إن الهدف الأساسي من هذه الإعانة المالية هو مساعدة الباحث في الحصول على وظيفة دائمة ومناسبة وليس الركون للإعانة كمصدر لدخل ثابت. كما أن البرنامج لا يقتصر على دعم الباحثين عن عمل بمخصص مالي فقط، بل يشتمل أيضاً على عناصر أخرى من ضمنها توفير التدريب المناسب للباحثين عن العمل - إذا لزم الأمر - ومن ثم تنظيم عملية توفير فرص وظيفية مناسبة، علما أنه ينبغي على جميع المستحقين في البرنامج الالتزام بإكمال الدورات التدريبية المخصصة لهم. ومن بين الشروط الأساسية أيضاً، للاستمرار في الحصول الباحثين عن عمل على الإعانة، الاستمرار في البحث بجدية عن العمل، وتحديث معلوماتهم بشكل دوري ومنتظم على الموقع، وإكمال دورات تأهيلية وتدريبية التي يتم توفيرها للمستحقين للإعانة.
ويتوقع لبرنامج حافز أن يسهم بفاعلية في خفض معدلات البطالة في المملكة بأكثر من 50 في المائة خلال السنوات القليلة المقبلة من خلال توظيف أعداد كبيرة من السعوديين وتشجيع المنشآت المحلية على توظيف العمالة الوطنية وإحلالها محل العمالة الوافدة، وبالذات العمالة غير المدربة وغير المؤهلة للعمل في السوق. كما يتوقع للبرنامج أن يقضي على الممارسات الخاطئة في سوق العمل التي من أبرزها ما يعرف بـ ''السعودة'' الوهمية التي تقوم بها وللأسف الشديد بعض المنشآت في القطاع الخاص، حيث إن البرنامج يعمل على توفير فرص وظيفية حقيقية للمواطنين السعوديين من الجنسين. وكذلك أن يسهم بفاعلية في الحد من التحويلات المالية الضخمة للعمال الأجانب، وأن يوفر حماية للأجور. ومن المنتظر أيضا أن يحدث برنامج ''حافز'' نقلة نوعية في قاعدة البيانات والمعلومات الخاصة بالباحثين عن فرص عمل بالسوق المحلية، بحيث يمكن استخدامها في تلبية احتياجات هذه السوق من الوظائف والتخصصات المختلفة بشكل أكثر مهنية واحترافية من السابق، وبما يوفر في الوقت نفسه الاحتياجات الوظيفية للأنشطة والقطاعات الاقتصادية المختلفة بالشكل العملي والمنهجي المطلوب.