شهادة الآيزو بـ 35 ألف ريال

وصلتني رسالة تقول بـ 35 ألف ريال تحصل على ''الآيزو''، وهذا خاص بالشركات كما تقول الرسالة، أي أن هناك استثناءً للأفراد والجهات الحكومية من هذا العرض المغري الوارد في هذه الرسالة. وكما هو معلوم للكثيرين فإن شهادة الآيزو تعني انضباطاً إدارياً، وفعالية وجودة في الإدارة للجهة التي تحصل عليها، سواء كانت حكومية أو غير حكومية. وخلال السنوات الماضية القريبة أصبحت عملية الحصول على شهادة الآيزو موضة تتسابق جهات عدة على الحصول عليها بأي ثمن لأنها تعني لهذه الجهات أو بالأحرى للقائمين عليها نجاحاً وتفوقاً وانضباطاً في الإدارة أو جودة إدارية بالمفهوم الكلي لمعنى الجودة، وذلك أمام الآخرين والرأي العام ولذا تحرص الجهات التي تحصل عليها على الإعلان عن هذا الإنجاز حتى يتعرف عليه الناس وتكون حديث الناس في مجالسهم ومنتدياتهم.
من المؤكد أن الأفراد لا يسعون إلى الحصول على شهادة الآيزو في حياتهم اليومية وحياتهم الخاصة أو الأسرية وإن كانوا يحرصون على الجودة والكثير منهم يحققونها وذلك بما نلمسه من نجاح وتفوق دراسي، أو تفوق في العمل، أو تفوق في إدارة الأسرة والحياة الخاصة، بل وإدارة العمل الخاص كما نرى في نجاحات الكثير في شركاتهم، وتجارتهم حتى قبل فترة ''الآيزو''، بل إن بعضهم ربما لم يسمع بـ ''الآيزو'' حتى الآن ومع ذلك مؤشرات النجاح، والانضباط الإداري، متحققة لديهم. اقتصار الإعلان بالشركات ربما لدفع الحرج عن الجهات والإدارات الحكومية التي قد تسعى لشهادة الآيزو أو تلك التي حصلت عليها في السابق وآثرت الإعلان عن ذلك في الصحافة ووسائل الإعلام ابتهاجاً بهذا الإنجاز، وما من شك أن الكل يفرح بالإنجاز إذا كان الإنجاز حقيقياً، ولكن إذا كان الإنجاز مجرد شهادة أو ورقة دون أن يتزامن ذلك مع أداء حقيقي على أرض الواقع يلمسه العاملون في الشركة، أو في الجامعة، أو في الإدارة الحكومية، فهذه الفرحة غير مكتملة وسريعاً ما تنكشف الحقيقة للناس، وذلك من خلال الأداء والإنجاز في المجال الذي حصلت فيه هذه الجهة على الشهادة. كذلك قد يكون الاقتصار على الشركات في الرسالة دون الجهات الحكومية بهدف الابتعاد عن المساءلة النظامية والقانونية رغم أن مؤسسات الوطن سواء كانت خاصة أو حكومية مهمة، ويفترض أن تسعى لضمان جودة إدارتها لأن المكاسب للوطن سواء كان النجاح من شركة، أو من إدارة حكومية، علماً أنه سبق لجهات حكومية أن حصلت على شهادة الآيزو ولا أدري هل هو بالأسلوب نفسه الذي ورد في الرسالة أم بغيره؟
من يعملون في الجهات التي حصلت على شهادة الآيزو يعلمون علم اليقين، وكما يجدونه بصورة يومية، أن لا شيء قد تغير في واقع المنظومات التي يعملون بها فلا زاد الانضباط، ولا ارتفعت جودة الأداء، وكما يقول المثل ''تيتي تيتي زي ما رحتي زي ما جيتي''.
أخشى ما أخشاه أن يكون هذا الإعلان بشأن شهادة الآيزو أسلوبا من أساليب التحايل لجمع الأموال على حساب الوطن، وفي هذه الحالة إما أن الآخرين يضحكون علينا من أجل أموالنا، أو أننا نضحك على أنفسنا بأموالنا وفي كلا الحالتين الحلو مر.
كياستنا وحرصنا على مجتمعنا من أن يستغل أو يستغفل وتنهب أموال شركاته، ومؤسساته، وماله العام يفترض أن يكونا حاميين لهذه المكتسبات إذ لا يمكن قبول شهادة مزيفة ليس لها أساس على أرض الواقع نضلل بها الآخرين، ونخدع بها أنفسنا من أننا أنجزنا نجاحاً إدارياً، في حين أن البيروقراطية والروتين يعشش في الجهة التي حازت على الشهادة بل وسوء الإدارة، وقلة الإنتاج، إضافة إلى الفساد الإداري الذي يفسد الكثير ويضيع الأكثر من المصالح والمكاسب على الأفراد والمجتمع. تساءلت وأنا أقرأ الرسالة كيف يسمح لهذه الرسالة وغيرها من الرسائل بالمرور إلى الجمهور إذ لا بد من ضوابط تأخذ في اعتبارها الضرر العام بدلاً من مصلحة خاصة يحققها فرد أو جهة تقف وراء مثل هذه الرسالة والشركة المسوقة لشهادة الآيزو.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي