موريتانيا تسمح للمؤسسات المالية الإسلامية بشرط خضوعها لقانون مؤسسات القرض التقليدية
افتُتح في العاصمة الموريتانية نواكشوط أول مصرف إسلامي باسم ''المصرف الإسلامي الموريتاني'' برأسمال مشترك بين المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص التابعة لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية، وبنك آسيا التركي، ويبلغ رأسمال المصرف الذي أشرف على تدشينه وزير المالية الموريتاني تيام جمبار 21 مليون دولار، حيث يُنتظر من البنك الجديد تقديم مختلف الخدمات المصرفية والمنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، ويساهم البنك الإسلامي للتنمية بـ 60 في المائة من رأسمال البنك، فيما يمتلك بنك آسيا التركي الحصة المتبقية، وبافتتاح البنك الجديد يرتفع عدد المصارف الأجنبية في موريتانيا إلى خمسة بنوك.
ومن المنتظر أن يُعزَّز حضور المصارف الإسلامية في موريتانيا وتسهيل فرص الاستثمار التركي فيها، فضلاً عن مواكبة جهود رجال الأعمال الموريتانيين من أجل تمويل عمليات الاستيراد والتصدير بين تركيا وموريتانيا.
#2#
وأبرز محافظ البنك المركزي الموريتاني سيدي أحمد ولد الرايس أهمية افتتاح المصرف، حيث يعكس ثقة شركاء موريتانيا بمناخها الاستثماري، ودعا إدارة المصرف إلى الحفاظ على مصداقية القطاع الجديد في موريتانيا، ومصداقية المصارف التي يتعامل معها، وكذلك إلى مضاعفة البنك جهوده لإنجاح التجربة الجديدة، معتبراً أن المصرف الإسلامي سيواجه تحديات تحتم عليه مواجهتها نظراً لتعامله بنظام مصرفي لم يكن معروفاً في موريتانيا.
وأكد خالد العبودي الرئيس التنفيذي للمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص أن المصرف الجديد سيكون إسلامياً بحتاً يعتمد على منظومة متطورة لا يمكنها استيعاب أي عملية لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية، وأضاف أنه سيعتمد على تحسين الجودة والمعاملة للمساهمة في النهوض بالقطاع المالي في موريتانيا، وسيكون بنكاً متكاملاً يعتمد على الشركات العامة والخاصة والأفراد، معتبراً أن تجربة المصارف الإسلامية أكدت على كونها السبيل الأمثل لتحقيق النمو الاقتصادي في الدول التي طبقتها حتى الآن، ووجه شكره للحكومة الموريتانية على دعم وتيسير افتتاح المصرف، آملاً أن يساهم في دعم التنمية في هذا البلد النامي.
وشهدت موريتانيا أول تجربة للمصرفية الإسلامية عام 1985 بتأسيس بنك البركة الموريتاني لكنه لم يستمر، وبقي التعطش إلى مزيد من الخدمات المالية الإسلامية في ظل ظهور توجه لتأسيس عدد من البنوك الإسلامية في موريتانيا، وكانت المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص قد أعلنت في وقت سابق حصولها على ترخيص إنشاء بنك إسلامي في موريتانيا والذي أسفر عنه تدشين المصرف الإسلامي الموريتاني الذي أُعلن عنه أخيرا.
وفي هذا الصدد، أكد الدكتور محمد منا الشيباني الباحث الموريتاني والخبير في التمويل الإسلامي لـ ''الاقتصادية'' أن موريتانيا تفتقر إلى نظام مصرفي إسلامي، حيث يغلب على بنوكها العشرة ومن ضمنها خمسة أجانب وفروعها البالغة 75 فرعاً الطابع الربوي، وتضمنت التعديلات على النظام المصرفي الموريتاني في عام 1995 إشارة واضحة للمؤسسات المالية الإسلامية، حيث أشار إلى أحد القوانين التي تطبق على البنوك التي لا تلجأ إلى استخدام أسعار الفائدة، والتي تمارس نظام تقاسم الأرباح والخسائر، إلا أن الأمر القانوني الصادر في عام 2007 الذي يحدد تنظيم مؤسسات القرض لم ينص على أحكام خاصة بالنشاطات المصرفية المستوحاة من مبادئ الشريعة الإسلامية ولم يشر إليها بكلمة.
وحول تلاؤم الإطار القانوني للنشاط المصرفي في موريتانيا مع خصوصيات المصرفية الإسلامية، وهل يتطلب إدخال تعديلات على المنظومة القانونية الحالية أو إنشاء قانون مواز يسمح للمصرفية الإسلامية، قال الشيباني: إن البنك المركزي الموريتاني لا يمنع إنشاء مؤسسات مالية إسلامية، ولكن عليها أن تخضع لقانون مؤسسات القرض التقليدية، وهذه مشكلة أغلب البنوك الإسلامية التي تمنح التراخيص تحت مظلة القوانين الربوية دون مراعاة لمعايير ملائمة، سواء في المحاسبة والقوائم المالية ونسبة الاحتياطي النقدي وإعادة التمويل إلى غير ذلك من المتطلبات، وبالرغم من اهتمام البنك المركزي الموريتاني بتفعيل الصكوك الإسلامية، فإن القوانين الحالية غير واضحة بما يكفي للسماح بالممارسة الجذابة للمصرفية الإسلامية، سواء بالنظر إلى قانون مؤسسات القرض وتبعاته، وعدم توافق قانون التدابير الجبائية مع المنتجات الإسلامية، وكذلك مدونة التجارة ومدونة العقود، وأكد الشيباني في هذا الصدد أن المصرفية الإسلامية لا ينبغي أن تكون مجرد تركيب منتجات مالية وممارسات شكلية حبيسة للمنطق المصرفي التقليدي وللقوانين الوضعية.
وعلى صعيد تطور المصرفية الإسلامية في موريتانيا، أشار الشيباني إلى تطورها على ثلاثة مسارات، أولها مجموعة البنوك الإسلامية والتي كان أولها بنك البركة الموريتاني الإسلامي أول بنك إسلامي موريتاني أنشئ عام 1985 يمتلكه كلٌ من مجموعة البركة المصرفية (50 في المائة) وخصوصيين (40 في المائة) والبنك المركزي الموريتاني (10 في المائة)، ورغم نجاحه في السنوات الأولى إلا أن هذه التجربة آلت إلى الفشل، وتغيرت هيكلة رأس مال هذا البنك عدة مرات، إلى أن انسحبت منه مجموعة البركة منه وبقيَ مملوكاً من طرف خواص موريتانيين يعمل تحت بنك الوفاء، إلا أن هذا البنك بحسب الشيباني يحاول اليوم إعادة ترتيب أوراقه من جديد ليتوافق مع المصرفية الإسلامية بعد فترة من الازدواجية. وفي الوقت الحاضر تم افتتاح المصرف الإسلامي الموريتاني والذي اُعتبر أول مصرف إسلامي في موريتانيا بعد فشل تجربة بنك البركة، ويُنتظر أن يُقدم البنك مختلف الخدمات والمنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
وفي المسار الثاني، أشار الشيباني إلى مجموعة البنوك الربوية التي في طور الأسلمة، حيث أعلن البنك الوطني الموريتاني منذ سنتين تحوله التدريجي إلى العمليات المصرفية الإسلامية، وعلى الرغم من تخصيص بناية للمعاملات الإسلامية وفتح فروع جديدة على الطريقة الإسلامية، لم تتبلور الفكرة على أمر الواقع بصفة واضحة ونهائية، وما زال المصرف في حالة ربوية من الناحية القانونية وفي حالة ازدواجية من الناحية العملية. وفي المسار الثالث تأتي مجموعة من البنوك الربوية التي تقدم خدمة المرابحة، وقال الشيباني إن المؤسسات المالية الأخرى لم ترقَ إلى درجة يمكن القول إنها افتتحت فروع أو تتمتع بنوافذ إسلامية، لكنها تقدم في أغلبها خدمة مغلفة ببيع المرابحة إذا رغب العميل في ذلك.
وتشهد منطقة المغرب العربي أخيرا اهتماما ملحوظا وسعيا حثيثا لتطوير قطاعاتها المالية بما يسهل ظهور خدمات ومنتجات جديدة مبتكرة، وإدماج الصيرفة والمالية الإسلامية في النسيج المالي الوطني، وفي منتصف تموز (يوليو) الماضي عُقد الملتقى المغاربي الأول للمالية الإسلامية في مدينة تونس العاصمة لمدة يومين، بتنظيم من المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية وبالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، حيث أكد الملتقى في ختام على أهمية الصناعة المالية الإسلامية ودورها في تسريع عملية النمو وإيجاد فرص عمل في بلدان المنطقة المغاربية عموما، وأشار إلى أهمية التكامل والتوازن والتنوع في مكونات الصناعة المالية الإسلامية مثل صناديق الاستثمار، وأسواق رأس المال، ومؤسسات التمويل الأصغر، وشركات رأس المال المخاطر، والصناديق الوقفية، ومؤسسات التمويل التأجيري، وشركات التأمين التكافلي، إضافة إلى المصارف الإسلامية التجارية والمتخصصة، ودعا المؤتمر الجهات المختصة إلى العمل على إرساء التشريعات الملائمة لجميع مكونات الصناعة المالية الإسلامية.
وبقصد تحقيق هذه الأهداف الأساسية لتطوير الصناعة المالية الإسلامية أوصى المؤتمر بالعمل على تأهيل وتدريب العاملين في المجالات ذات الصلة في مكونات الصناعة المالية الإسلامية في القطاعين العام والخاص، وعقد ورشات عمل تطبيقية متخصصة في مجال المنتجات والخدمات المالية الإسلامية لمعالجة المشكلات العملية والفنية والتطبيقية بقصد إدماج تلك المنتجات والخدمات في المنظومة الاقتصادية، وكذلك الاطلاع على التجارب السابقة في مجال الصيرفة والمالية الإسلامية بمختلف قطاعاتها ودراستها بالشكل الذي يحقق الاستفادة منها، إضافة إلى فتح مكتب إقليمي للمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية ليتولى تنسيق الأنشطة في مجال الصيرفة والمالية الإسلامية على الصعيد المغاربي والإفريقي والأوروبي متوسطي.