المصارف الإسلامية جزء من النظام المالي.. وتتطلب معالجة حساسة من السلطات الرقابية
أكد حمود بن سنجور الزدجالي الرئيس التنفيذي للبنك المركزي العماني أن البنوك الإسلامية لا تعمل في عزلة عن البنوك التجارية التقليدية، وأن البنوك المركزية بوصفها جهاز الرقابة على النشاط المصرفي في حاجة إلى العمل على مدى فترة زمنية معقولة لتحقيق الربط بين البنوك الإسلامية والبنوك الأخرى، وأشار إلى أن البنوك التي تمارس أنشطة المصرفية الإسلامية بحاجة إلى اتباع معايير محاسبية متنوعة في بعض الحالات، شريطة أن تكون مقبولة بصفة عامة لدى الأطراف المتعاملة في السوق، وأن تتفق مع المعايير الدولية ذات الصلة. جاء ذلك خلال منتدى عمان للاقتصاد الإسلامي الذي اختتم أعماله الأحد الماضي في العاصمة العمانية مسقط، حيث شارك في المنتدى عدد من الخبراء في مجال الاقتصاد الإسلامي ونخبة من المختصين وأصحاب القرار والأكاديميين وعدد من رجال الأعمال والمستثمرين من داخل السلطنة وخارجها.
وقال الزدجالي: إن البنوك الإسلامية تظل جزءا من النظام المالي بصفة عامة، بيد أنها تتطلب معالجة حساسة من قبل السلطات الرقابية، نظرا للطبيعة الخاصة لنشاطها. ونتيجة لهذا النظام المصرفي المزدوج، سوف تنشأ تحديات ناتجة من ضرورة مراعاة البنوك للقواعد الإسلامية، والخلط بين القواعد المنظمة لكلا النوعين من النشاط التقليدي والإسلامي. وأضاف أن الصيرفة الإسلامية لا تقوم على أسس تجارية فحسب بل وأيضا على أسس تتفق مع الشريعة الإسلامية، وهي في جوهرها أسس ومبادئ أخلاقية لممارسة الأعمال التجارية بصفة عامة، فبينما تتحمل البنوك التجارية التقليدية المخاطر، وتفرض سعر فائدة محددة على العملاء نتيجة لذلك، فإن المصارف الإسلامية تشارك عملاء البنوك الإسلامية مخاطر الأعمال، الأمر الذي يقتضي أيضا وبالضرورة المشاركة في الربح والخسارة.
وأشار الزدجالي إلى أن نظام المصرفية الإسلامية ليس نشاطاً حديث العهد، بل يمارس نشاطه في العديد من دول العالم منذ سنوات طويلة، وآخذٌ في الانتشار والتوسع بدرجة ملحوظة، بيد أن أطر عمل الرقابة المصرفية في معظم دول العالم تمت صياغتها لتتناسب مع الصيرفة التجارية التقليدية، ومن ثم فإن إدخال التعديلات اللازمة عليها ليتناسب مع أنشطة المصرفية الإسلامية يُمثل تحديا مهماً، مؤكداً أن البنوك الإسلامية لا تقدم المال في حد ذاته للعملاء، لكنها تسهل عملية حيازة أو استخدام الأصول المادية، ومن ثم فإن كثيراً ما تكون البنوك الإسلامية والعملاء شركاء في المؤسسات والمشروعات التي تنشأ، وتتقاسم المخاطر وأيضا المكاسب مع العملاء بدرجة متساوية عادلة.
كما أكد أهمية تغيير قواعد الرقابة المصرفية لتناسب التغير في طبيعة النشاط، والتغير ليس قاصراً على وضع أحكام تسمح بالرقابة المصرفية، بل أيضاً يتعين وضع قواعد ذات صلة بطبيعة أعمال المصرفية الإسلامية وتكوين المخصصات والاحتياطيات، كما أن المتطلبات الاحترازية وإدارة المخاطر من الأمور التي لا يمكن تجاهلها، ويجب كذلك الاهتمام بمصالح أصحاب حسابات الودائع والاستثمار، وأيضا تقديم التمويل اللازم للعملاء وفق أحكام الشريعة الإسلامية، مشيراً إلى أن البنوك تواجه أحيانا أنواعا مختلفة من المخاطر نتيجة لتغير نمط ممارسة الأعمال، وذلك بجانب مواجهتها لمخاطر السيولة وعدم التوافق بين الأصول والخصوم، وغيرها من المخاطر.
من جهته قال الدكتور عبد العزيز الهنائي نائب رئيس البنك الإسلامي للتنمية إن أهم ما يُميز النظام المالي الإسلامي العدل في تحمل المسؤوليات، وتحقيق التوازن بين النشاط الربحي وغير الربحي، مع اعتماده على الأسس الأخلاقية في السلوك والتعامل، وأضاف أن التمويل الإسلامي يبني النظام المالي على أسس وثيقة الارتباط بالقطاعات الإنتاجية في الاقتصاد، ولهذا فإن مخاطر المديونية تظل تحت السيطرة نظرا لأنه لا تنشأ مديونية بهدف الربح إلا من خلال مبادلة حقيقية تولد الثروة وتوجد قيمة مضافة للاقتصاد.
وأوضح الهنائي أن الاقتصاد الإسلامي بإمكانه الإسهام بإيجابية في إعادة بناء النظام الاقتصادي لتحقيق الاستقرار من خلال ارتباط المديونية بالثروة وارتباط المخاطر بملكية السلع والخدمات، وأشار إلى صيغة التمويل بالمشاركة، حيث تحتل موقعاً متميزاً في التمويل الإسلامي، وتعد إحدى الوسائل الناجعة في حل مشاكل البحث عن العمل والتوظيف، وتسهِّل تمويل المشاريع المنتجة باعتبارها تشجع على أدوات المشاركة التي لا تتطلب الضمانات التي تشكل عقبة أمام حصول كثير من المشاريع على التمويل.
واعتبر الهنائي أن التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية تتمثل في تطوير العلاقة بين البنوك الإسلامية والبنوك المركزية والسلطات الإشرافية لإيجاد نظام إشرافي ملائم للصناعة المالية الإسلامية، وتعدد الفتاوى التي تصدرها هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية واختلافها، وعدم وجود معايير موحدة للعقود، وضآلة حجم المؤسسات الإسلامية ما يؤدي إلى صعوبة المنافسة على المستوى العالمي، ونقص الكفاءات والموارد البشرية، ومحدودية آليات إدارة السيولة ومنتجات سوق المال، إضافة إلى ضعف الاهتمام بالشرائح الفقيرة والطبقات المهمَّشة أو ما يعرف بالمسؤولية الاجتماعية.
وأكد الدكتور كهلان الخروصي مساعد مفتي عام عُمان اهتمام السلطنة بالاستفادة من آخر ما توصلت إليه تجارب الدول الإسلامية في مجال الصيرفة الإسلامية، لتلافي الأخطاء التي وقعت فيها بعض البنوك والمؤسسات التي تقدم خدمات المصرفية الإسلامية، وحول إمكانية إنشاء مراكز تشريعية تختص بالموافقة على مراقبة أنشطة البنوك الإسلامية في السلطنة قال الخروصي: إن ذلك يستدعي وجود ثلاث مراحل من الرقابة والاستشارة الشرعية، أولها وجود هيئة شرعية مركزية تختص بوضع الأسس والمبادئ العامة لسائر الأنشطة المتوافقة مع الشريعة، وأيضا وجود لجان شرعية في البنوك تعنى بالمعاملات اليومية ووضع تفاصيلها والتأكد من توافقها مع الأسس العامة والضوابط الكلية التي وضعتها الهيئة الشرعية المركزية، إضافة إلى وجود مدققين مختصين سواء كانوا مدققين قانونيين أو محاسبين تكون أعمالهم وفقاً للمعايير الشرعية المختصة، وأكد في هذا الصدد سعي مكتب الإفتاء إلى أن يأخذ بها أصحاب القرار في السلطنة لضمان توافق المنتجات المالية مع الشريعة الإسلامية.