مختصون: البنوك الإسلامية تستخدم التورق بنسبة 95 % في إدارة السيولة رغم التحفظات الشرعية

مختصون: البنوك الإسلامية تستخدم التورق بنسبة 95 % في إدارة السيولة رغم التحفظات الشرعية
مختصون: البنوك الإسلامية تستخدم التورق بنسبة 95 % في إدارة السيولة رغم التحفظات الشرعية

أكد مختصون اقتصاديون وماليون في المصرفية الإسلامية أن البنوك الإسلامية لا تزال تواجه معضلات وتحديات فيما يخص إدارة السيولة الفائضة لديها، وذلك نظراً لمحدودية الأدوات المالية المتاحة حالياً، والتي تعتري الكثير منها إشكالات شرعية ومالية ومحاسبية، إلى جانب ندرة الابتكارات لأدوات جديدة من شأنها التقليل من هذه المشكلة على أقل تقدير.
وأعاد المختصون خلال حديثهم لـ ''الاقتصادية'' السبب الرئيس لمشكلة الإدارة، التي تعانيها البنوك الإسلامية اليوم، إلى طبيعة ومفهوم البنك التجاري الذي تم استنساخه ليكون البنك التجاري الإسلامي، الذي تقوم فكرته على حساب الاحتياطي الجزئي مقابل الودائع الجارية، ويؤدي بالضرورة إلى نشوء التزامات أو قصور على البنك حالة في أغلبها، وهذا يضع عليه قيودا تجاه الدخول في استثمارات أو أصول طويلة الأجل، وبالتالي يخلق مشكلة إدارة السيولة لسد الالتزامات الحالة وقصيرة الأجل بصفة مستمرة.
وأشاروا إلى أن البنوك الإسلامية حالياً منقسمة إلى قسمين، الأول يرى الحفاظ على الاحتياطي الجزئي، وبالتالي تواجه البنوك الإسلامية المشكلة نفسها في إدارة السيولة، فيما يرى الفريق الآخر، الاحتفاظ بنظرية الاحتياطي الكامل مقابل الودائع، وبالتالي لا يمكن للبنك التجاري أن يذهب بالاستثمارات في الودائع تحت الطلب، ويجب عليه أن يحتفظ بما يقابلها 100 في المائة، وهو السؤال المثار الآن حتى في الاقتصاد التقليدي.
وأوضح الدكتور عبد الباري مشعل مدير عام شركة رقابة للاستشارات في بريطانيا، أن إدارة السيولة في البنوك الإسلامية من أهم المعضلات التي رافقتها منذ نشأتها وما زالت تمثل تحدياً كبيرا أمام استمرار البنوك الإسلامية وخصوصية التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية وفق أدوات تتمتع بالقبول الشرعي العام.

#2#

وأضاف ''مع الأسف الشديد شهدت تجربة المصرفية الإسلامية خلال الفترة السابقة طغيان أداة التورق ومسمياتها المختلفة سواء التوكيل، أو الوكالة مع الإذن، أو حق التعاقد مع النفس كأداة رئيسة في الحصول على السيولة في حال الحاجة إليها، واستثمار السيولة في حال وجود فائض منها من خلال إدارة خزانة البنوك الإسلامية، ويمكن التأكيد أن هذه الأداة تستخدم بنسبة تفوق 95 في المائة من أدوات إدارة السيولة في البنوك بحكم أنها الأداة التي تكاد تكون الوحيدة''.
ولفت مشعل إلى أن ''الفترة السابقة من عصر البنوك الإسلامية لم تشهد ابتكارات مهمة في هذا الاتجاه، وما زالت الاجتماعات والمؤتمرات تناقش هذا الموضوع كمعضلة، لكنها لا تتمخض عن أدوات قابلة للاستخدام بشكل كبير ومناسب للبنوك الإسلامية، توجد بعض الأدوات التي نوقشت على مستوى نظري وربما طبقت في بعض البنوك على نطاق ضيق في إدارة السيولة مثل إنشاء صندوق يحتوي على عقارات مؤجرة لفترات طويلة، وفي هذه الحالة يمكن للبنوك التي تمتلك فائض السيولة أن تشتري وحدات ولو لليلة واحدة، ثم تعيد بيعها على إدارة الصندوق، لو فُعلت هذه الأداة على مستوى ناد للبنوك الإسلامية لتم تعزيزها وتقويتها وتكون بديلا حقيقيا للتورق''.
كذلك من ضمن الأدوات التي يؤمل أن تغطي جانبا كبيرا من احتياجات إدارة السيولة في البنوك الإسلامية الصكوك قليلة المخاطرة المتداولة من ناحية شرعية وأبرزها صكوك الإجارة المنتهية بالتمليك، وهي توازي السندات من حيث حساب التكلفة والعائد، وتابع ''يمكن أن تفي باحتياجات السيولة ولو لليلة واحدة، لكن يبدو طبقا لأنواع الصكوك المتداولة أن هناك تحديا أمام قبول أداة الصكوك كبديل معتبر شرعا بسبب الخلاف الفقهي الحاد حول مشروعيتها حتى الآن، صكوك المضاربة والمشاركة والوكالة تواجه تحديا حقيقيا من خلال اشتمالها على تحد شرعي حقيقي على ضمان رأس المال من قبل المصدر بوثيقة التعهد بالاسترداد، وهذه مشكلتها معروفة، والمشكلة على حالها ولم يحدث أي تغيير رغم مناقشة هذا الموضوع كثيرا، كذلك صكوك الإجارة تواجه تحديا شرعيا من جوانب كثيرة وهناك إشكال حول حملة الصكوك''.
ولخص مدير عام شركة رقابة للاستشارات حديثه عن استخدام الصكوك بقوله ''رغم وجود صكوك متداولة لكنها لا تمثل بالضرورة فرصة لإدارة السيولة من قبل البنوك، خصوصا السعودية، بحكم الخلاف الفقهي حول شرعيتها، وهذا يحد من استخدامها بلا شك''.
وأردف ''لا شك أن التصدي لهذه المشكلة طوال فترة البنوك الإسلامية سابقا وعدم وجود حلول عملية يحتاج إلى التوقف والتأمل في السبب الرئيس الذي يمكن أن يكون خلف ذلك، ويمكن في طبيعة ومفهوم البنك التجاري الذي تم استنساخه ليكون البنك التجاري الإسلامي والذي تقوم فكرته على حساب الاحتياطي الجزئي مقابل الودائع الجارية ويؤدي بالضرورة إلى نشوء التزامات أو قصور على البنك حالة في أغلبها وهذا يضع عليه قيودا تجاه الدخول في استثمارات أو أصول طويلة الأجل، وبالتالي يخلق مشكلة إدارة السيولة لسد الالتزامات الحالة وقصيرة الأجل بصفة مستمرة. وهذه الطبيعة الحقيقة ننظر إليها من اتجاهين، الأول أنها ليست مشكلة، بل طبيعة وحقيقة البنك التجاري القائم على الاحتياطي الجزئي وهو يواجه هذه المعضلة، لكن إذا تم الانتقال إلى البنك التجاري الإسلامي يأتي السؤال من جديد: هل نحافظ على الاحتياطي الجزئي، وبالتالي نواجه المشكلة نفسها في إدارة السيولة، أم نحتفظ بنظرية الاحتياطي الكامل مقابل الودائع وبالتالي لا يمكن للبنك التجاري أن يذهب بالاستثمارات في الودائع تحت الطلب ويجب عليه أن يحتفظ بما يقابلها 100 في المائة؟ هذا السؤال مثار في الاقتصاد التقليدي''.
وأشار مشعل إلى أن هذا التساؤل ينقسم الاقتصاديون الإسلاميون حوله إلى قسمين، الأول يرى أن البنوك الإسلامية يجب أن تأخذ بنظرية الاحتياطي الجزئي، وفريق آخر يرى أنه يجب أن يأخذ بنظرية الاحتياطي الكامل، وفند بقوله ''الحقيقة هذا هو أصل المشكلة يجب أن نبحث من جديد ما هو الأصلح لتطبيق البنوك الإسلامية على مستوى البنك التجاري، وهذا نوقش في بدايات التجربة الإسلامية، لكنه لاحقا أهمل وطغت عليه النقاشات والمؤتمرات ومخرجات نظرية الاحتياطي الجزئي ومشكلاتها دون الرجوع إلى أصل النظرية التي ينظر إليها اليوم كمسلمة من المسلمات، يمكن أن نعود إليها وأن نرفضها، خصوصا أن البنوك الإسلامية وقعت في ورطة التورق من أوسع أبوابه في قضية إدارة السيولة، وهي الصورية في أوضح حالاتها، وبالتالي المعارضة لقرارات المجامع يكون قائما وواضحا مهما حاولنا من خلال عملية التورق في عمليات الشركات والأفراد، إلا أننا في تعاملاتنا بين البنوك لم نجد بديلا عمليا للتورق من حيث الآلية وسهولة تنفيذ العملية ومن حيث الحجم المالي المطلوب أو حجم الأصول المطلوبة لتنفيذ العملية''. وتابع ''لذلك مضطرون للذهاب للسوق الدولية أو بورصة لندن للمعادن لاستيعاب هذه السيولة الكبيرة وبالتالي نقع ولا نستطيع تفادي هذا الأمر مهما بذلنا من جهود، وهو أنه لا توجد سوق بديلة لإدارة السيولة ولا أدوات بديلة، أما السوق الأساسية فهي بورصة لندن والأداة الأساسية فهي التورق من خلال بورصة لندن، وكلاهما محل شبهات واعتراضات ووقفات شرعية من خلال المجامع الفقهية، لذلك يجب مناقشة حجم المشكلة''.
إلى ذلك، يرى الدكتور سامي السويلم مختص في المصرفية الإسلامية أن البنوك الإسلامية لديها أدوات للتعامل مع فوائض السيولة التي لديها، لكن هذه الأدوات لديها إشكالات سواء من الناحية الشرعية أو المالية والمحاسبية، وقال ''من حيث الواقع استطاعت البنوك الإسلامية استخدام السيولة وتوظيفها عن طريق المرابحة العكسية أو مقلوب التورق وغيرها من الصيغ التي حدث فيها كلام كثير من الناحية الشرعية، البنوك الإسلامية تحركت وهناك حاجة إلى تطوير بدائل وحلول تتمتع بمصداقية شرعية ثم تكون كفوءة اقتصاديا وماليا وتحقق أهداف المؤسسات وطموحاتها، هذا الأمر – في رأيي - يحتاج إلى وقت ويمثل تحديا أمام الجميع، وفي تصوري، العاملون في هذا القطاع يدركون وجود الحاجة والتحدي الذي يواجهونه، لذلك هم حريصون على إيجاد هذه البدائل والحلول، لكن هذه الأمور تأخذ وقتا لأن أي حل أو منتج جديد يتطلب تغييرات إلى حد ما جوهرية في بعض الجوانب التنفيذية سواء الناحية القانونية أو التسويقية أو التسعير وغيرها، وجزء من المشكلة السوق نفسها بحيث إن المستثمر يكون متعودا على نمط معين من المنتجات يكون من الصعب عليه التغيير''. واسترسل ''لكن من حيث التجارب التي حدثت المستثمرون الإسلاميون لديهم استعداد لتقبل أفكار تحقق القيم الأخلاقية التي يؤمنون بها ولو كانت تحوي جوانب مختلفة عن الأنماط التقليدية التي تعودوا عليها من حيث أنواع المخاطر، وطبيعة المنتج، لديهم استعداد ورغبة في تقبل منتجات جديدة، لكن بشروط تحقق الحد الأدنى من الطمأنينة للمستثمر وتلبي متطلبات السوق من حيث التداول والسيولة''.

الأكثر قراءة