مأساة إغريقية .. غيوم اليورو تلبد سماء أوروبا

مأساة إغريقية .. غيوم اليورو تلبد سماء أوروبا

المشهد الأول
أثينا: تفتح الستارة ليظهر جورج باباندريو، في سريره يتقلب في نومه.
باباندريو (بعد أن استيقظ): يا إلهي! ألن تنتهي هذه الليالي أبداً؟ ألن يأتي ضوء النهار أبداً؟ لقد سمعت صياح الديك منذ ساعات، ولكن شعبي المهمل والفاسد لا يزال نائماً! اللعنة على أزمة الديون هذه! اللعنة على باسوك! (حزب الحركة الشعبية لعموم اليونان، الذي أسسه أندرياس باباندريو). لا أستطيع حتى أن أفصل المسؤولين الحكوميين في حكومة اليونان.
يتم تسليط الضوء بعد ذلك على الطابق العلوي من منزل باباندريو وتظهر المجموعة الثلاثية من الدائنين، المسلحين بأجهزة الآي بود والذين يتفحصون كومة من دفاتر الحسابات اليونانية يعلوها الغبار.
الدائن الأول: إنه لأمر مدهش للغاية. فحتى الشهر الماضي كان أكثر من ألف متقاعد متوفى يحصلون على دفعات من أكبر صندوق للمعاشات التقاعدية في اليونان.
الدائن الثاني: وماذا تقول في هذا؟ تصنف الدولة اليونانية 637 نوعاً من الوظائف على أنها شاقة للغاية بحيث يحصل الأشخاص الذين يعملون بها على تقاعد مبكر.
الدائن الأول: من هم هؤلاء الأشخاص؟
الدائن الثاني: العاملون في حمامات البخار. والفنيون في الإذاعة. والعاملون في صالونات تصفيف الشعر.
الدائن الأول (وهو يفكر بعمق): يمكن للمرء أن ينظر إلى الأمور بطريقة أخرى. موظفو الخدمة المدنية الدولية مثلنا يحصلون على معاشات تقاعدية سخية وتقاعد مبكر كذلك.
الدائن الثاني (بحدة): لم نأتِ إلى أثينا لكي ننظر إلى الأمور بطريقة أخرى.
الدائن الثالث: أنت محق تماماً. نحن هنا للنظر في المسائل المهمة فعلاً. على سبيل المثال، الفرق بين من يملكون حمامات السباحة والذين يعلنون ملكيتهم لحمامات السباحة في بياناتهم الضريبية. (يعرض خارطة على جوجل). الفئتان لا تتداخلان تماماً – على الأقل، ليس في ضاحية إيكالي. (حيث كان يعيش أندرياس باباندريو في سنواته الأخيرة، وهي تعتبر كناية عن الحكومة اليونانية)
الدائن الثاني: دعني أخمّن. عشرة آلاف حمام سباحة و ألف مالك فقط.
الدائن الثالث: أنت تقلل من شأن الإدمان على الصورة الخرافية التي تصور اليونانيين على أنهم شعب محب لحمامات السباحة. هناك في إيكالي 16,974 بركة سباحة. ولكن وفقاً للبيانات الضريبية هناك 324 مالكاً فقط. تنتقل أضواء المسرح إلى باباندريو
باباندريو (بيأس): إلى من ندين بكل هذه الأموال؟ بكم نحن مدينون؟ دعوني أضيف الفوائد على الديون... إنه كابوس، هذه الديون أعمق من خليج سلاميس! أتمنى أحياناً لو أعود إلى كلية أمهرست، وأعزف أغاني بوب ديلان على غيتاري. ولكن يجب ألا أستسلم! فقد كان والدي، أندرياس، هو الذي أوقع البلاد في هذه الفوضى. أنا لست مثله. أنا لست اشتراكياً على الإطلاق. ولكن من واجبي خدمة اليونان. أعرف ما سأفعل! سأدعو إلى إجراء استفتاء عام!
تسلط الأضواء ثانية على الدائنين الثلاثة.
الدائن الأول: هل قال أحدهم كلمة ''استفتاء''؟
الدائن الثاني: لا، نحن لسنا في أيرلندا.

المشهد الثاني
فرانكفورت- جان كلود تريشيه وماريو دراغي يجلسان على الطاولة. وتراقبهم جوقة الغيوم من الأعلى.
قائد الجوقة: يا معشر المصرفيين المركزيين الفانين، أنتم يا من تريدون تعليم أنفسكم حكمتنا العظيمة، انتبهوا، عليكم أن تعرفوا كيف تتحلَّون بضبط النفس، وكيف تصمدون أمام ضغوط السوق الهائلة، وكيف تمضون قدماً دون الاعتراف بالتعب. حينها ستحظون بأعظم النعم، لتعيشوا وتفكروا بشكل أكثر وضوحاً من القطيع ولتتألقوا في مسابقات الكلمات.
تريشيه (بحدة، إلى دراغي): إذن، القاعدة الأولى لعمليات البنوك المركزية واضحة تماما.
دراغي: أن يشتري البنك سندات يونانية ويسمي ذلك إزالة العقبات أمام آلية الانتقال باتجاه سياسة نقدية موجهة نحو تحقيق استقرار الأسعار.
تريشيه (يحدق في دراغي): حسناً إذن، القاعدة الثانية. إنها يا عزيزي ماريو أنه لا ينبغي أن يتحدث المرء بالسوء عن زملائه، خاصة في البنك المركزي الأوروبي. لقد فعلنا هنا في فرانكفورت أكثر مما فعلت أي مؤسسة في أوروبا، أو في العالم بأسره، للحفاظ على اليورو. كل واحد منا يستحق التقدير والشكر.
دراغي: أتفق تماماً وكلياً وبشكل مطلق مع هذا الشعور.

(فترة صمت قصيرة)
تريشيه: مع ذلك، لدي شكوك بشأن أكسل العجوز.
دراغي: وأنا كذلك. ما الذي يدور في عقله بحق السماء؟
تريشيه: لا أمانع أن يعارض برنامج شراء السندات. فهذا الموقف غير مستغرب من شخص كان رئيساً للبنك المركزي الألماني.
دراغي: هذا أمر طبيعي.
تريشيه: لكن لا يجب أن يعبر عن معارضته علناً.
دراغي: إنه أمر غير طبيعي.
تريشيه: إن له تأثيرا سيئا على الرأي العام الألماني. وهو يجعل مهمتنا أكثر صعوبة بكثير.
يدخل خادم، وبيده صينية.
الخادم: رسالة من أكسل فيبر يا سيدي.
تريشيه (يفتح الرسالة ويقرأ): حسناً، لقد حل فيبر مشكلتنا. إنه يريد الاستقالة.
دراغي: جاءت في وقتها.
تريشيه: سيقوم بإلقاء محاضرات في أمريكا قبل أن تتمكن من القول ''كوابح الدَّين'' Schuldenbremse. (يأخذ في التفكير). بطبيعة الحال، استقالته تفسح الطريق لشخص آخر ليأخذ مكاني هنا.
دراغي (ببراءة): وهل مكانك كبير؟
رئيس الجوقة (مخاطباً دراغي): أخبرنا بجرأة ماذا تريد منا. وعندها لن تستطيع أن تخفق في تحقيق النجاح. وحين ننتهي من تعليمك، فإن مجدك بين البشر الفانين سيحلق عالياً حتى أعالي السماء.
دراغي: حسناً، هناك في روما مسألة ذات طبيعة حساسة.

المشهد الثالث
روما. يستضيف سيلفيو بيرلسكوني آخر حفلة صاخبة في عهده كرئيس للوزراء. بيرلسكوني جالس ويحيط به جمع غفير من الشخصيات التلفزيونية وفتيات الاستعراض. يدخل خادم.
الخادم: أزياء الممرضات جاهزة يا سيدي.
بيرلسكوني: شكراً. يا فلادا، أنت تعرفين التعامل مع الأرقام. ولدي سؤال لك.
فلادا سارقة القلوب: ما هو سؤالك يا بابا؟
بيرلسكوني: لماذا يحتل الرقم 8 أهمية كبيرة إلى هذا الحد في حياتي؟
فلادا سارقة القلوب: حسناً.
بيرلسكوني: شاطرة. لكن ليس هذا ما يدور في ذهني هذه الليلة. والسبب هو أن هناك ثمانية خونة في حزبي من الذين تخلوا عني في البرلمان. إن أعدائي هم مثل بق الفراش، يزحفون عليَّ من كل حدب وصوب. وهم يقرصوني، ويقرضون جوانبي، ويمصون دمي. ويجب الآن أن أقوم بأكبر تضحية لصالح بلادي. يجب أن أقوم بما يمليه عليَّ قدري باعتباري المخلص في السياسة. وسيُسدل الستار الآن على أعظم عهد وأعظم رئيس وزراء عرَفَته إيطاليا.
فلادا سارقة القلوب: لا تيأس يا بابا ولا تستسلم. ما يجب عليك عمله هو العثور على أمر يتسم بسعة الحيلة للخروج من هذا المأزق.
بيرلسكوني: للخروج من هذا المأزق؟ يا ليتني أستطيع العثور على طريق.
فلادا سارقة القلوب: هل هناك شيء تخفيه؟
بيرلسكوني: لا. لا شيء على الإطلاق.
فلادا سارقة القلوب: لا شيء على الإطلاق؟
بيرلسكوني: لا شيء سوى... إن الشعب الإيطالي يعلم ما فعلْتُه من أجل بلادي. فالمطاعم وصالونات التجميل والطائرات النفاثة الخاصة مليئة جميعها. لم ينْتَه أمري بعد. خذي عني ما أقول. إذا ظن أعدائي أن باستطاعتهم القضاء على حياتي المهنية بأكملها، فسيخيب أملهم خيبة كبرى. أنا أكثر شخص تعرض للاضطهاد في تاريخ العالم، لكنهم لن يتمكنوا من اصطيادي.
تدخل جوقة الغيوم.
رئيس الجوقة: يا أيها العجوز، نود أن نكون لك ناصحين. إذا كان لديك خليفة، فأرسله إلينا ليتعلم ويأخذ مكانك.
بيرلسكوني: إن اسمه ماريو مونتي.
رئيس الجوقة: هل تستطيع أن تجعله يطيعك؟
بيرلسكوني: إذا رفض فسأُخرِجه من الوزارة. لدي عدد كاف من الأتباع في مجلس الشيوخ.
فلادا سارقة القلوب: هل هم ثمانية؟
بيرلسكوني (بصوت يدل على الإجهاد والتعب): ليس الليلة يا فلادا.

المشهد الرابع
بروكسل. أنجيلا ميركل ونيكولا ساركوزي وديفيد كاميرون في آخر وجبة العشاء أثناء مؤتمر للقمة.
ميركل: يا لها من قطعة جبن لذيذة.
ساركوزي (محدثاً نفسه): هذه هي القطعة الثانية التي تضعها في صحنها.
ميركل: أتمنى لو تتناول واحدة منها يا ديفيد، فهي ستريح أعصابك.
كاميرون: أنا مصمم على رأيي. لن أدعو لاستفتاء عام. ولن أوافق على معاهدة جديدة. ولن أساند ضريبة التعاملات المالية، ولن أستمع للمواعظ من لعبتك البلهاء التي تتحدث من بطنها.
ميركل (تُخرِج لعبة من حقيبتها): أظن أن هيرمان لعبة لطيفة. (مخاطبة اللعبة). أنشدنا إحدى قصائدك الغنائية. (هيرمان فان رومبوي رئيس وزراء بلجيكا سابقاً والرئيس الحالي للمجلس الأوروبي).
هيرمان فان رومبوي (يتحدث من خلال ميركل):
تم الاتفاق على معاهدة المالية العامة.
لكن بروكسل لا تزال دون حكومة.
ميركل (تضع اللعبة في حقيبتها): كنا نتمرن على هذا النشيد طيلة الأسبوع.
ساركوزي (بلهجة مليئة بالتزلف والتملق): إنه متفهم تماماً يا أنجيلا.
ميركل (بسرور): حتى حينما كان في أوائل طفولته، كان يتسلى في البيت بصنع الخيول، ويحفر القوارب وينشئ عربات صغيرة من الجلد. وكان لديه فهم مذهل لكيفية صنع الضفادع من قشر الرمان.
كاميرون: ما زلت مصمماً على رأيي. لن أدعو لاستفتاء عام. ولن أنضم إلى منطقة اليورو. ولن أعطي المال إلى صندوق الإنقاذ الأوروبي. (يتنهد). كان الأمر ممتعاً أكثر من هذا بكثير مع بوريس في نادي بيلينجتون. واصطياد الثعالب.... .
ميركل (مخاطبة ساركوزي): أنا وأنت بحاجة إلى أن نناقش المواضيع بصورة جدية. والآن اصدقني القول يا ساركوزي. هل تم الإيقاع بدومنيك ستراوس كان؟
ساركوزي (بلجهة عذبة): لقد عبَّرْتِ عن الحقيقة بمنتهى الفصاحة. إن أوروبا لا وجود لها دون وجود اليورو يا أنجيلا. (محدثاً نفسه) اللعنة، لا بد أنها كانت تتحدث في الإشاعات مع كارلا (زوجة ساركوزي).
ميركل: حسناً. لقد ناقشنا جميع البنود. وأنا سعيدة لأننا توصلنا إلى اتفاق. سيكون لأوروبا اتحاد في المالية العامة خلال 250 سنة، وسأتناول قطعة أخرى من الجبن.
كا ميرون: ما زلت أقول لكم. لن أدعو إلى استفتاء عام. ولن...
ميركل (مخاطبة كاميرون): أما زلت َ هنا حتى الآن؟

المشهد الخامس
أثينا. ميركل وساركوزي ودراغي يلعبون الورق في مسكن الأفكار. وتطل عليهم من علٍ جوقة الغيوم.
ساركوزي (يتفكر قليلاً قبل أن يوزع الورق): على ماذا تريد أن تلعب يا ماريو؟
دراغي: أوه، العفو.
يضع دراغي ورقة من فئة العشرة يورو على الطاولة. ساركوزي يتفحص الورقة.
ساركوزي: إن الرقم المتسلسل للورقة يبدأ بالحرف Y.
ميركل: يا إلهي. هذا من اللغة اليونانية.
ساركوزي: ألقِ بها بعيداً.
دراغي: وأنَّا لي ذلك؟ إن اليونان لا تزال عضواً في منطقة اليورو كما تعلم.
ميركل: نعم. أنا متفقة معك.
رئيس الجوقة: يا له من أمر غريب حين يحب الناس ارتكاب الأخطاء. بالنسبة لأوروبا العجوز هذه، بعد أن وقعت في غرام أخطائها، فهي تريد أن تحتفظ بالأموال التي اقترضتها.
يستمر ساركوزي في توزيع الورق.
ميركل (إلى رئيس الجوقة): لماذا لم تحذرنا من قبل؟
رئيس الجوقة: نحن دائماً نفعل هذا بأولئك الذين نرى أنهم محبون للأخطاء. فنحن نجرهم إلى النحس ونكد الطالع، عسى أن يتعلموا الخوف من الآلهة.
دراغي (يطوي أوراقه): أنا خارج اللعبة.
ميركل (بنوع من الذعر): لا يمكن أن تفعل ذلك.
ساركوزي: الآن أنا وأنتِ فقط يا أنجيلا. فكيف ستكون الأمور؟ السندات المقومة باليورو أم نهاية اليورو؟
ميركل (إلى دراغي): أحياناً أرى أنه أسوأ من شيراك.
يدخل كاميرون وهو يركض بمنتهى السرعة.
كاميرون: يا أيها الأوروبيون. لا تغضبوا مني. ولا تدمروني. أرجو أن تغفروا لي ذنبي، فلقد مسني الجنون من خلال الهذر والثرثرة. فليحضر لي أحدهم مشعلاً.
ساركوزي وميركل: ما هذا الذي تفعل؟
كاميرون: ما هذا الذي أفعل؟ كيف يبدو لكم ما أفعل؟ (كاميرون يشعل النار في البيت).
ميركل: إنك ستقضي علينا.
ساركوزي: إنه لن يقضي علينا أبداً. سأجمع مليون يورو يا أنجيلا.
ميركل (وهي تطوي أوراقها ببطء): لقد ربحتَ هذه الجولة يا نيكولا. لكنني سأربح الحرب.
تشتعل النار وتلتهم بيت الأفكار.
رئيس الجوقة: لنخرج الآن من هذا المكان. فلقد لعبنا دور الجوقة بما فيه الكفاية لهذا اليوم.

الأكثر قراءة