سيدي القائد لك سمات.. «الدال» ليست إحداها

مهما اختلفت نظريات ومدارس الإدارة حول ''القيادة''، إلا أنها تتفق على ضرورة تحلي القائد الناجح بالموهبة ومجموعة من السمات، أبرزها: الرؤية، النزاهة، الإنصاف، الحزم، التواضع، الانفتاح، والابتكار، التفاني في العمل، تحمل المخاطر، التواصل الفاعل مع الآخرين، وامتلاك حس الدعابة.
وعلى مر العصور، فإن القادة الذين غيروا مجرى التاريخ بصورة ''إيجابية'' تمتعوا بمعظم تلك الخصال. ولم ُيعهد عن أحدهم أنه كان عاجزا على استشراف المستقبل أو مترددا في اتخاذ القرارات أو كان فاسدا أو متعجرفا أو حتى ''ثقيل دم''!
ولو تعمقنا أكثر سنلاحظ أن لا علاقة بين تعليم القائد (أو درجته العلمية) وامتلاكه موهبة القيادة، فالأمر ''فطروي''، تماما كالفن. الرسامون المشاهير نجحوا لأن لديهم موهبة الرسم رغم أنهم لم يدرسوا في معاهد الفنون الجميلة!
بل لم أجد في كل طروحات الإدارة العربية والإنجليزية ما يثبت ضرورة حصول القائد على درجة ''الدكتوراه''. أقول ذلك لأن هناك ''هوسا عجيبا'' في القطاع الحكومي بحاملي تلك الدرجة العلمية دون النظر إلى كفاءتهم الإدارية. وإذا كنا نفهم أن يترأس الحاصلون على درجة الدكتوراه المؤسسات العلمية والبحثية مع استيفاء شرط الكفاءة، فإننا لا نفهم أن يتولى ''دكتور'' إدارة جهاز حكومي دون أن تكون لديه موهبة القيادة. ولعل ذلك يتضح من خلال ما قاله زميلي الكاتب القدير عيسى الحليان (''عكاظ'' – العدد 16565) من أن: ''عقدة ''الدال'' تبقى واحدة من أبرز سمات تخلفنا الإداري، بعد أن تجاوزت معظم المجتمعات هذه الألقاب العلمية إلى كشف حقيقي لقائمة الإمكانات والمنجزات والمواهب التي عادة ما يتم الاحتكام إليها في عملية إسناد المناصب العامة''.
أتفق مع زميلي الكاتب، وأضيف أننا بهذا التعظيم لتلك الدرجة العلمية نتجه إلى ''دكترة'' المجتمع، كما تتجه بعض الدول إلى ''عسكرة'' مجتمعاتها. تحولت ''الدكتوراه'' من درجة علمية ُتحرز لأغراض التدريس الجامعي والأبحاث والترقيات العلمية إلى وجاهة اجتماعية للتباهي أمام الناس وتصدر مجالسهم. والغريب أن هذا ''الولع بالدال'' لم يكن جزءا من ثقافتنا الإدارية والاجتماعية إلا بعد التشكيل الوزاري الذي جرى عام 1995، عندما شهدنا 20 وزيرا من حملة الدكتوراه من أصل 28 وزيرا، فظن بعض الناس أن السبيل إلى ''كرسي الوزارة'' يمر عبر الدكتوراه والظهور الإعلامي المكثف!
أدى هذا إلى التهافت على ''الدكتوراه'' والحصول عليها لأهداف غير أكاديمية، بدليل أن صحيفة ''سبوكمان ريفيو'' الأمريكية نشرت قائمة (فضيحة) تشتمل على أكثر من عشرة آلاف اسم، من بينهم سعوديون، حصلوا على شهادات دكتوراه مزورة عن طريق مؤسسات تسمى diploma mill أو degree mill تبيع الشهادات، وما عليك إلا أن تذكر لهم الدرجة العلمية المطلوبة ورقم بطاقتك الائتمانية!
وإذا استثنينا الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - وهو القيادي المبدع، كم من ''دكتور'' أدار أو يدير جهازا حكوميا (خدماتيا) يحظى بموهبة القيادة وقدراتها؟ إن اشتراط حصول ''القيادي'' على درجة الدكتوراه، يجعلنا نهمل الجوانب الأهم، ويجعلنا نظلم الموهوبين والقادة المحتملين حين ''نشطب'' أسماءهم شطبا أبديا لأن ''الدال'' لا تسبقها.
بودي أن تتولى ''جهة عليا'' إنشاء قاعدة بيانات تشتمل على بيانات مرشحين يملكون موهبة القيادة، وقبل أن يتم تعيين أي ''قيادي حكومي'' ُينظر أولا إلى منجزاته الحالية أو السابقة (القائد الفاعل)، فإن لم تكن لديه منجزات، فينظر إلى فكره الإداري (القائد المفكر)، فإن لم يكن لديه فكر إداري، فيخضع لاختبارات ''تحديد النزعة القيادية'' (القائد المحتمل) وهي شبيهه باختبارات قياس القدرات، ويمكن لتلك الجهة تطوير اختبارات ''عربية'' على أسس علمية ومنهجية، كما هو الحال في الغرب.
لقد أكد الخبير الإداري الأمريكي كينث بلانشارد أن القيادة الناجحة تأتي من القدرة على التأثير في البشر (كاريزما القيادة وموهبتها) ولا تستمد من السلطة. وأزيد على قوله إن القيادة لا تستمد أيضا من الدرجة العلمية. ذلك أن الدرجة العلمية ترتبط بـ ''المعرفة'' التي يمكن اكتسابها، أما القيادة فترتبط بـ''الموهبة'' التي تأتي بالفطرة.
المصيبة أن ''بعض'' حملة الدكتوراه تسربوا من الجامعات إلى ''جهات غير أكاديمية'' هربا من التدريس والأبحاث وطلبا للمناصب الإدارية، رغم أن الدولة استثمرت فيهم ملايين الريالات في الابتعاث والتدريب ليكونوا ''علماء'' وليس ''إداريين''!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي