«أم فالح».. بائعة البيض البلدي تكافح «الغلاء» بالبساطة والسكون
المسنة أم فالح شأنها شأن كل السعوديات اللاتي يعشن في أجواء بيئية مشابهة، غير أن أمرا ما يشدك لقصصها التي لا تبرح مكانها في هذه السوق الشعبية عصرا قبل أن تسلم على كل "الزميلات"، وتردف السلام بالتأكيد على تجديد الموعد غدا "إن أعطانا الله عمرا جديدا".
زميلاتها في أماكن أخرى يبعن قطع الملابس البسيطة مثل الطواقي والبراقع غير أنها مع زميلاتها هنا أمام مسجد بلال على طريق قربان الممتد بين الحرم النبوي ومسجد قباء (تحديدا عند جسر الصافيّة) ينفردن ببيع البيض البلدي الطازج على وقع صياح الديكة وأصوات الدجاج المحبوس في أقفاص وعشش تفتح أحيانا لتعطي بعض البيض أو لتعطي إحداها لزبون جديد يفضل الدجاج بطعمه القديم بعيدا عما صار يعرف بدجاج الهرمونات.
تقضي أم فالح في هذا المكان حيث رصيف يشرف على سوق قديمة مهجورة وأرض براح نحو تسع ساعات من العمل المستمر في بيع البيض البلدي "الطازج"وتعبئته في أكياس بلاستيكية، إضافة إلى بعض الأعمال الخاصة بتربية الدواجن، إلى جانب حرفة تتقنها النساء المسنات في هذه الناحية هي نسج قماش الليف الخشن وتحويله إلى ليف استحمام يطلبه المارة باستمرار.
لا تتجاوب "أم فالح" مع محاولات استجوابها بشكل صحافي حيث "الكثير من الصحافيين والقليل من الأخبار الجيدة" كما تقول، إلا أنها تقرأ بخبرة السنين المنقوشة في تجاعيد ما يظهر من وجهها حقيقة التعاطف والتفهم لموقفها، فتنساق شارحة ظروفها المغلفة بالرضا والقناعة حيث الكبار وحدهم يعرفون قيمة النعمة. وتضيف السيدة المسنة "بالتأكيد لا أحد يود الجلوس مكاني حيث الشمس والغبار وخطر المارة، لكنها الحياة يا بني التي تجعل من المرة دواء شافيا وطعما مقبولا مستساغا".
توضح أم فالح أن زوجها المسن يتلقى راتبا شهريا من الضمان الاجتماعي لكنه يصرف أيضا على زوجة غيرها وأبناء غير أبنائها، فتضطر هي إلى التعويض عن النقص الحاصل في معاش الأبناء وطلباتهم في ظل ارتفاع متلاحق في تكلفة المعيشة. ترى هي "المواطنة البسيطة" هذا الأمر أكثر إضرارا باقتصاد أسرة اعتادت على بساطة الأسعار لتلاحقها الارتفاعات المتوالية في المواد الأساسية على مدى الأعوام القليلة الماضية.
تروي "أم فالح" بعض أهم المشاهدات التي شاهدتها طوال عقود في هذا الشارع المزدحم بالمارة لتعطي ملاحظتها المغرقة في البساطة: "الأمان قل يا ولدي، بالأمس كانت هناك سيدة معها حقيبة تحاول الشراء من تلك البسطة، اقترب منها "دباب" يقوده شاب اختطف الحقيبة وأكمل طريقه عكس السير وترك السيدة نهبا للصراخ والعويل والاستجداء".
وحول ما يمر بها شخصيا من مفارقات تقول السيدة المسنة إن شابا أوقف سيارته أمام بسطتها وطلب بيضا بقيمة بسيطة ومد لها ورقة من فئة 500 ريال وحاولت جاهدة جمع الباقي له لتفاجأ بعد أن غادر أن ورقة 500 ورقة خفيفة لا تشبه مثيلاتها من الأوراق النقدية، وتعرف لاحقا أنها "ورقة مزورة لم يجد صاحبها أسهل من هولاء العجائز لتمريرها عليهن" كما تعلق هي موضحة أن الأمر كان قد تكرر مع إحدى الزميلات.