هربَ .. هربت .. هربوا .. وما عادوا!

العنوان أعلاه هو موضوع الحديث والأحاديث والنقاشات الاجتماعية في ''الدايرة'' أو الديوانية أو عبر الجوال. هذا يقول إن خادمته هربت أمس، ولا يدري إلى أين ذهبت! وذاك يحكي عن السائق الذي وصل الأسبوع الماضي وهرب ولم يعد، وآخرون قد يتحدثون عن ''طاقمهم'' الذي هرب ولم يعد.
هروب العمالة المنزلية يبدو أنه أمر مخطط له، هناك عصابات منهم تقوم بإغرائهم بمرتبات ومغريات أفضل أو الضحك عليهم واستغلالهم. السوبر ماركت والمولات عادة ما تكون مكان اللقاء، الجوالات وسيلتهم للإغراء والإغواء. يقال إن جدة والمنطقة الغربية عموما الأكثر توسعاً في هذه المستنقع. يقول أحدهم ليس عليك إلا الذهاب إلى هذا الشارع أو ذاك للحصول على ما تريد. وبدأنا في المناطق الأخرى نبحث عن هذه الطريقة، توظيف خدم من دون إقامة نظامية للعمل في بيوتنا، امرأة كانت أو رجلا بمرتبات تراوح بين 1500 و2500 أضعاف ما كانت عليه سابقاً.
كان الاستقدام فيما مضى (الزمن البريء) في العقد الماضي أو ما قبله، منظما مهذبا، ما عليك إلا أن تُخرج الفيزا وتدفع التذاكر ويأتيك المستخدم راغبا طموحا وتجري الحياة على ما يرام، لا هم ولا غم (ولا كب فلوس)، لكن الأمور تغيرت أخيرا وصارت نتائج التفاوض بين الحكومات سلبياً. طلبات مصادر العمالة معّجِزة وخيالية، تتضارب وتتعارض مع طبيعة المجتمع السعودي، أو ما يسمى خصوصياته: ومنها ترك الخادمة تخرج وحدها في إجازة أسبوعية، أو ترك الجواز معهم، أو إرسال تفاصيل المنزل إليهم في الفلبين، يبدو أن التفاوض توقف مع هذه الدول، وما زال الاستقدام مستمراً لمن لديه فيزا؛ لكن عن طريق المافيا هناك وأعوانهم هنا، بمبالغ خيالية بدأت بسبعة آلاف ريال والآن تصل إلى 30 ألف ريال. أضف إلى ذلك أنه لا ضمان لها، بعد أسبوع تغادر... عفواً تهرب ولا تعود، لتقوم بدفع مبلغ مشابه لقصة مشابهة، يبدو أن المافيا في تلك البلاد وراء عدم الاتفاق بين حكوماتهم وحكوماتنا، كي يعيثوا فساداً في أرض الله، وساعد على ذلك أن هناك طلبا كبيرا على هذا النوع من الخدمات في دول كسنغافورة واليابان وروسيا.
السعودي تبتزه كل الأطراف، سمسارنا الكسول وسمسارهم الطماع. السماسرة في كولمبو (مثلا يقال) إنهم يتقاضون سمسرة للسعوديين 300 دولار، أعلى من جميع الدول الأخرى الخليجية والعربية، الإمارات مثلا 45 دولارا فقط، لماذا؟! هل لأن هذه الدول لها قدرة على تطويع الأمور لمصالحهم؟ يقال إن التكاليف الفعلية لاستقدام عاملة منزل لا تتجاوز 3700 ريال فيما المكاتب في الداخل والخارج تستنزف المواطن بمبالغ تتعدى ذلك بكثير، لتصل إلى نحو 30 ألف ريال من الفلبين، بل نسمع بقصص متكررة عن البعض يدفع هذه المبالغ وبعد أشهر معدودة تهرب الخادمة مع سمسارها ذاته إلى عائلة أخرى، إلى 30 ألفا أخرى، وإلى نكد آخر.
الغريب أن الوزارة المختصة في المملكة لم تعمل شيئا، تركت العائلة السعودية ضحية لهم، لا توجيه لا تنظيم لا مساعدة لا تدخل ولا تفهم. وعلى كل هذا ما تعودناه من هذه الوزارة في برامج أخرى سابقة.
المجتمع السعودي - مع الأسف الشديد - يعاني، صار كالغراب فقد مشيته ولم يستطع أن يمشي كالحمامة. العائلة السعودية فقدت استقلاليتها، وصارت مجموعة أكلة وكسلى، فلا النساء يقمن بواجباتهن المنزلية، ولا بناتهن كذلك، تعودوا على الأكلات السريعة وطلبها بالهاتف، وصار السائق المستقدم محرماً! والخادمة أماً! والله يعين..! حتى بيوتنا صممت حجما ومساحة للخدمات المستقدمة، بمعنى أننا نحتاج إلى خدم وإذا لم يتوافروا فكل هذه القصور والفلل ستخلو لتكون كالقلاع القديمة في بريطانيا.. لأنها صارت بيوتاً أكبر من أن يديرها ساكنوها.
أليس هناك حلول؟ لماذا لا تعقد وزارة العمل ورش عمل لدراسة هذا الوضع؟! البحث عن بدائل.. حلول.. كيف لا نعرف إلى أين يهرب هؤلاء الخدم؟ كيف لا نعرف عند من يعملون بعد هروبهم؟ من هم أولئك السماسرة الذين هم من جلدتهم يقومون بهذا العمل؟ كيف يُخرجون إقامات وجوازات بديلة؟ من هم الذين يساعدونهم على هذا الضرر؟ لو عرفنا هذه المراحل لاستطعنا ربطها ومعرفة القصة كاملة ومعاقبة السمسار المُستَقدم ماليا ثم تسفيره، ومن تعمل عنده سعودياً كان أو مقيماً بشكل غير نظامي عقابا ماليا مجزيا، وبالطبع السمسار سيخبرك عن سماسرة آخرين والخادمة ستخبرك عن قصص أخرى وبعدها يمكن القبض على (الحوسة كلها). كيف أن دولة قوية متماسكة كالمملكة لا توقف هذا الغثيان من الاستمرار؟
سأطرح حلولاً قد تكون عجيبة لكن أحسن من السكوت. لماذا لا يسمح للدولة التي نستقدم منها فتح مكتب لها في المملكة وتحمل كامل المسؤولية، بشروط يتفق عليها بين الدولتين، أي نستغني عن المكاتب السعودية التي هي إضافة لا فائدة منها، وعقبة وتكلفة إضافية، عدم وجودها مكسب. هذا سيحدث تنافساً بين الدول، لأن الخدم مصدر كبير جدا للدخل القومي لهذه الدول، بترول هذه الدول هي العمالة. حل آخر: لماذا لا نشجع هيئات الإغاثة والمساعدات في الدول التي تعاني الجدب والفقر وعدم الاستقرار على عمل برامج تثقيفية وتدريبية لسيداتهم ورجالهم عن الخدمات المنزلية والحدائقية والقيادة، ثم تقوم هذه الهيئات بتولي تسويقهم في الخليج وعمل الضمانات اللازمة لحماية المُستقدم والمستَقدم؟ هذه حلول مقترحة لمن تعود على الاستقدام، لكن لماذا لا نُوجد مؤسسة لتأهيل السيدات المحتاجات في مدن المملكة وتعليمهن متطلبات الخدمات المنزلية ليعملن بالساعة في بيوت جماعتهن المواطنين الآخرين؟ ويمكن للدولة أن تدفع إعانة كذلك مقابل هذا العمل، مشكلتنا ليست في قلة الحلول، لكن قلة الهمة والعمل تجاه حل المشكلات، نحن نترك المشكلات تتفاقم، ثم تكبر لتصير أزمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي