حقوق لإنسان بأقل قدر من الروتين والقضاء

نشرت ''الاقتصادية'' في عددها 3-3-12 أن الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان تلاحق مكاتب عقارية تحيزت ضد تأجير السعوديين وتفضل التأجير للأجانب. ما ذكرته الجمعية في هذا الأمر بغيض ومؤلم ومزعج.. إنما هو واقع الحال، إنها ظاهرة عامة تزاولها المكاتب العقارية دون إعلام أو إعلان. لنكن واقعيين.. لا يمكن لوم هذه المكاتب، كما قال أحدهم صدقوني.. لو كان لديك عمارة كبيرة كانت أو صغيرة فأولى توصياتك للعقاري بتأجيرها قائلاً؛ (شف لك واحد غير سعودي، فكني الله يعافيك). نعم السعودي في بلده مقارنة بالأجنبي غير مرغوب فيه.. ليست الجمعية ولا أنتم ولا نحن في حاجة إلى زيارات ميدانية لتأكيد هذه الظاهرة، إنها موجودة وحية وتمارس علناً.
لماذا هذه الظاهرة؟ إنها قديمة.. لم تأت من فراغ، وليست عرقية، ولا لفوارق اجتماعية، إنها نتيجة لسوء تصرفات بعض السعوديين المستأجرين، قد تكون نسبتهم قليلة لكنها محسوسة ومؤثرة. المؤجر لا يستطيع التنبؤ بتصرفاتهم السيئة إلا بعد التورط في التأجير. من صفاتهم السيئة؛ التأخر في دفع الإيجارات، ترك الشقة في وضع سيئ من القذارة، التخريب قبيل المغادرة، واستعمال الوساطات المؤثرة للتخفيض وما شابه ذلك. هذه منغصات يمكن للمؤجر التغلب عليها وتحملها، إنما الأخطر من ذلك هو عدم دفعهم الإيجار لأشهر، حتى أطول من ذلك، مستغلاً الروتين، تبادل الشكاوى، ما يضطر المالك إلى أن يعتبر خروج المستاجر بدون تحصيل الإيجار مكسبا.. إنه الابتزاز بعينه وعلمه.
هناك شريحة نعتبرها ظاهرة صوتية بدأت تنمو في المجتمع اسمها (الدعوجية)، هؤلاء قد يكونون مستأجرين أو يمتهنون الدفاع عن هؤلاء الطبقة من المستأجرين، ويعتمدون على سرعة البديهة والالتفاف حول النظام، ويستغلون عدم وضوح القانون عقاباً كان أو إجراءً. قانون الإيجار إن كان هناك قانون فهو (رمادي) لا أبيض ولا أسود، وهذا ما يجعل الدعوجية يزدهرون، كما ازدهروا في قضايا العمل والعمال.
التأجير كغيره من بعض الأنشطة الاقتصادية الأخرى، ليس له تقنين واضح، للإجراءات أو العقوبات. صاحب المنزل قد يذهب إلى الحقوق بدون نتيجة، أو يتسكع في الإمارة من إدارة إلى أخرى، أو يذهب إلى القضاء ليدخل في دائرة مفرغة، وجميعهم لا يعتبرون عقد الإيجار، وينسون أو يتناسون أو يهملون أن هناك عقداً للإيجار موقعا. وغالبية المؤجرين خصوصا الضعفاء الذين يخجلون، يفضلون خروج هؤلاء الدعوجية والتنازل عن الإيجار يعتبرونه مكسبا. ويسأل ولماذا عقد الإيجار؟ ألا يكفي؟
أليس هذا غبناً. لهذا نجد أن كثيرا من المؤجرين قديمة كانت عماراتهم أم جديدة، صغيرة كانت أو كبيرة، يتجهون إلى تحويلها إلى شقق مفروشة، لا لتحقيق الربح إنما الابتعاد عن الإيجار للسعودي، بل بدأوا يفكرون في بيع الشقق، وهذا أجدى لهم.
هل هذه المشكلة الاجتماعية كبيرة؟ هل هي واسعة الانتشار؟ ما حجمها؟ لا ندري عنه، والحقوق المدنية لا تعلن حجم الشكاوى، لكن عندما يرى أو يعلم المواطن العادي بوجود حالة أو أكثر في شارعه .. فماذا عن بقية الحي، بل بقية المدينة؟ نترك لكم التخمين.
بقدر ما نتحدث عن حقوق المستأجر، يجب أن نفكر في أن صاحب العقار له حقوق كذلك، وكلاهما مواطنان، كما أن أصحاب العقار الذين يعانون معظهم من الصغار الذين لا قوة لهم ولا حول.
أتمنى من الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان أن تحمي كذلك حقوق الإنسان المؤجر وأن تجتمع مع الحقوق المدنية للتوصل إلى حل يحمي كل طرف من الآخر، بأقل قدر من الروتين أو التحويل إلى القضاء بدون سبب وجيه أو اضطرار المؤجر إلى الذهاب إلى الإمارة، يجب احترام العقد، فهو شريعة المتعاقدين وعلى الجهات الحكومية تنفيذ العقد بأسرع ما يمكن وأي اختلاف خارجه يحال إلى القضاء. الدولة دائما مستعدة لتحسين الأوضاع وسوف تجد الجمعية الوطنية الدعم والتفاهم من الدولة - أدامها الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي