جدد «طاقاتك» بدلا من أن تشكو العمل والحياة!
ما جلست مع أحد إلا بدأ يشكو لي من مشكلات عمله أو بيته، موظفا حكوميا كان أو موظفا خاصا، يتذمرون من الدوائر المحيطة بهم (الأهل، الأصدقاء، المديرون، والزملاء)، أو يشتكون من قلة الوقت أو صعوبة الحياة.
دون دراية مني أو قصد تحولت إلى ''طبيب نفسي'' يلجأون إليه ليفضفض كل واحد عن مكنونات صدره من هموم العمل أو الحياة التي تظل مملوءة بالتحديات - وهذا هو سرها - لكنها لا تخلو في الوقت ذاته من نعم، ننسى الله أن نحمده ونشكره عليها. فشراسة المنافسة وضغوط الحياة إجمالا تعبئان الناس بالمشاعر ''السلبية'' التي تنسيهم ما يملكون من نعم وخيرات وتجعلهم ينشغلون بالتفكير فيما يملكه غيرهم!
إن شريحة كبيرة من الناس لا تستطيع أن توازن بين العمل والحياة، وعندما نقول الحياة فإننا نقصد ''الحياة الشخصية'' للفرد بما تشتمله من جوانب عديدة (كالعبادة والبيت والأسرة والصحة والترفيه والهوايات). فإذا كنا في البيت، انشغلنا بشؤون العمل، وإن عدنا إلى مكاتبنا بدأت الهواجس تجنح نحو البيت. حتى نمط الحياة life style صار سريعا.. نأكل بسرعة.. نتكلم بسرعة.. نقرأ بسرعة.. نتزاور بسرعة.. دوما نحن في عجلة من أمرنا، نشكو ''قلة الوقت'' ومع ذلك نقضي ساعات طويلة في العمل سواء داخل المكتب أو البيت، ونصر على أن المهام لا تنتهي، وأن العقل والجسد وصلا إلى مرحلة من ''الاستنزاف'' لدرجة لم نقوَ على التركيز والاستمتاع بملذات الحياة.
الكثير منا يجد صعوبة في الموازنة بين العمل والمنزل، لا يستطيع أن يمارس دوره كأب أو زوج في المنزل، ولا يستطيع كذلك أن يواصل عمله كموظف في المؤسسة. وقد يكون هنا بعض الحلول. ففي عام 2007 نشرت دورية ''هارفارد بزنس ريفيو'' مقالة بعنوان ''سيطر على طاقتك لا وقتك'' Manage Your Energy,Not Your Time، فهذه المقالة التي غيرت نظرتي لمفهوم الموازنة بين العمل والحياة.
فالمؤسسات والشركات صارت تفرض ضغوطا أكثر على موظفيها، ما أدى إلى انغماسهم في العمل - طوعا أو كراهية - لساعات أطول. لكن العمل لفترات مطولة غير مجدٍ لسبب واحد أن الوقت يعد موردا محدودا، ورغم ذلك لا يمكننا السيطرة عليه، فاليوم سيظل 24 ساعة، ولا يمكننا زيادته ثانية واحدة.
أما البشر بما وهبهم الله من طاقات أربع (جسدية، وعاطفية، وذهنية، وروحية) قادرون على التحكم فيها لمضاعفة الإنتاجية وتحسين جودة أعمالهم، وبالتالي تحقيق أهداف مؤسساتهم. لذا يرى كاتبا المقالة (طوني شوارتز وكاثرين ماك - كارثي) أن إدارة الوقت كذبة لا أساس لها من الصحة، وأن المفترض أن يركز المرء على شحن طاقاته الأربع على النحو التالي:
الطاقة الجسدية: تشحن عن طريق:
(1) الذهاب إلى الفراش باكرا والنوم لمدة تراوح بين سبع وثماني ساعات.
(2) تجنب تناول الكحول (وكذلك الدخان).
(3) ممارسة التمرينات الرياضية المنشطة للقلب.
(4) تناول الوجبات الصحية الخفيفة كل ثلاث ساعات.
(5) الحرص على أخذ قسط من الراحة بعيدا عن أجواء المكتب كل 90 - 120 دقيقة.
الطاقة العاطفية: تشحن عن طريق:
(1) التخلص من المشاعر السلبية (التشنج والنزاقة والقلق) عبر التنفس العميق والتنهيدات.
(2) التزود وتزويد الآخرين بالمشاعر الإيجابية من خلال التعبير عن تقديرك لأعمالهم وإنجازاتهم سواء بالتحدث أو برسالة إلكترونية أو مكالمة هاتفية.
(3) النظر إلى المواقف ''المزعجة'' من زوايا جديدة مثلا:
(أ) ارتدِ نظارة بعدسات ''عكسية'' لترى وجهة نظر الطرف الآخر (المخالف) فيك، محاولا تحديد جوانب الصواب لديه.
(ب) ارتدِ نظارة بعدسات ''طويلة'' تساعدك على معرفة نتائج هذا الموقف بعد ستة أشهر من الآن.
(ج) ارتدِ نظارة ''عريضة'' تعينك على تعلم الدروس من هذا الموقف.
الطاقة الذهنية: تشحن عن طريق:
(1) الحد من الانقطاعات (الأشياء التي تقطع تركيزك أثناء العمل كالاتصالات والزيارات بدون موعد) بإنجاز مهام تتطلب تركيزا عاليا بعيدا عن أي إزعاج للهاتف والبريد الإلكتروني والزوار.
(2) تخصيص وقت للرد على رسائلك الإلكترونية والهاتفية، فلا تشتت ذهنك وتضيع وقتك في الرد على رسائلك الإلكترونية والصوتية (الهاتفية) طوال الدوام، وإلا سينتهي يومك في مراسلات بدون عمل حقيقي.
(3) قبل النوم، يفضل تحديد أبرز التحديات التي تواجهك في العمل واجعلها على قائمة أولوياتك عندما تصل إلى المكتب في الغد.
الطاقة الروحية: تشحن عن طريق:
(1) تحديد المجالات الممتعة لك في العمل وممارستها.
(2) تخصيص وقت لممارسة الهوايات التي تفضلها في أوقات الفراغ. ولعلي أضيف في هذا الجانب - ما يخصنا كمسلمين - المواظبة على الصلاة وقراءة القرآن الكريم وصلة الرحم وزيارة المريض، لما تمنحنا من طمأنينة وانشراح في الصدر.
كما يوصي كاتبا المقال المؤسسات والشركات بأن تساعد موظفيها على شحن وتجديد طاقاتهم من خلال:
• إنشاء ''غرف لتجديد الطاقة'' يمكن للموظفين الجلوس فيها والاسترخاء لشحن طاقاتهم.
• تشجيع المديرين على تجميع موظفيهم وممارسة بعض الأعمال خارج أجواء المكتب (في الهواء الطلق).
• دعم اشتراكات العضوية في الأندية الرياضية (بحيث تقدم لهم بأسعار مخفضة).
• حث الموظفين على عدم التحقق من رسائلهم الإلكترونية والانشغال بالرد أثناء حضورهم للاجتماعات.
لقد جعلتنا التقنية بكل وسائلها (الهواتف الذكية والحواسيب المحمولة واللوحية والإنترنت) غير قادرين على وضع حد فاصل بين العمل والبيت، لذلك يبدو أنه كلما زاد ذكاء الأجهزة زاد شقاء البشر!