نظرية التخفيف في البنوك المركزية

بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات على الأزمة المالية التي اندلعت عام 2008، من تعمل أكثر من أجل تحقيق الانتعاش الاقتصادي، أوروبا أم الولايات المتحدة؟ لقد أكمل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جولتين مما يطلق عليه ''التخفيف النوعي''، بينما قام البنك المركزي الأوروبي بإطلاق النار مرتين من مدفعه الكبير، حيث تمثل ذلك فيما يطلق عليه ''عملية إعادة التمويل طويلة الأجل''، التي توفر أكثر من تريليون يورو (1، 3 تريليون دولار أمريكي) على شكل تمويل منخفض التكلفة للبنوك في منطقة اليورو لمدة ثلاث سنوات.
لقد قيل لبعض الوقت إن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد عمل أشياء أكثر من أجل تحفيز الاقتصاد، نظرا لأنه استخدم عام 2007 كمؤشر، وقام على هذا الأساس بتوسيع ميزانيته العامة بشكل يتناسب مع ذلك، وبشكل أكبر مما عمله البنك المركزي الأوروبي، لكن البنك المركزي الأوروبي الآن قد لحق بنظيره الأمريكي، فميزانيته العامة تصل نحو 2، 8 تريليون يورو أو ما يقارب 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو، مقارنة مع الميزانية العامة للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي التي تصل نحو 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي.
إن النظرية وراء التخفيف النوعي هي أن البنك المركزي بإمكانه تخفيض معدلات الفائدة طويلة المدى لو اشترى كميات كبيرة من السندات الحكومية ذات المدى الأطول مع الودائع التي يتلقاها من البنوك، وعلى النقيض من ذلك، فإن الحافز للتخفيف الائتماني للبنك المركزي الأوروبي هو قلق عملي يتمثل في أن البنوك في بعض أجزاء منطقة اليورو خاصة من دول متعثرة على أطرافها قد أصبحت عمليا مقطوعة عن سوق المصارف.
إن طريقة سهلة لتقييم الفرق بين أساليب أكبر بنكين مركزيين في العالم هو تقييم المخاطر التي يجازفون بها.
عندما يقوم الاحتياطي الأمريكي بشراء سندات حكومية أمريكية، فإنه لا يتكبد أية مخاطرة ائتمانية، ولكنه يجازف بمخاطرة تتعلق بسعر الفائدة. إن الاحتياطي الفيدرالي يتصرف مثل أي بنك تقليدي فيما يتعلق بـ''تحويل تاريخ الاستحقاق''، فهو يستخدم ودائع قصيرة الأجل من أجل تمويل اكتساب أوراق مالية طويلة الأجل. نظرا لأن أسعار الفائدة على الودائع قصيرة الأجل قريبة من الصفر، وأسعار الفائدة طويلة الأجل نحو 2 في المائة، وهذا يعني أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يكسب ما يعادل 2 في المائة كل عام على مشترياته من السندات التي تقدر بمبلغ 1، 5 تريليون دولار أمريكي تقريبا طيلة فترة التخفيف النوعي التي أعلنها أو نحو 30 مليار دولار أمريكي.
إن الزيادة الكبيرة في الميزانية العامة للبنك المركزي الأوروبي قد أثارت مخاوف بأن عملية إعادة التمويل طويلة المدى قد تؤدي إلى حصول تضخم، ولكن هذا ليس صحيحا، فالبنك المركزي الأوروبي لم يقم بتوسيع صافي الإقراض الذي يقدمه، نظرا لأن الودائع التي يتلقاها من البنوك (نحو تريليون يورو) كبيرة بحجم المبالغ نفسها التي يقرضها تقريبا (1، 15 تريليون يورو).
من الواضح أن البنوك التي تضع أموالها في البنك المركزي الأوروبي (التي تحصل فقط على فائدة مقدارها 0.25 في المائة) هي ليست البنوك نفسها التي تأخذ قروضا بمقدار1 في المائة. إن الودائع تأتي بشكل عام من البنوك الأوروبية الشمالية (الألمانية والهولندية)، وقروض عملية إعادة التمويل طويلة الأجل تذهب بشكل عام إلى بنوك في جنوب أوروبا (معظمها في إيطاليا وإسبانيا). أي بعبارة أخرى، فإن البنك المركزي الأوروبي قد أصبح النظير المركزي لنظام مصرفي أصبح في واقع الأمر مجزأ على أساس الحدود الوطنية.
إن المشكلة الحقيقية للبنك المركزي الأوروبي هي أنه غير مؤمن بشكل صحيح ضد المخاطرة الائتمانية التي يجازف بها. إن نسبة 0.75 في المائة بين أسعار الودائع والإقراض (التي تحقق 7، 5 مليار يورو في السنة) لا توفر حماية كافية ضد الخسائر التي تبدو في الأفق في اليونان، علما أن البنك المركزي لديه 130 مليار يورو على كفة الميزان هناك.

خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2012.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي