في الإنترنت لا عزاء للنساء!

أتاح الإنترنت حق الاتصال والتعبير للنساء في المجتمعات العربية، وباعتبار الإنترنت أداة للتمكين، فقد مكنتهن الإنترنت من نيل الفرص العادلة للاتصال والوصول إلى الناس والمعلومة، لكن: هل يكفي توفير الوسيلة للقول بتمكين المرأة واستفادتها من الاتصال؟
بالنظر إلى مجتمع المستخدمين من الشباب والشابات نجد أن هناك تفاوتاً كبيراً فيما بين الجنسين في نواح عديدة، ومن ذلك عدد المستخدمين، فبحسب تقرير دبي للإعلام الاجتماعي الثالث ووفقاً لاستبيان تضمنه التقرير، اتضح وجود فجوة ملحوظة في عدد المستخدمين فيما يتعلق بالنوع الاجتماعي (الجنس)، حيث تصل نسبة مستخدمي موقع ''فيس بوك'' مثلاً في المنطقة العربية من النساء إلى الثلث، وذلك في تباين واضح مع مستخدمي الموقع من النساء حول العالم اللواتي يشكلن ما يقرب من نصف مستخدميه، والأمر أيضاً لا يقتصر على عدد المستخدمات، بل له علاقة مباشرة بأسبقية الدخول للإنترنت، المؤثرة بلا شك في نمط الاستخدام، فبحسب دراسة قمت بها على عينة من الطلاب والطالبات الجامعيين في مدينة الرياض، كان الطلاب هم الأسبق لاستخدام الإنترنت في متوسط سنوات الاستخدام، وربما كان السبب في ذلك تمكن الشباب من الاتصال بالإنترنت سواء من المنزل أو من مقاهي الإنترنت التي انتشرت في فترة سابقة، بخلاف الطالبات اللاتي لا يتمكن من الاتصال إلا بجهاز منزلي على الأغلب، وقد يواجهن رفضاً أسرياً ومجتمعياً يحظر عليهن استخدام الإنترنت. هذه المفارقة فيما بين الجنسين تطرح سؤالاً ملحاً حول مدى تأثير تأخر استخدام المرأة للإنترنت والشبكات الاجتماعية على نمط استخدامها الحالي، وكيف أثر تأخر فرصتها للاتصال في نضج استخدامها للشبكات الاجتماعية، ومدى استفادتها منها؛ إذ اتضح من الدراسة السابقة أن النساء كن أقل طموحاً لتغيير واقع الشبكات الاجتماعية، فهن أكثر رضا عن مستوياتهن الحالية بخلاف الشباب الراغبين في زيادة مستوى الحرية والمصداقية والفرص المتكافئة للجميع، ولم يظهر صوت المرأة المحتج إلا في عدم رضاها حيال قدرتها على التواصل مع النخب من الكتاب والمثقفين والمسؤولين ونقدهم بشكل مباشر، إذ أبدت الطالبات مستوى أقل من الرضا الذي أبداه الطلاب؛ مما يعني أن المرأة تعاني بشكل أكبر من عدم إمكانية الوصول والاتصال مع الجميع، ولا سيما النخب. كل المؤشرات السابقة تشير إلى أننا أمام مجتمع اتصالي آخذ في النمو والتشكل، وأن المرأة - السعودية - ما زالت تعيش فترة حداثة التجربة الاتصالية، التي تجعلها سعيدة بكل ما هو متاح دون الطموح إلى ما هو أعلى.
وبالنظر لقائمة أكثر المستخدمين تأثيراً في الخليج لشهر أبريل، التي تصدر عن موقع تويبار، نجد أن القائمة التي اتسعت لـ 100 اسم لم يكن للنساء منها إلا سبعة أسماء فقط، وهو ما يعني أن ''الفجوة'' ما بين الجنسين في التأثير والتغيير في المجتمع ما زالت متسعة.
وبمطالعة لمحتوى المواقع الإلكترونية يظهر لنا من خلال الدراسات المختصة، ومنها دراسة الدكتور عايش التي تناولت المرأة العربية والصحافة الإلكترونية، أن بعض النساء يعشن حالة من القطيعة مع المواضيع والاهتمامات الجادة التي تملأ الساحة ضجيجاً، فالمواقع الإلكترونية ومحتوى الصحف الإلكترونية وكثير من صحافة الإنترنت، تمارس قدراً قليلاً من الاهتمام بالمواضيع التي تخص المرأة وتنميتها، بل ربما انحصر محتوى المواقع المختصة بالمرأة في مواقع الزينة والجمال والطهي أو استخدامها كموضوع للإغراء والجنس، الأمر الذي يتنافى مع النظر للمرأة ككيان إنساني له اهتماماته وتطلعاته في التربية والإسهام بما فيه صلاح المجتمع متسقاً مع مفهوم التنمية الشامل.
هذه الأسباب مجتمعة وغيرها كلها أدت إلى تراجع دور المرأة (واقعياً وافتراضياً) وسط إعلام يعلب المرأة في قوالب الإغراء والتشويه أو مجتمع يدفعها للعيش في جهالة الاهتمامات الصغيرة. وبالنظر إلى الإنترنت كأداة للتمكين الهادف للتغيير الاجتماعي نجد أن جهداً كبيراً ينتظر المرأة المثقفة خصوصاً لحمل المرأة العربية على الاهتمام بالشأن العام وإدراك مسؤولياتها وحقوقها، والاستفادة من فرصة الإنترنت كمنفذ إعلامي متاح من شأنه رفع مستوى المرأة العربية وثقافتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي