ستبقى جامعة الملك سعود شامخة!
لا يكاد يمر أسبوع إلا وترى مقالا مكتوبا عن جامعة الملك سعود! تلك الجامعة التي تتشرف أنها المدرسة التي تتلمذ عليها كبار مسؤولي هذا البلد، كما تعد أيضاً الجامعة التي يدرس فيها جميع أطياف التوزيع الجغرافي للمجتمع السعودي.
لا يخفى على الجميع أن التقدم العلمي في جامعة الملك سعود لم يقف أبداً. لقد وفقت إدارتها خلال أكثر من 50 سنة من إنشائها، بمديرين عرف عنهم الإخلاص والأمانة وحب تلك الجامعة، حتى بعد أن تركوا مناصبهم. استطاعت الجامعة في أواسط الثمانينيات الميلادية، عندما انخفض سعر البترول إلى ثمانية دولارات، أن تبقى صامدة ومبدعة ولديها مخرجات أكاديمية متميزة علميا وبحثيا، رغم شح الميزانية، وكان أغلب إن لم يكن جل البحوث من داخل الجامعة.
كم هو مؤلم أن يأتي أحد كتاب الأعمدة في صحفنا ويصف الفترة من انتقال الجامعة سنة 1405هـ إلى قدوم الإدارة الحالية بالفترة الجامدة التي لم يتم فيها أي تغيير أو تطور! هذا والله بهتان وإجحاف بحق إدارات الجامعة السابقة، وخير شاهد على ذلك تشرف خادم الحرمين عندما كان ولياً للعهد بترسية أكبر توسعة شملت كليات العلوم الطبية التطبيقية والعمارة والحاسب وتوسعة مباني المستشفيات الجامعية، إضافة إلى وضع حجر أساس لمبنى الجامعة، قسم البنات. كم كنت أتمنى لو قامت إدارة الجامعة الحالية بالرد على كاتب المقال وتصحيح المعلومة، لأنه نوع من إرجاع الحقوق لأهلها!
كم هو مؤلم أيضاً أن يكتب كاتب آخر، وهو بعيد كل البعد عن الجامعة، في أن مخرجات جامعة الملك سعود البحثية والأكاديمية رديئة.. بزعمه، إذا ما قورنت بأي من الجامعات السعودية! هذا أيضا والله قمة في التعدي والجهل، فخريجو الكليات العلمية المهنية (الهندسة، الصيدلة، الطب وغيرها)، من أفضل الكفاءات، سواء في القطاع الخاص أو العام، وقد كنا الأسبوع الماضي في ندوة في كلية الطب حول أمراض الدم، وكان المتحدثون من دول أوروبية مختلفة، قد أثنوا كثيراً على مستوى التعليم الطبي لدى طلاب الجامعة، ومستوى أسئلة الحضور، كما قال أحدهم إن الطلاب السعوديين يعدون من أفضل الطلاب الأجانب في كندا، والوضع نفسه بالنسبة لخريجي كلية الهندسة والصيدلة.
أما بخصوص البحث العلمي في الجامعة، فكم هو محزن أن ينظر بعض الكتاب على أن إنجاز جامعة الملك سعود يُختزل في سيارة غزال، الذي أعتقد وغيري أنه لا يتجاوز بحث تخرج فقط، وكم كنت أتمنى من هؤلاء الكتاب أن يتبعوا فيما يكتبون مهنية بعيدة عن المديح والذم، فعلى سبيل المثال لا الحصر، لدينا في كلية الهندسة بحوث وطنية بمعايير عالمية نفذت داخل الجامعة، حيث هنالك 16 براءة اختراع للأستاذ الدكتور سعيد الزهراني، منها سبع تحت ملكية شركة سابك، وأمثال الدكتور الزهراني كثيرون في تلك الكلية العريقة. في كلية الطب هناك مثال آخر، هو الأستاذ الدكتور محمد بن مناع القطان، الذي لديه قرابة 300 بحث، كما عرف عنه حرصه ومهنيته الطبية التي يشهد له بها جميع المرضى والطلاب. الأمثلة لا تعد، حيث أكثر من 100 أستاذ من العلماء المتميزين في كليات تلك الجامعة العريقة، ولكن أغلبهم لا يفضلون الظهور والصخب الإعلامي.
في المقابل، ينبغي أن تتسع صدورنا للنقد البنَّاء والمؤصل، وليس كل من ينتقد نعده حاقدا أو ضد التطور. خلال 15 عاماً كتبت العديد من المقالات، بعضها في هذه الجريدة، تناولت بعض المآخذ على البحث العلمي في الجامعات السعودية، ووضع طلاب الدراسات العليا، وكان الهدف منها تصحيح المسار البحثي والتقيد بأخلاقياته، لذا ينبغي على من يهمه الأمر في مؤسساتنا التعليمية وغيرها أن يتلقوا الانتقادات بصدر رحب ويستفيدوا منها في تصحيح أخطائهم، وقد سئل أحد مديري الجامعة السابقين لماذا لا ترد على الانتقادات؟ فكان جوابه ''نأخذ منها ما نستفيد به في تطوير أدائنا وما فيه فائدة ونترك الباقي، ولا داعي للتصعيد الإعلامي'' ولنا أسوة بالخليفة الراشد عمر بن الخطاب الذي قال ''رحم الله رجلا أهدى إلي عيوبي''. وقال أيضاً ''لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم''.