«رجيم» العفش المنزلي الزائد
يعجب المرء من عفشنا الزائد في مساكننا حيث تتراكم الأشياء بعضها فوق بعض، وكذا الحال في سفرنا عبر الأجواء في الطائرة، حيث ندفع بعدد كبير من الشنط للذهاب والعودة معنا، وأيضا في رحلاتنا البرية على مراكبنا تغص السيارة بأغراض لا نحتاج إلى أن تسافر معنا مطلقا. ولا ينقضي العجب حتى حينما نرى أن جيوبنا التي في أثوابنا تمتلئ هي الأخرى بأشياء لا يلزم أن ترافقنا في كل مكان! ولكننا نحملها ردحا من الزمن ومن جيب إلى آخر!
ونرجع إلى العفش المنزلي فيا ترى ما السر في هذا العفش الزائد دائما والذي لا تكفي معه أربع شاحنات (دينا) لحمله في حال الانتقال من منزل إلى آخر؟
يبدو لي أن المسألة لها عدة عوامل تسببها فتارة يرجع السبب لسرعة اقتنائنا لأشياء وعدم تريثنا في شراء الأشياء وتفحصها ومعرفة مدى حاجتنا إليها، ففي ساعة حصولنا على المادة في أيدينا نبادر إلى السوق وفي زيارة واحدة له ونصبح كالجائع الذي ذهب ليتسوق، فيمكن أن نحضر ثلاجة وغسالة ونشافا! وعلى طريقة الباعة الحذاق فإن أفضل من تبيع عليه هو من ابتاع منك فتجد الواحد يقصد شراء جهاز واحد فيخرج بعشرة أجهزة متنوعة! وساعد على ذلك أنها في كل شارع من شوارع المدينة ويكمل ذلك محال ـــ كل شيء بريالين ـــ فتملأ الفراغات المتبقية من المنزل حتى لا يبقى ركن ولا زاوية إلا وقطعة عفش فيه، المهم أن نقتني دون تأنٍ، وينطبق ذلك على كل الأشياء الموجود في المنزل سواء أدوات طبخ أو أجهزة كهربائية أو أثاث أو ملابس وغيرها.. ولكن قديما قيل (عندما نتعلم أكثر نحتاج أقل!).
ومما يجعل العفش يزداد بشكل كبير هو اتساع مساكننا بصورة غير منطقية يبالغ فيها المعماريون فلا تدري ما الذي يملأ منزلا يحوي عشرة غرف ومطبخا وصالة ومداخل وملاحق علوية وسفلية، هذا إذا لم يكن هناك أقبية يحتاج إلى أن نملأها هي الأخرى بدل أن تكون فارغة من أي قطعة أثاث أو فرش أو ألعاب. ويساعد على زيادة العفش أن جل مساكننا لا تجهز سلفا بأرفف للتخزين لغرف نومها ومطابخها يمكن للمعماري أن يصممها كجزء من الفراغ الخاص بتلك الغرف وكذا الأجهزة التي لا يمكن لمنزل الاستغناء عنها. كالثلاجة والغسالة والمنشف والفرن يتم تركيبها وتحديد مكانها بشكل مناسب لها. وإذا لم يتم ذلك يأتي كل مستأجر بأجهزته وأثاثه الذي يستحيل أن يتطابق مع التصميم. ثم انظر بعد عاقبة نقلها من منزل إلى آخر.
أما الأمر الآخر هو أن ذلك العفش الذي نقتنيه هو في الغالب ذو صناعة رديئة وسريعا ما يعطب وأجهزته تتعطل وتخرب، ولكننا في الوقت نفسه لا نتخلص منه سريعا بل نظن أننا بالإمكان استصلاحه والانتفاع منه فنضعه في غرف خاصة ونحافظ عليه ويصبح همنا كيف ننقله من غرفة إلى أخرى. وحتى إذا ما اقتنعنا بعد سنين بالاستغناء عنه يصبح عديم الفائدة يباع بثمن بخس وقد أنفقت على شرائه وتخزينه مبالغ طائلة.
ولذلك فإن من محصلة العفش الزائد وغير الملائم قد أوجد لنا عددا كبيرا من محال الأثاث المستعمل والتي أصبحت لها اليوم سوق رائجة، بشكل ينم عن حجم المعاناة التي نجدها من ذلك العفش الزائد في مساكننا فهل لنا أن نعمل خلال الصيف رجيما للعفش الزائد في مساكننا فنتخلص منه؟!