التقاعد.. من المؤهل للأزمة النفسية
إن حب العمل هو سمة نسبية بين البشر، فهناك من هو مصاب بما يسمى ''إدمان العمل''، وهناك من يكره أن يسمع ولو أي شيء عن العمل، وقد يعود ذلك إلى أسباب عدة أهمها شخصية الإنسان ومعدل الطموح والدافعية التي يمتلكها. أما الأمر الآخر فيعتمد على بيئة العمل ومناخه النفسي والفيزيقي، فالصراعات داخل بيئة العمل ربما في أحيان تكون سمة مهنية صحية تنمي التنافس الإيجابي، ولكنها في أحيان أخرى تكون من أهم عقبات سير العمل وانسيابيته في تحقيق أهدافه التي قام من أجلها، وهي أيضا دافع قوي في تغيير الإنسان عمله إن أمكنه ذلك أو العمل نحو التقاعد المبكر، وهذا ما يجعلنا نرى شبابا صغارا حديثي التوظيف يحسبون الزمن المتبقي على التقاعد المبكر ربما لا تكون الصراعات في العمل مبررا كافيا لذلك، ولكن لنقل إنها مبرر مساعد على ذلك خاصة في حال عدم ارتباط الإنسان نفسيا بمفهوم العمل من الأساس مع أن دراسات متعددة نشرت تشير إلى أن الخلود إلى الراحة هو من أهل العوامل التي تضعف عمل الدماغ إذا زادت على المعدل الطبيعي أو المناسب لما يبذله الإنسان من مجهود بدني وذهني في عمله، وفي المقابل فإن الاستمرار في بذل المجهود الذهني المناسب هو من أهم العوامل التي تحفظ للإنسان تركيزا أعلى، وبالفعل فإن هذا ما نراه على أرض الواقع، وقد يظهر ويتضح ذلك في كبار السن بدرجة أكثر وضوحا، حيث نرى الرجل الذي يعمل حتى سن متأخرة يستطيع أن يجادل ويحاور بتركيز أكثر وتكون لديه حجة أعلى بل لديه القدرة على العد والحساب واستخدام القدرة الرقمية والعكس صحيح تماما عندما نرى أن تجميد القدرة العقلية يعوق الإنسان في كثير من الأحيان عن تذكر الأسماء والأرقام وفقدان أجزاء من تذكر الأحداث وهذا إجمالا يعني أن العمل في كل الأحوال هو من أعمدة الصحة الأولية للإنسان.
ولعل التقاعد مرحلة جديدة معنوية وجسدية يدخلها الإنسان ويظل تقبلها معتمدا على شخصيته فهي ربما تكون بوابة للكسل والعجز والمرض، ولكنها قد تكون بوابة للسعادة وممارسة الهوايات من قراءة وكتابة ومهارات أخرى يحبها الكثيرون يمارسونها لأن وقت العمل كان لا يسمح بها سابقا والاختيار الأخير هو الذي نجده مطبقا لدى بعض الأسر التي لديها نوع من الوعي بمفهوم التقاعد، حيث يعيش الإنسان حياة جميلة مليئة بالنشاط والحيوية والاقتراب أكثر من الأبناء والأحفاد، ولكن ذلك أيضا يعتمد على دور الزوجة في تقبل الأمر وتحويل تلك المرحلة إلى مرحلة احتواء للزوج، ولكن قد يحدث على أرض الواقع عكس ذلك تماما عندما تظل الزوجة تهرب خارج المنزل باستمرار زيارات وزيارات وتهميش لدور الزوج وعدم قبول لتقاعده ومكوثه في المنزل عندها فقط يدخل الزوج بوابة الاكتئاب والمرض.