المواطنة كمعيار

هل هناك معايير أو مقاييس للمواطنة يمكن للفرد والمجتمع أن يشترك في معرفة ثوابتها ويتفق كذلك وبالإجماع على المنافسة على قيمها؟
كيف تنعكس سلبا على قيم المواطنة في المجتمع تداعيات بعض المعايير المتنوعة ''المناطقية، الشعوبية، الطائفية، الطبقية، القبلية، المذهبية''؟
ما سر التفاوت في التقييم لمفهوم المواطنة وكذلك في نظرة بعض المواطنين لغيرهم في محيطهم المحلي والاجتماعي؟
متى يمكن لمفهوم وثقافة وتطبيقات ''السلم الاجتماعي'' أن تتناغم وتنسجم مع روح وجسد ''الدولة الوطنية'' وتوافر ''الأمن الوطني''؟
وأخيرا هل يمكن أن تتمحور هذه المعايير حول تقييم ومتابعة الأداء والإنتاجية تجاه المجتمع والوطن؟
إن ضبابية الحكم على توافر هذه المعايير لمفهوم ونهج ''المواطنة'' في بعض المجتمعات والدول تلقي بظلالها على التفاوت الملاحظ في تدرج السلبية المهنية للفرد والمجتمع وتدني روح المسؤولية الاجتماعية وارتفاع معدل الحقد والحسد والغيرة، وكذلك التنابز بالألقاب المصاحب ومع الأسف لبعض المسميات والوصف الشخصي أو ''المناطقي'' الدخيل على حضارة وسلوك المجتمعات الإسلامية.
من واقع المتابعة الشخصية، إضافة إلى ما رشح لدينا عن بعض السلوكيات السيكولوجية والاجتماعية في بعض المجتمعات التي لا تشترك في معايير متفق عليها في النهج والتطبيق لمفهوم المواطنة، يلاحظ أن التداعيات والسلوكيات المجتمعية تظهر للعيان في صور متنوعة عطفا على الطبيعة والشخصية والثقافة، وأبرز هذه التداعيات ذات التأثير السلبي المباشر لغياب المواطنة هو ظاهرة تفشي مرض ''الفساد'' بشقيه المالي والإداري مع تغليب المصلحة الشخصية على الصالح العام، إضافة إلى بعض التداعيات والمظاهر الدخيلة على طبيعة وشخصية المواطن المسلم مثل ''القناعة مع التندر على بعض الأوصاف والتعريفات الخاصة بشرائح وطبقات المجتمع.. فتجد من يتهكم على الطبقة المخملية.. وتجد كذلك من يحقد على الطبقة الثرية.. وأيضا من يتجاهل أو يقلل من شأن الطبقة الكادحة أو الفقيرة. ارتفاع أو تدني نسبة معايير المواطنة عند البعض يعزى إلى مكان وجغرافية المنطقة أو الإقليم.. فالتعصب هنا حاضر لنوعية أو طبقية أو قبلية أو مذهبية هذه المنطقة عن غيرها؟.. وغيرها من المظاهر والسلوكيات السلبية وغير المقبولة وخصوصا في المجتمعات الإسلامية.
يمكن الاستشهاد في هذا السياق بمثال عن واقع نتائج الدورة الأولمبية الرياضية التي أقيمت أخيرا في مدينة لندن، فالدول التي تنافست على حصد الميداليات الذهبية والتصنيف المتقدم هي الدول التي لا يوجد لديها المعايير الطبقية والاجتماعية السلبية، بينما الدول التي لم تحقق نتائج وتصنيفا جيدا هي الدول التي أشغلت نفسها بهذه التصنيفات الطبقية والاجتماعية كما هو الحال في بعض الدول العربية والإسلامية.
''السلم الاجتماعي'' و''الأمن الوطني'' تعريفات وتوجهات تبحث عنها جميع المجتمعات المحلية والإقليمية والدولية، والتي تجمع في واقعها وتطبيقاتها وقيمها البعد النظري التاريخي المتمثل في اتفاقيات ومعاهدات جسدت المحافظة على لحمة ووحدة الدولة الوطنية بعناصرها ''النظام، الشعب، الإقليم'' الذي يضفي على المواطنة قيمة أولية ومركزية وأفقية للعلاقات داخل المجتمع التي تمنح الأولوية للمنهج الترابطي على البناء الجمعي (تراصف الجماعات) ما يسهم في تنحية الهويات الخصوصية ما قبل الوطنية لمصلحة هوية جامعة جديدة هي الهوية الوطنية، فالمواطنة عنصر رئيس في توافر الأمن وركن من أركان وبناء الدولة، فالدولة الوطنية هي الأرضية المشتركة التي يمكن أن يلتقي عندها الجميع بمختلف ثقافاتهم وطبقاتهم ومذاهبهم بلا هواجس أو مخاوف أو شكوك، والتي أيضا تصرف المجتمع والوطن عن معركته الأساسية في التنمية والبناء وتحقيق العدالة الاجتماعية.
إن حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الحكومة في الموازنة بين ''عناصر الأمن الوطني وحفظ الحقوق والحريات'' هو الذي يسمح لهامش الأداء بالنجاح والحضور أو يسمح بتوافر العقبات والسلبيات من خلال موازنة ومعادلة قد تبدو للبعض متناقضة، حيث إن التركيز وبهامش واسع من الاهتمام على ''المواطن'' ابتداء من تحديد وتوضيح ودعم المعيار الذي يخدم مفهوم وتطبيقات المواطنة ويجمع على فهمه الجميع عطفا على ما يعانيه ''معيار المواطنة'' من لبس وضبابية في بعض المجتمعات.
وبعد هذه القراءة.. هل يمكن لنا كمجتمع عربي وإسلامي أن نتفاعل مع جميع الأسئلة التي وردت في المقدمة قبل أن نفكر في البحث عن الإجابة عنها بمنتهى الشفافية والتعامل مع حيثياتها ومعطياتها بروح المسؤولية؟
وأقتبس في الختام جملة مختصرة من توجيه لخادم الحرمين الشريفين ـــ حفظه الله ـــ في هذا السياق يلخص التوجه والنهج الإسلامي والوطني المطلوب للدول والمجتمعات العربية والإسلامية: ''ابتعدوا عن التصنيفات المذهبية والفكرية والمناطقية التي لا تليق بمجتمعنا المسلم''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي