الصحة والتعليم يضعفان تنافسية الاقتصاد السعودي

دأب المنتدى الاقتصادي العالمي منذ 1979 على إطلاق ''تقرير التنافسية العالمي'' بهدف دراسة تنافسية دول العالم، والعوامل المؤثرة في التنمية الاقتصادية المستدامة وتحقيق الازدهار الاقتصادي. ركز التقرير في منهجيته على تقييم تنافسية 144 دولة من منظور ثلاث مجموعات تقييم رئيسة ذات أوزان متباينة في التقييم العام بين مجموعة ''تحسين الكفاءة الاقتصادية''، تمثل 47.5 في المائة، ومجموعة ''توفير المتطلبات التنموية الأساسية''، تمثل 43.4 في المائة، ومجموعة ''تطوير الإبداع والابتكار''، تمثل 9.2 في المائة. تحتوي كل مجموعة على محاور تقييم متعددة يبلغ مجملها 12 محورا مختلفا. ويضم كل محور من المحاور الـ 12 مجموعة أخرى من محاور التقييم الثانوية البالغ مجملها 111 محورا ثانويا. تقوم منهجية التقرير بترتيب تنافسية دول العالم الـ 144 حسب كل محور فرعي على حدة، ثم حسب المحاور الرئيسة الـ 12، ثم حسب كل مجموعة من المجموعات الثلاث للوصول إلى تقييم عام يصنف تنافسية الدول الـ 144.
يستقي ''تقرير التنافسية العالمي'' بياناته من خلال توزيع استبانة على رجال الأعمال وكبار المديرين التنفيذيين في داخل الدولة محور الدراسة، وكذلك في داخل الدول التي تتعامل مع اقتصاد الدولة محور الدراسة. أسهمت هذه المنهجية في أمرين. الأول أن نتائج التقرير تعكس وجهة نظر قطاع الأعمال في اقتصاد الدولة محور الدراسة عوضاً عن وجهة نظر المنتدى الاقتصادي العالمي. والآخر أن نتائج التقرير تعتمد على استقصاء الرأي الآني لرجال الأعمال وكبار المديرين التنفيذيين، ما يعكس الأولويات التنموية القائمة في اقتصاد الدولة محور الدراسة. أسهم هذان الأمران في تميز التقرير عن مثيله الصادر من مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونتكاد)، الذي يعتمد على أجهزة تقييم الأداء المختلفة الواقعة تحت مظلته عوضاً عن رجال الأعمال وكبار المديرين التنفيذيين وكذلك البيانات التاريخية الاقتصادية المتراكمة حول أداء اقتصاد الدولة محور الدراسة، عوضاً عن بيانات استقصاء الرأي الآنية. والمفيد في هذا الجانب قراءة كلا التقريرين ومحاولة دمج نتائجها للتعرف أكثر على أداء هذه الدولة أو تلك من المنظور العالمي، ثم موازنة النتائج مع التقارير المماثلة الصادرة من الجهات الرسمية داخل اقتصاد الدولة محور الدراسة. وعندما يحدث توافق بين النتائج المقارنة، فإن ذلك يعطي دلالة على واقعية النتائج وملامستها للواقع، وبالتالي الأخذ بها، والعكس صحيح عند عدم حدوث التوافق بين النتائج المقارنة. والدافع خلف منهجية الدمج والمقارنة هذه هو الوصول إلى قراءة أكثر واقعية لأداء اقتصاد الدولة محور الدراسة، ما يساعد على كيفية مواجهة التحديات القائمة لبلوغ التطلعات المستهدفة.
حصلت تنافسية الاقتصاد السعودي على ترتيبات متباينة بين مجموعات التقييم الرئيسة الثلاث. حيث حصل الاقتصاد السعودي لهذا العام من بين 144 اقتصادا على المرتبة الـ26 في مجموعة ''تحسين الكفاءة الاقتصادية'' بعد أن كان في المرتبة الـ45 قبل خمسة أعوام، والمرتبة الـ13 في مجموعة ''توفير المتطلبات التنموية الأساسية'' بعد أن كان في المرتبة الـ34 قبل خمسة أعوام، والمرتبة الـ29 في مجموعة ''تطوير الإبداع والابتكار'' بعد أن كان في المرتبة الـ37 قبل خمسة أعوام.
ومن أهم التطورات المحققة في مجموعة ''تحسين الكفاءة الاقتصادية'' تحقيق المرتبة الـ14 في محور ''كفاءة سوق السلع'' بعد أن كان في المرتبة الـ34 قبل خمسة أعوام. وفي المقابل سجل تراجعا في محور ''حجم السوق'' بتحقيق المرتبة الـ24 بعد أن كان في المرتبة الـ22 قبل خمسة أعوام. ومن أهم التطورات المحققة في مجموعة ''توفير المتطلبات التنموية الأساسية'' تحقيق المرتبة السادسة في محور ''بيئة الاقتصاد الكلي'' بعد أن كان في المرتبة التاسعة قبل خمسة أعوام. وفي المقابل كانت أهم الإخفاقات التراجع في ترتيب محور ''الصحة والتعليم الابتدائي'' بتحقيقه المرتبة الـ58 بعد أن كان في المرتبة الـ51 قبل خمسة أعوام. وحقق تقدما في محاور المجموعة الأخيرة، مجموعة ''تطوير الإبداع والابتكار'' بدرجات تقريباً متساوية.
تقودنا هذه القراءة إلى النظر في المحاور الفرعية الخاصة بمحور ''الصحة والتعليم الابتدائي''. يعكس هذا المحور أداء الدولة في إعداد جيل متعلم يتمتع بصحة جيدة للمشاركة الفاعلة في عملية التنمية المستدامة. اتسم هذا الحور بالتراجع الحاد خلال الأعوام الخمسة الماضية على الرغم من البرامج القائمة والهادفة إلى تطوير العملية التربوية بجميع مجالاتها الأكاديمية الرئيسة والثانوية المساعدة وكذلك بيئتها الصحية اللازمة. عزا التقرير هذا التراجع إلى التراجع في ثلاثة محاور ثانوية. الأول، التراجع في محور ''قبول طلاب المرحلة الابتدائية'' من المرتبة الـ68 قبل خمسة أعوام إلى المرتبة الـ94 هذا العام من بين 144 دولة. والثاني التقدم الطفيف جداً في محور ''حالات الإصابة بالملاريا'' من المرتبة الـ78 قبل خمسة أعوام إلى المرتبة الـ76 هذا العام من بين 144 دولة. والثالث التقدم الطفيف في محور ''تأثر الأعمال بانتشار الملاريا'' من المرتبة الـ91 قبل خمسة أعوام إلى المرتبة الـ 75 هذا العام من بين 144 دولة.
أوضح التقرير كذلك أن أهم ثلاثة تحديات تواجه مجتمع الأعمال هي تحدي التنظيمات الجديدة في سوق العمل، فتحدي التفاوت في مستويات التعليم والتدريب بين أفراد القوى العاملة، وأخيراً الحصول على التمويل والتسهيلات الائتمانية للتوسع في المشاريع الاقتصادية. تمثل هذه التحديات نفسها التحديات القائمة قبل خمسة أعوام باستثناء تراجع تحدي التضخم عن قائمة أهم ثلاثة تحديات تواجه مجتمع الأعمال في المملكة إلى المرتبة العاشرة من إجمالي التحديات. وضعت هذه النتائج تنافسية الاقتصاد السعودي العام الجاري (2012-2013) في المركز الـ18 من أصل 144 دولة بعد أن كانت في المرتبة الـ27 قبل خمسة أعوام.
عديدة هي الفوائد عندما نقرأ نتائج التقرير عن أداء الاقتصاد السعودي خلال العام الجاري (2012-2013) ومن ثم مقارنة تطور هذا الأداء من خلال مقارنة نتائج العام الجاري بمثيلاتها من واقع التقرير نفسه قبل خمسة أعوام (2008-2009). فوائد تقودنا إلى أن نخلص إلى أداء دون المأمول لتنافسية الاقتصاد السعودي خلال نصف عقد من الزمن يتطلب التأكيد على مضاعفة الجهود من خلال توفير المتطلبات التنموية الأساسية كونها تحتضن أهم عنصرين من مقومات التنمية المستدامة الصحة والتعليم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي