مسجد جواثا يثير جدلا بين «السياحة» ومؤرخين

مسجد جواثا يثير جدلا بين «السياحة» ومؤرخين

تضاربت الأقوال والآراء بين باحث في التاريخ ومجمع فقه الشريعة وممثل مكتب الآثار في المنطقة الشرقية حول قضية المآذن في المساجد التاريخية التي رممت هيئة السياحة والآثار عددا منها خلال الأعوام القليلة الماضية بنحو خمسة مساجد في محافظة الأحساء دون إلحاق المآذن المرتفعة بها مثل سائر المساجد الحديثة والاكتفاء ببرجين كمحسنات جمالية على المبنى الخارجي للمسجد كالمعمول به في مسجد جواثا المعلم التاريخي الشهير في المنطقة منذ العصر الإسلامي.
في حين أن عضوا في مجمع الفقهاء يتعاضد مع رأي الباحث ويصوب نظريته موجها رسالة لهيئة السياحة والآثار في المملكة بأنه يفترض عليها استشارة هيئة كبار العلماء باعتبارها المرجعية الشرعية في السعودية قبل شروعها في ترميم وإعادة بناء الآثار والمساجد في المملكة، قاطعا في ترجيحه لرأي هيئة كبار العلماء أن يكون في استكمال عمل المآذن للمساجد التاريخية وإن كانت في أصلها المعماري تخلو من المنارات.
وفي هذا الصدد، نجد أن الباحث والمؤرخ عبد الخالق الجنبي قد استهجن ما فعلته هيئة السياحة والآثار بالمملكة إزاء إعادة بناء وترميم مسجد جواثا الذي يبعد نحو 17 كيلو مترا شمال شرق مدينة الهفوف، في تصميم المسجد الذي بدا عليه بعد انتهاء الترميم وبناء برجين شبيهين بالبروج التي تكون عادة في القلاع ضمن الجدار القبلي للمسجد أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره حسب وصفه، منتقدا تصرف الهيئة في بناء البرجين اللذين ألحقا بمسجد جواثا التاريخي وهو ما يعكس مدى افتقار الكوادر الخبيرة بالآثار التابعة للهيئة بالتاريخ وآثاره وبشكل خاص تاريخ المنطقة الشرقية.
وقال الجنبي لـ"الاقتصادية": "دائما ما تفاجئنا هيئة السياحة والآثار بترميمات غير منطقية لآثار المنطقة التي لا تشبه في فنها المعماري سمات الفن المعماري المعروف، إلا أن آخر ما فعلته في ترميم وإعادة بناء مسجد جواثا الأقدم الذي تم الكشف عنه عام 1412هـ، إذ فاجأتنا بتصميم معماري غريب عن الفن المعماري السائد في المساجد القديمة، وهو تصرف أقل ما يدل عليه أن الهيئة تفتقر إلى الكوادر الخبيرة بالآثار وأن من فيها معظمهم موظفين لا خبرة لهم بالآثار ولا التاريخ وإن كانت لديهم شهادات جامعية" مضيفا أن البرجين اللذين بنتهما الهيئة في مسجد جواثا الأقدم هما منارتا المسجد اللتان تم تحويلهما إلى برجين.
وتابع أن تصور الهيئة في قيامها بالترميم هو تصور قاصر وغير محيط بخصائص المكان الأثري في المنطقة، كذلك في استخدامها مونة إنشائية غير المونة التي كان السكان في المنطقة يستخدمونها في بناء منازلهم ومساجدهم مثل الحجارة البحرية المعروفة بالفروش واستخدام الجص في عمليات التلييس، والأهم من ذلك كله المحافظة على الهيئة المعمارية التي كانت قائمة للآثار قبل استلام الهيئة لها، متسائلا عن إمكانية رؤية مسجدا في إحدى دول العالم الاسلامي يحوي ضمن تصميمه لبرجين قلاعيين في حائطه القبلي.
كما كرر الجنبي مطالبه بضرورة إعادة نظر هيئة السياحة والآثار حيال مئذنتي مسجد جواثا التي يجب أن تكون عليه في عمارته الإسلامية المتوسطة على أقل تقدير.
من جانبه، أوضح وليد الحسين مدير مكتب الآثار في الأحساء أن مسجد جواثا أقيم في شكله الأخير بناء على الأساسيات التي اكتشفت بعد عمليات التنقيب العلمية وعلى أساسها تم استكمال عمل المسجد دون إضافة كبقية المساجد التاريخية الخمسة التي نفذت هيئة السياحة والآثار عليها ترميمها بما وجدتهم عليه دون مآذن في المنطقة كمسجد العقير ومسجدي التيمية ومسجد البطالية مع مسجد جواثا، مشيرا إلى أن المآذن في العصور الإسلامية المبكرة لم تكن موجودة سابقا حسبما هو مثبت تاريخيا وبينته الدراسات المتخصصة.
وأبان أنه أثناء تنفيذ الترميم بالمسجد اكتشفت أساسيات شمالية شرقية وجنوبية غربية ربما تكون تحسينات معمارية للمسجد وقد تكون تحصينات حربية أو عسكرية آنذاك، وعليه أقيمت كتلة القواعد على البرجين بشكل يحافظ على مستوى سقف المسجد، منوها إلى أن المسجد أقيم في السنة الـ7 بعد هجرة النبي الأكرم أي في بدايات الدعوة الإسلامية التي لم يظهر فيها مآذن للمساجد، وبذلك تكون رؤية استكمال المساجد التاريخية بالمآذن راجعة لاجتهادات شخصية غير قائمة على حقيقة علمية.
وعلق الحسين على رأي الباحث الجنبي متسائلا أن الفرضية التي افترضها باستكمال بناء مأذنة للمسجد نهضت على أي سند تاريخي، لكونه ربما غابت عليه حقيقة أن المآذن ظهرت في العصور المتأخرة أو لربما أراد مجاراة المسجد التاريخي بالمعمول به حاليا في المساجد الحديثة أو لعلها أمنية لديه بإيجاد مآذن للمساجد التاريخية، واستدرك قائلا: نحن لا نبنِ على مسائل أمنيات وإنما نرمم وفق أساليب لا تشوه ولا تزور الحقائق، وأنا متأكد لو تم عمل مآذن للمساجد التاريخية لقيل لنا إننا استحدثنا بالمسجد ما ليس فيه.
وأكد الحسين أن البناء الذي تم كان وفق أساسيات المسجد الأولى بما كان عليه وهو سائر على جميع مساجد الأحساء التاريخية التي رمم أكبر عدد منها منذ قرابة العامين الماضيين كان آخرها مسجد الجبري بالكوت بطابع جمالي محافظ على الشكل الأثري، لافتا إلى أنهم دائمو التحري فيما يتعلق بالخروج بالشكل الذي لا يحاط بالأثر إساءة ضمن رؤية معينة ووفق معايير خاصة.
إلى ذلك، يرى الدكتور محمد النجيمي الأستاذ في المعهد العالي للقضاء أن المآذن أصبحت شعار للمساجد الإسلامية في دول العالم قاطبة وأن المنارة لها سنة عظيمة وبالتالي فإنه لو كان وضع المآذن مخالفا للسنة لما وجدنا الصحابة الكرام أقروها لا سيما أن وضعها كان غاية لسماع الآذان في المدن بداية ثم تحول إلى شعار لذا لا نجد أحدا ينكر المأذنة منذ عصر الصحابة حتى يومنا هذا قط، معلنا أن أي مسجد وإن كان أثريا ليس له منارة ينبغي أن تكون له منارة وألا يكون جهد هيئة السياحة والآثار بمعزل عن المرجعية الشرعية.
وقال الدكتور محمد النجيمي عضو مجمع فقهاء الشريعة لـ"الاقتصادية": إن الباحث المعترض على عدم إقامة المأذنة بالمسجد ليس مخطئا في اعتراضه والصواب معه أكثر لأن المنارات أصبحت من شعارات المساجد أسوة بجميع المساجد الإسلامية ومن أفضلها مسجدا الحرمين المكي والمدني والمسجد الأقصى، ولذا نوجه رسالة لهيئة السياحة والآثار في المملكة بأن عليها استشارة هيئة كبار العلماء باعتبارها المرجعية الشرعية في السعودية قبل شروعها في ترميم وإعادة بناء الآثار، مؤكدا أنه من باب أولى إحالة القضية برمتها لهيئة كبار العلماء لتبدي الحكم الشرعي القاطع فيه التي من المرجح أن تأمر بعمل منارات للمساجد التاريخية.
وأضاف أن أي شخص يمنع بناء المنارات في المساجد يعد مبتدعا ومحدثا لأن المسلمين أجمعوا وقطعوا على وجود الآذن في المساجد، مشيرا إلى أن بداية المآذن في الإسلام كانت في السنة 45 بعد الهجرة بعد أن بنى زياد ابن أبيه أخو معاوية مسجدا وعمل فيه مأذنة بحضور عدد كبير من الصحابة على رأسهم عبد الله بن عباس، عبد الله بن الزبير، عبد الله بن عمر، عبد الله بن عمرو بن العاص، معاوية بن أبي سفيان، وأبي هريرة، وعائشة أم المؤمنين مع خلق كثير من الصحابة والتابعين لهم من القرون المفضلة الذين لم يعترضوا على وجود المآذن آنذاك ولم يعترض من بعدهم أحد آخر حتى من المذاهب المندثرة كالأوزاعي وغيره.

الأكثر قراءة