"الاقتصادية" ترصد مخيمات المتسربين بعد اختراقهم الحواجز الأمنية
رصدت "الاقتصادية" أمس نحو ثمانية آلاف خيمة نصبت بشكل مخالف في الطرقات المؤدية إلى المشاعر المقدسة، يقطنها مواطنون ووافدون يعتزمون دخول المشاعر المقدسة دون التعاقد مع مؤسسات حجاج الداخل ليشكلوا عبئا على منظومة الحج ويدخلون ضمن الحجاج المخالفين خارج خطط الجهات المعنية للحج.
ووسط هذه الاختراقات الغير نظامية للحجاج، توقعت وزارة الحج أن يصل عدد الحجاج المخالفين إلى مليون حاج حسب إحصائيات العام الماضي، ورغم الجهود والخطط المبذولة التي أعدتها الجهات الأمنية لمنع تسرب الحجاج المخالفين، من خلال فرق أمنية وزعت على مداخل مكة لمنع تسرب الحجاج من غير حاملي تصريحات الحج والمخالفين إلى المشاعر المقدسة وهي المشكلة التي ظل يشهدها الحج في السنوات الأخيرة، ويتمثل أكثرها وضوحا في تسرب الحجاج، إلا أن هؤلاء اخترقوا الحواجز الأمنية ليعبروا إلى المشاعر المقدسة، حيث بدأت جموع المتسربين لأداء نسك للحج التوافد على مكة واختراق الحزام الأمني، الذي فرضته الجهات الأمنية حول مداخل المدينة مشكلين ما يسمى بالحجاج غير النظاميين.
ويستعد المتسربون من الحجاج لأداء هذه الفريضة دون تعاقد مع شركات ومؤسسات حجاج الداخل، بأسلوب التهريب الذي يمارسه متخصصون مقابل مبلغ معين عن كل فرد يقل كثيرا عما يتطلبه التعاقد مع شركات ومؤسسات حجاج الداخل، ويغامر البعض ويحاول الوصول إلى المشاعر المقدسة في يوم عرفة ليستكمل بعد ذلك شعائره، ويتحقق حلم عمره بأن يصبح حاجاً.
واللافت أن غالبية الذين يحجون بهذا الأسلوب، سبق لهم الحج مرات عديدة، سواء لهم أو لغيرهم وبالرغم من كل الإجراءات المتخذة لمنع تهريب وتسلل المخالفين، فإن عدد لا بأس به نجح في اختراق الحواجز الأمنية والوصول الى المشاعر المقدسة.
وأوضحت إحدى الدراسات التي قام بها معهد خادم الحرمين لأبحاث الحج، أن عدد الحجاج المخالفين الذين أدوا فريضة الحج للعام الماضي دون الحصول على تصريح بالحج بلغ أكثر من مليون حاج غير نظامي، بما يعادل تقريباً حجاج الخارج.
ويشكل تسرب آلاف الحجاج سنويا عائقا كبيرا أمام السلطات السعودية وشركات الحج، نظرا لما تفرزه هذه الظاهرة من سلبيات متعددة من بينها ارتفاع عدد الحجاج المفترشين وما يسفر عنه سنويا من ضحايا في موسم الحج، إضافة إلى ما توصلت إليه هذه الدراسة من كشف لهذا العدد الكبير من الحجاج المخالفين، فقد وجدت أن هؤلاء المخالفين قد تسببوا في ظهور عدد من المشاكل السلبية في الحج، ابتداء بحملهم لأمتعة كثيرة على ظهورهم ما يتسبب في إعاقة الحركة للمشاة، خاصة في الطواف وأثناء رمي الجمرات، كذلك قيامهم بتكرار ظاهرة الافتراش نظير عدم وجود حملات نظامية يتبعون لها، إضافة إلى عدم وجود وسيلة مواصلات تنقلهم بين المشاعر مما يدفعهم إلى السير على الأقدام بين المركبات ويعوقون حركتها في السير.
ويعمد هؤلاء الحجاج المخالفون إلى شراء خيام بلاستيكية وقماش من أسواق العاصمة المقدسة، ويقومون بنصبها في شوارع وممرات الحجاج دون مراعاة لحركة السير وانسيابها.
ويؤكد عدد من مسؤولي شركات الحج، أن ظاهرة التسرب تعد من أبرز سمات المواسم رغم الإجراءات التي يتم اتباعها لتنظيم دخول حجاج الداخل، ويشير المسؤولون عن الشركات إلى أن ارتفاع تكاليف مؤسسات وشركات حجاج الداخل للحج يدفع الكثيرين إلى اتخاذ التهريب طريقا سهلا للوصول إلى الحج بتكاليف أقل.
وتشير إحصائيات شبه رسمية إلى أن ما نسبته 50 في المائة من إجمالي الحجاج من المفترشين في المشاعر المقدسة وتحديدا في مشعر منى، هم من الحجاج المخالفين.
وتضطلع شركات ومؤسسات حجاج الداخل بخدمة ضيوف الرحمن النظاميين من الداخل، والعناية بهم منذ وصولهم إلى أراضي مكة وحتى مغادرتهم لها، وتشمل مهام تلك الجهات استقبال الحجيج وتفويجهم وإسكانهم في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة وإعاشتهم وتصعيدهم وتوعيتهم وإرشادهم.
وكان لهذا العمل المبارك أكبر الأثر في تيسير أداء فريضة الحج وسلامة الحجاج، ومع أن الغالبية العظمى من الحجاج ينضمون إلى هذه المؤسسات إلا أن هناك إعداد من الحجاج وخاصة بعض حجاج الداخل لا يتبعون لأي من هذه المؤسسات أو الحملات وأغلب هؤلاء هم الذين يفترشون الشوارع والطرقات والميادين والساحات العامة ويتخذونها سكنا لهم خلال أيام المبيت في مشعر منى، ما يؤدي إلى عرقلة وتعطيل الحركة في هذه الأماكن والشوارع والطرقات، بل إلى إلحاق أضرار عامة بهذه الأماكن.
والمفترشون غالبا ما يواجهون صعوبات جمة سواء في المسكن أو المأكل أو المشرب أو التنقلات أو النوم أو قضاء الحاجة مما قد يعرضهم ويعرض الآخرين إلى العديد من المشاكل الصحية.
ويقصد معظم المفترشين خمسة أماكن هي الساحات ما حول الجمرات وطريق المشاة وحول مسجد الخيف وتحت الجسور، ويعوز نحو 65 في المائة من المفترشين، والسبب في هذا السلوك إلى أسباب مادية، بينما 25 في المائة منهم يرجعون السبب إلى سهولة أداء المناسك، بينما البقية يرجعونها إلى أسباب أخرى ومنها مشاكلهم مع الحملات، ولا شك أن المفترشين يعانون خلال الموسم وبعده أيضا إلى العديد من المشاكل الصحية القابلة للازدياد والتحول إلى أمراض أخرى مزمنة، وربما أمراض خطيرة في بعض الأحيان قد تودي بحياة البعض منهم.
وكان من الطبيعي أن تقوم الجهات المسؤولة بدراسة هذه الظاهرة، وكان على رأسها معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج، ومن بين ما أوصى به للحد من هذه المشكلة إلزام جميع الحجاج بالانضمام إلى الحملات في مؤسسات الحج قبل الشروع في الذهاب للحج، وتخفيض تكلفة الانضمام إلى حملات الحج بما يتناسب وإمكانيات ذوي الدخل المتوسط.
وذكرت وزارة الحج أن مواجهة مشكلة تسرب الحجاج غير النظاميين هي من اختصاص مديرية الجوازات والأمن العام وهي جهات لها برنامجها من خلال نقاط التفتيش، والتأكد من وجود تصريح حج مع أي داخل إلى المشاعر المقدسة، أما بالنسبة إلى الحجاج غير النظاميين من داخل مكة فمواجهة هؤلاء هي مسؤولية مشتركة ما بين الجهات الأمنية ووزارة الحج، فإذا وجدت مخيمات حجاج لمؤسسات حجاج الداخل تضم حجاجا دون تصاريح فإن العقوبة تطول حتى المؤسسة التي استضافتهم.
وأكدت الوزارة، أن عدم ارتباط الحجاج بمؤسسات حجاج الداخل وتسربهم للمشاعر المقدسة، يمثل زيادة كثافة في المشاعر المقدسة ويربك الخطط المعدة للحج.
واتخذت وزارة الحج عددا من الإجراءات التي ستتخذ في هذا الإطار للمساهمة في تقليص عدد مخالفي العمرة، الذي هو في الواقع سجل انخفاضا في السنتين الأخيرتين نتيجة خطوات عملية حازمة وحاسمة، وستعمل الجهات الأمنية على زيادة نقاط التفتيش في مداخل مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، للحد من مشكلة التسرب التي يذهب المراقبون إلى أنها مشكلة تنحصر في أمرين هما المعتمرون المخالفون والمواطن والمقيم، الذي يتسرب إلى المشاعر، وستحد زيادة أعداد نقاط التفتيش من هاتين المشكلتين.
ويتوقع أن يصل عدد حجاج الداخل المتوقع حصولهم على تصاريح لحج هذا العام إلى 250 ألف حاج، في الوقت الذي يلقي فيه كثير من المفترشين باللائمة على عاتق بعض مؤسسات وشركات حجاج الداخل الوهمية، وقامت فرق ميدانية من لجان المتابعة والمراقبة في وزارة الحج وبالتعاون مع إمارات المناطق بزيارة معظم المدن السعودية الرئيسة، بحثا عن تلك المؤسسات الوهمية والإعلانات المضللة لها.
وعزا عدد من الحجاج، الذين التقت بهم "الاقتصادية" بجوار مخيماتهم سبب افتراشهم الطرقات، أن حملات حجاج الداخل تطلب مبالغ كبيرة.
وقال حسن العصيمي أحد المفترشين في العزيزية بالقرب من مشعر منى: "لدي عائلة مكونة من خمسة أشخاص ونريد أن نحج، وطلبت منا الحملة مبلغ 15 ألف ريال وهو المبلغ الذي لا أستطيع توفيره، وقمت بشراء خيمة لا تتجاوز قيمتها 500 ريال ودخلت إلى مكة المكرمة حيث إني من خارجها ونصبت الخيمة، وسأتجه يوم التروية إلى منى، ومن ثم إلى عرفات"، وليس العصيمي وحده الذي افترش طرقات وحدائق العزيزية بالقرب من المشاعر بل تجد نحو ثمانية آلاف خيمة نصبت بطرق مخالفة مستعدين لأداء فريضة الحج بطرق مخالفة.