التأخر في طلب العلاج النفسي يدمر خلايا الدماغ
يعاني الشاب عبد الله مرضا نفسيا عضالا تفاقم عليه خلال السنوات القليلة الماضية ليس نتيجة خطأ في صرف دواء أو تشخيص طيب، وإنما لتخاذل أهله وذويه عن دعمه والاعتناء به وتركه لسنوات طوال دون زيارة أو حتى سؤال يتفقدون فيه عن أحواله وما جرى عليه في غرف تنويمية في المستشفى النفسي.
عبد الله (28 عاما) واحد من مئات المرضى النفسيين الذين خذلتهم الحياة، في صنع فرصهم وإظهار طاقاتهم وإبداعاتهم المكنونة، لا لعيب حقيقي بهم ولا لافتقارهم إلى نعم الله- عز وجل- بل نتيجة تراكم الإحساس بالفقد والحب بحسب ما ذكر لـ"الاقتصادية" أحد أقارب المريض، مضيفا أن عبد الله لم يكن وضعه الصحي سيئا قبل ما يناهز عشر سنوات سابقة، وأن حالته الحرجة وصل لها بعد موت أبيه واستغناء إخوته عنه لأجل الورث والتركة لكيلا يشاركهم النصيب في الأموال وفق حقه الشرعي، وهذا حال عديد من المرضى الذين يكتنف الغموض حالاتهم للحفاظ على سرية ملفات المرضى وخصوصيتهم.
وفي هذا الشأن، قال الدكتور محمد شعبان استشاري الطب النفسي في مجمع الأمل للصحة النفسية، إن هنالك ازديادا في حالات الأمراض النفسية، وهي زيادة مبررة؛ لكون أعداد الناس في ازدياد، والضغوط الحياتية والمعيشية في وتيرة متصاعدة يوما بعد يوم، وهذا بطبيعة الحال من العوامل التي أدت إلى زيادة أعداد المرضى النفسيين في السنوات الأخيرة، إضافة إلى عوامل أخرى لها دور مهم مثل الوراثة في تاريخ العائلة ومدى قابلية الشخص للمرض، موضحا أن الحل الأمثل لمن يعاني عوارض أمراض نفسية عدم السكوت عن المرض، وبالتالي عدم إبقاء العوارض دون حلول أو علاج؛ لأنها ستؤدي لتفاقم المشكلة سوءا، وستتطلب علاجا مضاعفا لفترات زمنية طويلة، ولا سيما أن الدراسات العلمية أثبتت أن التأخر في طلب العلاج يؤدي إلى أذى إضافي لخلايا الدماغ ودمار غير قابل للإصلاح فيما بعد. وتابع أن من الضروري المبادرة والإسراع بطلب الاستشارة والعلاج؛ لأن العلاج المبكر يحول دون تعرض المصاب لمضاعفات خطيرة، في حين أن بعض المرضى النفسيين الذين قدموا للعلاج أو جلبهم أهاليهم للتداوي يمكثون في المستشفيات النفسية بعد تماثلهم للشفاء لفترات زمنية قد تطول أو تقصر بحسب تعاون الأهالي أو حضور كفيل للشخص المريض إلى المستشفى لتسلم المريض. وقد يتعذر خروجهم لظروف عائلية أو عدم وجود مأوى لهم، وهو أمر وارد وموجود في مختلف دول العالم، ومنها المملكة، كما أنه يحدث في المستشفيات العامة بدرجة أقل، منوها إلى أن نسبة أعداد مثل هذه الحالات، فهي متغيرة غير ثابتة؛ لأنه قد يخرج البعض أو يتعذر خروجه لأسباب متعددة.
وأوضح أن الأمراض النفسية مختلفة ومتفاوتة الشدة، فمنها حالات تستدعي التدخل السريع، ومنها المؤقت والمتوسط الشدة الذي يحتاج إلى تدخل أطول، ومنها ما يحتاج لعلاج وتدخل طويل الأمد؛ لأن الأمراض النفسية في غالبيتها قابلة للتحسن والشفاء التام، ولا يعني تعرض الشخص لمرض نفسي نهايته أو انتهاء حياته؛ لأن المرض النفسي كبقية الأمراض الطبية الأخرى يتماثل المصاب بها للشفاء ويعود لأسرته وعمله، ويمارس حياته في الغالب بشكل طبيعي، لافتا إلى أن عدم تفهم الأهل ووقوفهم إلى جانب ابنهم المريض له انعكاسات سلبية على حالته المرضية، وأن تركه في المستشفى لفترات زمنية طويلة وغير مبررة أيضا تؤدي إلى زيادة سوء حالته الصحية وبالتالي تأثر في صعوبة إعادة انخراطه في المجتمع.
وينصح شعبان جميع مرضى الحالات النفسية وأهاليهم بأن يتعاملوا مع المرض النفسي كغيره من الأمراض التي من الممكن علاجها والشفاء منها بنسب عالية، وأن العلاج المبكر مهم أيضا، إضافة إلى أن تعاون الأهالي مع المعالجين في المستشفيات وخاصة النفسية منها له دور فاعل في العلاج؛ لأن دور العائلة يوازي إن لم يكن يفوق أهمية العلاج، مستدركا أن ترك المريض ليواجه مصيره ومرضه وحده أمر غير مقبول دينيا واجتماعيا، خاصة أن العلم تقدم في العقدين الماضيين تقدما كبيرا وملحوظا في التعرف على الأسباب التي تؤدي للمرض ووسائل علاجه.
ونوه إلى أن العهد الذي كان يوضع فيه المريض بالمصحات النفسية إلى الأبد قد انتهى، وأن وصمة العيب التي كانت وما زالت موجودة لدى بعض الناس يجب أن تنتهي من قاموس حياتهم بشكل نهائي.
وفي السياق ذاته، كشف راشد الزهراني مدير العلاقات العامة والشؤون الإعلامية في مجمع الأمل للصحة النفسية، عن أن 37 في المائة من إجمالي عدد دخول المرضى النفسيين لمجمع الأمل للعام الماضي 1433 هجرية، كان للفئة العمرية ما بين 30 إلى 39 عاما من كلا الجنسين الذكور والإناث، حيث بلغ عددهم لهذا العام 737 حالة 145 منهم غير سعوديين، بينما كان عدد الداخلين للعام الذي سبقه 1432 هجرية 865 حالة؛ أي ما يفوق بأكثر من 100 عن العام الأخير، في حين أن النسبة الأقل كانت للعام 1431، حيث قدرت إجمالي عدد الدخول 630 حالة، مبينا أن سبب تزايد عدد دخول المرضى النفسيين للصحة النفسية يرجع بالدرجة الأولى لتسليط الضوء من جانب الإعلام على الأمراض النفسية بتوعية الناس ونشر الثقافة المجتمعية بين الشرائح المختلفة حول الأمراض النفسية وأعراضها وسبل علاجها، وبالتالي انعكست التوعية وإفشاؤها في تزايد إقبال المرضى على علاج الصحة النفسية.