"الراب".. من شوارع هارلم الخلفية إلى أزقة منفوحة العتيقة!
عندما يتحول المنتج المحكي إلى أداة لانتشار ثقافة معينة إلى شتى أنحاء العالم، فذلك منتج جدير بالدراسة والتفكيك لمعرفة سر هذا السحر الذي مكنه من ذلك، و"الراب" أحد هذه المنتجات التي وصلت إلى مختلف أنحاء العالم، بعد أن تحول من ثقافة زنجية محدودة التأثير، إلى ثورة عالمية على الكلمة والموسيقى والانضباط الاجتماعي ككل، وصلت إلى بكين وسمرقند ومقديشو وحتى منفوحة!
الراب في اللغة الإنجليزية يعني "الجدل والنقاش من دون رسميات"، بدأ قبل قيام أمريكا الحديثة في مجالس شعراء غرب إفريقيا، وظهر إعلاميا في سبعينيات القرن العشرين في ضواحي نيويورك الفقيرة، ليمثل ثقافة الأقليات المضطهدة الواقعة تحت خط الفقر.
بدخول الثمانينيات تحول إلى حركة فنية لها شكلها و توابعها مثل الرقص بالنقر والرسم التشكيلي المسمى (غرافيتي)، على أعتاب القرن الواحد والعشرين وتحديدا عقد التسعينيات تحول إلى حرب عصابات (تصفية الحسابات بالكلام المقفى والموزون) وتحديات مجنونة لبلوغ الشهرة، وهو ما أدى إلى قتل اثنين من أشهر مغنيي الراب آنذاك هما "توباك" و"بي أي جي".
مواضيع تحت الرصيف!
ناقش الراب مواضيع في صميم مشاكل الأقليات الملونة في أمريكا الحديثة مثل اللاتينيين و الزنوج، وكُتبت أغان في الفقر والبطالة ونوقشت سياسة الحكومة تجاه الداخل والخارج. وتميز فن الراب بالتناقضات فتارة نستمع إلى من يحرض على الجريمة والقتل وآخر يحاربها! ثم نجد مغن يدعو إلى مكافحة المخدرات فيما يمجد الماريجوانا والكوك من ناحية أخرى.
وأهم ما يميز مواضيع الراب عدم تطرقها للحب والرومانسية بشكل نادر جدا، وهذا ما يصنع الاختلاف بين هذا اللون والأدب المحكي لدينا، إذ ينظر مغنيي الراب للرومانسية كانتقاص لاحترافيتهم، معتبرين أنه روتين عالجه الشعر الكلاسيكي من قبل ولا يحتاج إلى إضافات منهم! الراب في أمريكا يشبه لوحة دعائية كبيرة تم استغلالها جيدا للتسويق للموضة، محاربة الإيدز، جمع التبرعات لمرضى السرطان، وأمور أخرى قد تتناقض أكثر مما تتآلف.
اللغة والتركيب
حوّل الراب اللغة العامية في أمريكا من لغة "درجة ثانية"، إلى لهجة يتمرن عليها الملايين بحثاً عن الشهرة، غريبة الأطوار بكلماتها المحرفة عن الأصل وكلماتها المستحدثة تماما والخارجة عن إطار الإنجليزية في أحايين كثيرة. إلا أن المميز هنا أن كُتاب الراب يلتزمون بقواعد الشعر الكلاسيكي الثابتة، مثل القافية والوزن والسجع، ويستخدمون الطباق والمجاز كثيرا.
أما فن الإلقاء فهو مميز جدا في الراب، إذ ينظم مغني الراب بطريقة متفوقة ومرتبة صوتيا تعتمد على النغمة الختامية، ويتطلب إلقاءه سرعة كبيرة لكي لا يخل بالتناغم الكلي للأغنية.
في بداية ظهور الراب كانت النغمات الختامية بسيطة والإيقاع سريعا، أما في العصر الذهبي له، فقد بدأت مرحلة التفنن بالمفردات واختراعها، وحالياً أصبحت كلمات الراب أكثر مرونة ومتغيره، ومن أشهر المغنين الذين يتقنون التلاعب بالنغمات والكلمات "سنوب دوغ".
التأثير في المجتمع والشباب
رسم هذا الفن إيديولوجية جديدة شعارها البقاء للأقوى وتشجيع الابتكار في المفردات والصرعات، ومع بداية القرن الواحد والعشرين توجه نجوم كثر لمساعدة مؤسسات رعاية الشباب في نشر الوعي الوطني، الاهتمام بالدراسة، ومحاربة المخدرات والعنف، فتحول الراب من فن للفقراء إلى أكبر مورد للشهرة والمليارات، وهو الأمر الذي جعل شريحة كبيرة من الشبان الموهوبين يتطلعون للثروة، وجعل أبناء البيض الأنجلوساكسون وهم أرقى الطبقات الاجتماعية في أمريكا يسابقون الشبان السود لارتقاء قمة المجد والثراء من خلال الراب.
ومن الأسماء المهمة والشهيرة في عالم الراب الآن "امنيم"، وهو أول مغن وكاتب راب أمريكي غير ملون يحصل على رقم موسوعة جينيس القياسي في مبيعات السي دي لأغاني الراب، أيضا هناك كانيي ويست، وهو أمريكي إفريقي من الطبقة المتوسطة حصل على غالبية جوائز غرامي للموسيقى الأمريكية في عام 2006، وأعلن بقدومه حالة الخطر لدى الكثير من الموسيقيين والشعراء الكلاسيكيين الأمريكيين، أما المغني الشهير الثالث الآن فهو "50 cent"، وهو مغن وكاتب و ممثل، ويعتبر الأوسع انتشارا في جيل الراب الشباب حول العالم.