سورية .. لماذا تغيير المواقف؟

[email protected]

لم تكن تصريحات فاروق الشرع نائب الرئيس السوري الأربعاء الماضي موفقة على الأقل من الناحية الدبلوماسية. فقد ذكر الشرع في معرض شرحه أسباب "تراجع" العلاقات بين سورية والسعودية "أن العلاقة مع السعودية فيها الكثير من الشخصانية كعلاقتنا مع شيراك". ثم أضاف: "نحن كعرب نغضب بسرعة ونهدأ بسرعة وبالتالي ستأتي فترة الهدوء". لم يعد خافياً أن هذه التصريحات – ذات النوعية الجديدة – تؤدي بالدرجة الأولى إلى الإساءة إلى العلاقات السعودية – السورية.
وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل عقب على الموضوع بأنه أفضل عندما يصرح وزراء الخارجية ألا يرد بعضهم على بعض في العالم العربي, وهذا أجدى للعلاقات العربية. أما عن وصف الشرع العلاقات السعودية - السورية بأنها تأزمت لأسباب شخصية, فقد ترفع الأمير سعود عن الخوض في سجال قائلاً بلباقته المعهودة: "أنا لم أر أن هناك أشخاصا في المملكة أو أحداً تسبب في إساءة أو جمود العلاقة، وسورية بلد غال علي أي حال". جريدة "قاسيون" الصادرة عن الحزب الشيوعي السوري قالت في مطلع هذا الأسبوع إن أوساطا سورية استوقفتها كلمة "إساءة" الواردة في رد الأمير سعود الفيصل على الشرع. "قاسيون" قالت أيضاً "إنه لم يعد خافياً أن القيادة السعودية مستاءة مما ورد في خطاب الرئيس بشار الأسد بعد توقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، لوصفه بعض المسؤولين العرب بـ (أنصاف الرجال)".
ما الذي قلب الموقف السوري – على مستوى نائب الرئيس السوري على الأقل – رأساً على عقب؟ لقد أكد الملك عبد الله بن عبد العزيز، خلال اجتماعه في 8/1/2006 في جدة مع الرئيس السوري بشار الأسد حرص السعودية على "ضرورة تعزيز العلاقات السورية – اللبنانية في جميع المجالات بما يحفظ مصالح البلدين الشقيقين وأمن المنطقة". يبدو أن الشرع نسي أن الملك عبد الله استقبل بحفاوة الرئيس السوري في مطار جدة واصطحبه إلى قصره وأقام له مأدبة غداء تكريمية، أعقبتها محادثات حضرها من ضمن شخصيات أخرى وزير الخارجية السوري الشرع. البيان المشترك عقب انتهاء المحادثات أكد أن القمة تمت في أجواء ودية وإيجابية، وجرت خلالها محادثات مستفيضة تتعلق بآخر المستجدات في المنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين الشقيقين". وكعادة المملكة في حالة استضافة رؤساء الدول العربية الشقيقة خلص البيان إلى أن الزعيمين اتفقا "على تفعيل اللجنة السعودية - السورية المشتركة وتكثيف الاتصالات بين الجانبين في كل ما من شأنه خدمة القضايا العربية والإسلامية". مما يستدعي السؤال مرة أخرى: ما الذي قلب الموقف السوري – على مستوى نائب الرئيس السوري على الأقل – رأساً على عقب؟
كذلك يبدو أن الشرع قد نسي الزيارة التي قام بها وزير الإعلام السوري محسن بلال للسعودية في منتصف أيلول (سبتمبر) الماضي وقد نقلت عنه وسائل الإعلام ارتياحه لنتائج الزيارة. شرعت السعودية الأبواب لوزير الإعلام السوري لعقد اللقاءات الجانبية مع قيادات سعودية على هامش مشاركته في اجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي. لا حظ الجميع أن الإعلام السعودي تعاطى إيجابياً مع الملف السوري وشجع على وقف التحامل على الإدارة السورية إزاء موقفها من الوضع في لبنان. لقد حافظت السعودية على علاقتها مع الشقيقة سورية على الرغم من العزلة الإقليمية والدولية التي تعانيها سورية إثر اغتيال رفيق الحريري وتأزم الوضع في لبنان. إلا أن سورية على ما يبدو استمدت قوتها من الوضع المتأزم الحالي في لبنان, الذي قد يتجه, لا سمح الله, إلى مزيد من البلاء والدمار على الشعب اللبناني كله من أقصاه إلى أقصاه.

ليس هذا الوقت المناسب لفتح الملفات القديمة, خاصة الحوادث التي تعرض لها عدد من المواطنين السعوديين الذين أمضوا إجازة الصيف في سورية, ومن سوء المعاملة التي عوملوا بها من قبل بعض السوريين، مما يدعو إلى التساؤل عن إمكانية فصل (أو عدم فصل) مثل هذه الوقائع عن الإطار السياسي للعلاقات السعودية ـ السورية. كما أن هذا المجال ليس هنا لتقديم البيانات التفصيلية بالمساعدات السعودية للشقيقة سورية في أوقات الشدة أو الوقوف بجانبها في المحافل الدولية من منطلق المصلحة العربية المشتركة. في نهاية المطاف، لسنا في حاجة إلى دروس في آداب العلاقات الدولية ممن في أمس الحاجة إلى تحسين أوضاعهم الداخلية والإقليمية والدولية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي