الشخصنة !!

الشخصنة !!

إذا تتبعنا المرحلة النقدية في الساحة المحلية والخارجية، نلحظ أن هناك دسامة في الانحياز تبعث إلى النفس ارتفاع في مستوى ذهنيات النقد، يتخلل نظرة ضيقة لتحيز خاص، بينما يظن أن ثمة تفعيل ما نحو التجرد والموضوعية من الميول الشخصية واتجاهات العواطف، إلا أنها تنطلي بطلاء الشخصنة، ولا أظن أن أحداً ينكر وجود مثل هذه المواقف والأهواء المنحازة، ولئن أوردتُ شيئاً من ذلك، فإنه سيطوقني أحدهم بالشخصنة التي لا انفكاك منها بطبيعة الحال.
التعامل مع الشخصنة يختلف باختلاف تناول الشخص لأدواتها، إما أنها شخصنة بالتعظيم، حينما تصل إلى حد تقديس الأفكار أو الآراء أو المواقف أو الأحداث بمجرد ربطها بشخص عظيم. وإما أنها شخصنة بالتقزيم، حيث يستلهم التهوين والإزراء والإدانة والاحتقار والتبخيس، وذلك لأنها صدرت من شخص متهم أو مصنف تصنيفاُ وضيعاً.
إن الحكم على الأفكار والمواقف بناء على تصورنا الشخصي وعلى انتمائنا، وليس بناء على رأي علمي موضوعي، ربما يصل بنا الأمر إلى محل التجريم والإدانة في القوانين والتشريعات. فتعظيم بعض الأشعار لمجرد نسبتها إلى شعراء مشهورين، أو تصحيح بعض الأحكام الفقهية بمجرد روايتها عن فقهاء معتبرين، والحكم على المواقف والأحداث بأنها مواقف عظيمة أو ملهمة لأن من قام بها هو عظيم أو ملهم، إنها خارجة عن الموضوعية. كما أنه ليس من حق شخص ما أن يضع لائحة يستبعد فيها فئة من الناس ويسترضي فئة أخرى فهذا التمييز لا يجوز على المستوى العملي.
لذا فإن الشخصنة ترى الموضوعات المطروحة من خلال ما في النفس، فيتحول نقدنا لهجوم على الشخص أو الفكرة، وليس أدل على ذلك من أن كثيراً من أمتنا يختزلون الأزمات التي تلم بنا في الأشخاص، وهكذا حتى تتعدد المظاهر لسلوك واحد، ينطوي على أثرها استبعاد المنطق والعدالة والإنصاف الموضوعي من الحكم أو السلوك بسبب موقف شخصي، أو حكم شخصي أو رأي شخصي. وسواء تمت بدافع المجاملة أو الإحسان أو رد الجميل، أو وقعت بدافع الحقد والحسد والاختلاف العقدي أو السياسي. لكن ما هو مفروض علينا هو التجرد من الميول والاتجاهات وكل ما يؤثر في اتجاه الأحكام، والسعي وراء نزاهة الرأي وتصحيح الموقف بالموضوعية.

الأكثر قراءة