بارت سلعة (التراب) أيها المحتكرون
تجلّتْ الكثير من الحقائق بعد اللقاء التلفزيوني لوزير الإسكان مع الزميل عبد الله المديفر، الذي تطرق بالحديث عن تفاصيل أمر خادم الحرمين الشريفين بأن يتم تحويل الأراضي الحكومية المخصصة للسكن إلى وزارة الإسكان، وإقرار برنامج أرض وقرض، على أن تكون الأرض الممنوحة للمواطن مشمولة بالتطوير اللازم لها على مستوى البنية التحتية.
إنْ أوفى وزير الإسكان بالتنفيذ الكامل لكل ما وعد به؛ حول عزْم وزارته ضخ أكبر قدر ممكن من الأراضي في السوق (جانب العرض)، بهدف إعادة التوازن للسوق، الذي بدوره سيسهم في خفض مستويات الأسعار المجنونة التي وصلت إليها، إضافةً إلى وضع عدد من التشريعات الكفيلة بالحدِّ من بقاء تلك الأراضي مخزّنات للثروة أو كأوعية استثمارية، لعل من أهمها فرض الرسوم على الأراضي البيضاء، وفرض رسوم إضافية أخرى على الأراضي المطوّرة داخل النطاق العمراني المشمول بالخدمات البلدية، لتصبح الرسوم المفروضة عليها أكبر! وأن وزارة الإسكان في طريقها لاتخاذ الإجراءات الكافية لمنع تمرير تكلفة تلك الرسوم إلى المشتري التالي، وأخيراً وهو الأهم، أن الدولة ستقوم بنزع ملكية الأراضي من ملاكها إذا تأخروا في إعمارها، مع تأكيده ألا نية للدولة لشراء أي أراض من المعروض الراهن في السوق. أؤكد إن أوفى وزير الإسكان بكل تلك الوعود قريباً، فإن رؤية تصحيح قريب لأسعار الأراضي أصبح منظوراً وملموساً؛ قياساً على ما سأبيّنه بعد قليل!
لطالما كانت تلك الآليات هي جوهر مختلف الطروحات الاقتصادية السابقة، التي تطرقت إلى أسباب الأزمة الإسكانية في السعودية طوال السنوات الماضية، وطالبتْ بها بشتى الوسائل المتاحة. ولأن الأزمة ظلت تشتعل نيرانها عاماً بعد عام، والذي تمَّ التحذير من مخاطره طوال تلك الفترة؛ لعل من أخطر محاذيرها أن تكلفة الحل ستتفاقم مع كل ساعة تأخير! وقد وقع الأغلبية في فخِّ (1) عمليات التدوير المضللة للمساهمات باعتراف بعض روّاد القطاع العقاري أخيرا، وأن أغلبية تلك المساهمات بملايين الريالات منفردة التي لا تمر ساعة على بدئها إلا وقد تم بيعها بالكامل! لم تكن سوى تمثيلية مزيفة ومضللة، أراد مؤلفوها زرواً وبهتاناً إيحاء المجتمع والجهات الرقابية بقوة الطلب المحلي الناتج على القدرة المالية المرتفعة لدى الأفراد، ومن ثم فلا حاجة إلى أي تدخل من الدولة. بينما في واقع الحال لم تتعدَّ تلك العمليات المضللة محيط (الدبابير) التي تواطأت على تنفيذها بالتنسيق المسبق بين أقطابها ومجموعة محددة من قروبات المتاجرة بالأراضي. زاد من وقع الكارثة (2) تجنيد العديد من الكتاب والإعلاميين لتأييد وتضخيم تلك العمليات المضللة، وأنها نتيجة الرخاء الاقتصادي والمادي الذي ينعم به أغلبية الأفراد في مجتمعنا! إضافة إلى تولّيها الهجوم على أية آراء تطالب بسرعة تدخل الدولة بالأدوات التي تم ذكرها أعلاه، والتي تبنتها وزارة الإسكان أخيراً..
ذكرتها سابقاً أكثر من مرة، وأؤكدها الآن؛ الأزمة الإسكانية وغيرها من الأزمات والتحديات الاقتصادية الأخرى التي يواجهها اقتصادنا، لم تكن سوى نتيجةً مفجعة لحالة التشوهات الهيكلية التي تتغلغل في جسد الاقتصاد السعودي، والتي عجزت بكل أسف السياسات الاقتصادية الراهنة (المرسومة منذ أكثر من أربعة عقود مضت) في حلها، بل إن بعضها قد أدى بأسف أكبر إلى تفاقمها واتساع نطاقاتها! كان من أخطرها عدم القدرة على خلق مشاريع إنتاجية تعزز من القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني، التي بدورها ستفتح المزيد من القنوات الاستثمارية في الداخل، لتمتص من جانب الفوائض المالية والثروات التي حبا الله بها اقتصادنا، ومن جانب آخر لتتشكل لدينا مشاريع محلية عملاقة تسهم في توظيف شباب وبنات الوطن في فرص عمل، تتسم بارتفاع نوعيتها ومستوى دخلها. لكن لم يحدث أي من كل هذا أو حتى بعضه! فجاءت النتائج كما شهدنا طوال العقود الأربعة الماضية ونشهده في الوقت الراهن، وحدث أن تحولت الأرض من أصل إنتاجي يجب توظيفه في المصلحة العامة إلى سلعة محتكرة تم توظيفها لمصلحة مجموعة ضيقة جداً من الأفراد! فجاءت إحدى نتائجها وليس كلها؛ الأزمة الإسكانية!
إننا جميعاً معك يا وزير الإسكان، ندعمك وندعو الله أن يسدد خطواتك، وأن يتمم عملك أنت وجميع من معك في وزارة الإسكان.. سننتظر، وسندع (سلع التراب) تبور في أيادي المحتكرين.