مَن حضرتك حتى تنتقدني؟
لطالما غبطت الناس الذين يتقبلون النقد بكل رحابة صدر، ربما لأنني لم أولد بهذه الصفة، فخلال حياتي الشخصية والعملية لم أكن أتقبل النقد حتى لو كان صادقا. في اللحظة التي أستمع فيها لنقد تتسارع نبضات قلبي وعقلي معا أولا في البحث عن سبب النقد وكيفية الرد عليه.
ولست الوحيد في ذلك، ففي حموة اللحظة العديد منا تكون ردة فعله دفاعية وغاضبة، أو تتعدى إلى التعدي الجسدي. والحقيقة يجب أن نتجاوز هذه الانفعالات، وفي قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ''لا تغضب'' نبراس طالما افتقدنا الاقتباس منه.
نحن نعلم أن هناك أهمية للنقد البناء، لذا يلزم علينا أن نتعامل معه بهدوء ومهنية، ما يوثق العلاقات البشرية، ونكون ناجحين في كل ما نعمل. إذاً كيف نتعلم ألا نكون دفاعيين؟ في المرة القادمة عندما تتلقى نقدا بنّاء من مديرك أو أحد زملائك أو أصدقائك، استخدم الخطوات البسيطة التالية للتعامل مع الأمر بلباقة وكياسة:
- أوقف ردة فعلك الغاضبة أولا: عند أول إيماءة للنقد توقف ولا تفعل أو تقول أي شيء خلال ثانية، ربما تكون الثانية وجيزة في الحياة، لكنها فترة كافية لعقلك للتعامل مع الأمر، وبذا عطلت الانعكاسات التي عادة تبدو على محياك أو القيام بردة فعل لاذعة وأعطيت عقلك مهلة بأن تكون هادئا.
- تذكر فائدة النقد: والآن أتح لنفسك ثواني سريعة لتذكر نفسك بفوائد النقد البناء وتقلص انفعالاتك تجاه الشخص الناقد، خاصة إذا كان مصدرها زميل في مستواك أو شخص ''لا تكن له أي تقدير''، لكن تذكر أن النقد البناء قد يأتي من مصادر ''مضروبة''، وكما يقول المثل الشعبي ''البندق العوجاء تجي منها رمية''.
- اصغِ لتتفهم: الآن تفاديت ردة فعلك المعتادة وفكرك الآن يعمل ''صح'' واسترجعت فوائد النقد ''برافو عليك''. والآن أنت مهيأ للدخول في حوار بناء، لأن تفكيرك في وضع هادئ بعكس التفكير التهجمي. عندما يبدأ الشخص بطرح نقد، استمع من كثب ودعه يكمل جميع ما يود قوله دون أي مقاطعة، وأعد ما فهمته من كلامه. في هذه الآونة تفادَ تحليل النقد وركز على فحوى النقد ووجهة النظر وانظر إلى النقد بحسن نية، فقد يكون الناقد عند تحدثه إليك متوترا أو غير قادر على توصيل فكرته، فتمهل معه.
- اشكره: أعلم أن هذا أصعب جزء، لكن اتجه بنظرك إلى الشخص واشكره على نقده، كأن تقول ''أقدر أخذك الوقت للتحدث إلي بخصوص هذا الأمر''. إن تقديرك لملاحظته لا تعني أنك تتفق معه بخصوصها، لكنك تثمن لزميلك الجهد في التفكير فيك.
- اسأل أسئلة توضيحية عن الملاحظة: الآن حان الوقت للتحقق أنك فهمت فحوى النقد وتوضيح وجهة نظرك. تفادَ الدخول في مناظرة، لكن اسأل لاستكشاف الجذور الحقيقية للمسألة المثارة، وسبل التعامل لحلها.
- التمس وقتا للتأمل: في هذه المرحلة من النقاش من المؤمل أنه تكونت لديك فكرة عما ستفعله تجاه التعامل مع الأمر، ويمكنك إعطاؤه لمحة عما ستفعله تجاه الملاحظة، واشكره مرة أخرى على نقده البناء، واتجه لتصحيح الوضع.
النقد البناء قد يكون السبيل الوحيدة لأن نتعرف على مواطن الضعف لدينا، ومن دونه لا يمكننا أن نتحسن. عندما نتخذ موقفا دفاعيا بدلا من قبوله أو تفهمه فنحن نتجه لتفويت ملاحظات قيمة. تذكر وبالتأكيد ليس بالأمر السهل، أن النقد الهادف سيكون أداة عون لنا في الحاضر والمستقبل.