الموقف التركي من «تويتر» يُربك المبشرين بالإسلام السياسي في السعودية

الموقف التركي من «تويتر» يُربك المبشرين بالإسلام السياسي في السعودية
الموقف التركي من «تويتر» يُربك المبشرين بالإسلام السياسي في السعودية
الموقف التركي من «تويتر» يُربك المبشرين بالإسلام السياسي في السعودية
الموقف التركي من «تويتر» يُربك المبشرين بالإسلام السياسي في السعودية

ضجت وكالات الأنباء العالمية قبل أيام, بطلب السلطات التركية من شركة تويتر إنشاء مكتب تمثيلي لها داخل البلاد يمنح تركيا قبضة أكثر إحكاما على موقع المدونات الصغيرة هذا.

القصة لمن لا يعرفها, هو أن السلطات التركية رأت أن "تويتر" كان محرضا رئيسا على المظاهرات المناهضة لحكومة أوردغان التركية, ببث الشائعات والتحريض وتوجيه الإهانات لرموز تركية.

وقال بينالي يلدريم وزير النقل والاتصالات للصحافيين:" دون وجود للشركة في البلاد، فإن الحكومة التركية لا تستطيع الوصول بسرعة لمسؤولي تويتر وإصدار أوامر لهم بمسح محتوى أو طلبات للحصول على بيانات مستخدمين".

وأضاف ''عندما تطلب معلومات نرغب في أن نرى شخصا ما في تركيا يمكنه تقديمها، فهناك حاجة إلى وجود محاور يمكننا تقديم شكوانا إليها، ويمكنها تصحيح الخطأ إذا ما كان هناك خطأ''.

هذا الخبر كان له أشبه ما يكون بانعكاس الظل على حركيي "الإسلام السياسي" من "إخوان" وغيرهم في المشهد السعودي.

والحال, أن هذا التحليل يسعى لاستقراء بعض الملامح من جانبين للحدث, الأول كيف أظهرت هذه المواقف المتناقضة من القرار التركي ازدواجية في مفهوم "الحرية" التي يرفعونها كشعار للمرحلة (مع احترام القرار السيادي التركي الذي هو ليس موضع النقاش) إضافة إلى الخلط بين مفهوم "القيم" و"الأدوات"؟

الجانب الآخر هو عن هاجس "الأمن القومي" الذي يؤرق دول العالم أجمع من أولها إلى ثالثها. حيث باتت وسائل التواصل الاجتماعي مرتعاً للتنظيمات الإرهابية وبث الشائعات, والتحريض على العنف, والاغتيال الجسدي والمعنوي.

الديمقراطية والنتائج غير الديمقراطية

منذ اندلاع ما عرف بـ "الربيع العربي" في منطقة الشرق الأوسط, وشعاراته الديمقراطية, تم الترويج لوسائل التواصل الاجتماعي على أنها المتنفس "الحقيقي" لإرادة الشعوب "الحرة", وذلك بالطبع على حساب وسائل الإعلام المحترفة الأكثر رصانة.

المشهد السعودي, في شقه "التويتري" كان جزءاً من هذا الحراك "الافتراضي". وقادت فيه محركات "إخوانية" و"يسارية" الهوى حملات تأليب وتجييش وتشويه منظمة تجاه المؤسسات الحكومية المعنية بالسيادة, وتبنت ملفات تؤثر مباشرة في السِلْم الاجتماعي, مثل ملفات "المعتقلين الأمنيين" لتنظيم القاعدة الإرهابي. ( راجع موضوع "تويتر حليف القاعدة المعقد" في هذه الصحيفة بتاريخ 2013-03-20).

#2#

وكان ولا يزال أي محاولة لتنظيم عمل هذا الفضاء الإلكتروني من قبل المؤسسات الحكومية المعنية, يجابه بحملة نقد واسعة تدافع عن "حرية التعبير" المفترضة.

وتقود بالتالي لحملة من التأليب الشعبي على هذه القرارات السيادية للدولة التي تسعى من خلالها إلى ضمان الأمن القومي.

ذات الرموز الحركية من تيار "الإسلام السياسي" التي ترى في التجربة التركية النموذج "الحلم" غصت بوسائل التواصل الاجتماعي وتحديدا "تويتر" الناقم على الحكومة الإخوانية في تركيا، خصوصاً أن غالبية المناهضين للنظام التركي الذين استخدموا "تويتر" للتأليب والنزول للشارع هم من القوى العلمانية التركية (معظم الأحزاب التركية العلمانية, علمانيتها قومية وليست ليبرالية).

في هذا السياق, يحيل يوسف الديني الكاتب والباحث في الحركات الإسلامية النقاش إلى عمق أبعد في التساؤل, قائلاً: "ذات مرة تساءل الباحث الأمريكي غراهام فوللر : هل كان الإسلاميون سيعتنقون الديمقراطية وحقوق الإنسان, لو لم يكونوا أول المستفيدين منها؟ هذا السؤال مدخل لفهم ازدواجية العلاقة بين قيم الديمقراطية التي لا يستطيع هضمها الإسلام السياسي, كما بدا واضحاً في تركيا الملهمة وباقي التجارب الربيعية الأكثر فشلاً , وبين الديمقراطية كأداة قابلة للاستخدام".

تيار "الإسلام السياسي" في الداخل السعودي ينظر للنموذج التركي على أنه الرافعة الحقيقية لأحلام وتطلعات محظورة, مستفيداً من حركات التمرد التي لفت العالم العربي تحت اسم "الربيع العربي", خصوصاً مع وصول القوى الإخوانية في غالبية دول "الربيع" للسلطة ومقاليد الحكم.

#3#

فلم يتوان هذا التيار الحركي عن التغاضي عن التدخل "الخشن" لقوات الشرطة التركية في فض الاعتصامات, وتحول الخطاب المنادي باحترام رغبات الشعوب إلى تبرير كل تصرفات الحكومة التركية, وآخرها محاولة إعادة التنظيم لمعلومات المشاركين في مواقع التواصل الاجتماعي المتهمة بتحشيد الشارع ببث الشائعات وتوجيه الإهانات للقيادة السياسية, حتى لو كانت ضد قيم الحرية التي يدعون إليها في الداخل.

هذا التناقض في خطاب الحركيين من رموز التيار السياسي يشرحه الديني بقوله: "هناك خطأ في التفريق بين "القيم " وبين الأدوات ، فقيم الحرية وحق الإنسان في التعبير .. إلخ هي حزمة لا يمكن أن تجد طريقها بمجرد رفعها كشعار انتخابي, أو شعار عاطفي, ما لم تستمد من ثقافة مجتمعية راسخة.

إضافة إلى تشريعات صارمة تمنع استخدامها على شكل سلبي . من هنا تم اختزال السياق الطويل من قبل الحركيين السعوديين لعلاقة القيم بالممارسة .

وتمت الدعوة إلى محاولة إحراج السلطة بمطالباتها وتطبيقاتها , دون إعطاء أي اعتبار للقيم في ذاتها ومدى تمثيل طبقات المجتمع لها, بما في ذلك الداعون لها من المسيّسين لقضايا الحرية".

وأزمة استخدام وسائل التقنية كبديل لسقوف حرية منخفضة في العالم العربي أفضى إلى خلق شخصيات اعتبارية وهمية في الواقع الافتراضي, تنفجر بمكبوتها الشخصي والانطباعي أكثر من ممارستها لحرية التعبير ، ولو أخذنا حجم المعارك الوهمية والاعتداء والمخالفات لحقوق الإنسان, لربما فاق مساحة حرية التعبير وفق شروطها القانونية, وتلك قصة أخرى.

الإنترنت وتهديد الأمن القومي

#4#

يرى الصحافي الأمريكي روبرت كابلن، في كتابه الصادر في عام 2002 تحت عنوان "المحارب السياسي" أن ثورة المعلومات ليست بالضرورة ستقود إلى واحات من الديمقراطية والشفافية وحرية التعبير بمفهومها الوردي، ويقول ما نصه: "ومن المتوقع أن القدرة على استخدام الإنترنت من خلال أجهزة الكمبيوتر وأجهزة الجوال ستزيد من 2.5 في المائة بين السكان في العالم حاليا إلى 30 في المائة بحلول 2010.

ولكن لا يزال الـ 70 في المائة الباقون غير متصلين بهذه البيانات ونحو النصف لم يقوموا بمكالمة تلفونية.

وسيكون مقدار التفاوت كبيرا، فيما سيتمتع الإرهاب الناشئ من هذا التفاوت بموارد تقنية غير مسبوقة".

ويزيد كابلن في قراءة لماحة سبق فيها الواقع بعقد من الزمان "ولن يشجع انتشار المعلومات الاستقرار بالضرورة. كما لم يؤد اختراع يوهانيس غوتنبيرغ للطباعة المتحركة في منتصف القرن الخامس عشر إلى الإصلاح فحسب، ولكنه أدى لاندلاع الحروب الدينية التي تلته، لأن الانتشار المفاجئ للنصوص شجع الخلافات المذهبية وأيقظ مظالم كانت هاجعة لفترة طويلة.

ولن يؤدي انتشار المعلومات خلال العقود المقبلة إلى ظهور تفاهمات ومواثيق اجتماعية جديدة فحسب، ولكنه سيؤدي إلى حدوث انقسامات جديدة مع اكتشاف الناس مسائل جديدة ومعقدة يمكنهم الاختلاف عليها.

وأنا أركز على الجانب المظلم لكل تطور ليس لأن المستقبل سيكون سيئا بالضرورة، ولكن لأن هذا ما كانت تدور حوله الأزمات السياسية الخارجية دائما".

بعيداً عن النظرة الاستشرافية لكابلن, وبالعودة للواقع الحالي, فأحداث تفجيرات "بوسطن" الشهيرة, وأحداث الشغب والنهب في بريطانيا.

فجرت أسئلة حقيقة حول ما إذا كانت التهديدات التي التي تواجه الأنظمة السياسية ومجتمعاتها سيكون معظمها قادما من الإنترنت, ووسائل التواصل الاجتماعي.

غير أن المفاجأة التي شغلت الإعلام الغربي والدول "الديمقراطية" كانت على مستويين.

الأول هو كشف صحيفة "الجارديان" البريطانية في السابع من حزيران (يونيو) الماضي لوثيقة تحصلت الصحيفة عليها، وتأكدت من صحتها، وهي عبارة عن وثيقة مصنفة بـ "عالية السرية" وممنوعة التوزيع، ومكونة من 41 شريحة عرض مرئي تفيد بأن لدى وكالة الأمن القومي الأمريكي خاصية الدخول المباشر لأنظمة كل من شركات جوجل، وفيسبوك، وأبل وغيرها من شركات الإنترنت العملاقة في الولايات المتحدة.

وأضافت الصحيفة أن خاصية الوصول التي لدى الوكالة هي جزء من برنامج الوكالة "بريزم" وهو برنامج يتيح لمسؤولي الوكالة جمع المعلومات بما فيها تواريخ البحث، ومحتوى البريد الإلكتروني، ونقل الملفات وبرامج المحادثات الحية.

وقالت الصحيفة إن هذه الوثيقة قد أعدت على ما يبدو لتقدم لأغراض تدريبية على عمليات المراقبة والبحث على برنامج "بريزم"، لافتة إلى أن الوثيقة تشير إلى أن عمليات جمع المعلومات تتم بالدخول مباشرة على خوادم مزودي الخدمات الرئيسيين في الولايات المتحدة.

وحول خبر فضح برنامج وكالة الأمن القومي الأمريكي "بريزم" لمراقبة المكالمات الهاتفية التي ظهرت أخيرا، كشف مركز الدراسات الأمريكي PEW في العاشر من حزيران (يونيو) الماضي عن نتائج استطلاع قام بها المركز بالتعاون مع صحيفة "واشنطن بوست" حول ردود أفعال المواطنين الأمريكيين – تحديداً - تجاه برنامج وكالة الأمن القومي الأمريكية.

وتحت عنوان غالبية الأمريكيين ينظرون إلى برنامج وكالة الأمن القومي لمراقبة المكالمات أمر مقبول، أظهر الاستطلاع أن نسبة 56 في المائة من الأمريكيين يرون أن برنامج الوكالة لمراقبة سجلات مكالمات ملايين الأمريكيين هو عمل مقبول طالما أنه يمثل إحدى الطرق الممكِّنة للتحقيق في نشاطات إرهابية محتملة. فيما رفض 41 في المائة من المستطلعين ما قامت به الوكالة على أنه أمر غير مقبول.

أما فيما يخص مبدأ قيام الحكومة الأمريكية بمراقبة الاتصالات عندما تقدر أن هناك تهديدات إرهابية محتملة، أظهر الاستطلاع أن نسبة 62 في المائة يرون أنه من المهم أن تقوم الحكومة بالتحقيق في التهديدات الإرهابية المحتملة حتى وإن ترتب على ذلك التطفل على الخصوصية الشخصية.

وبالطبع هذه القصة لم تكن الوحيدة, التي تبين مدى التهديد للأمن القومي والسيادي للدول, الذي يمارس من خلال أسماء وهمية أو جهات غير معروفة في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.

ففي أحداث الشغب والنهب التي عمت بريطانيا في عام 2011، كانت السلطات البريطانية, حذرت من أنها ستراقب بدقة كل التغريدات التي تحرض على العنف والكراهية، ووعدت بأنها ستقدمهم إلى العدالة.

وعلى الرغم من أن شركة "تويتر" استبعدت إبان أحداث شغب لندن أن تقوم بإيقاف معرفات مستخدمين يحرضون على العنف والكراهية ، إلا أن صحيفة "التلغراف" نقلت في 9 آب (أغسطس) 2011 على موقعها الإلكتروني عن المتحدث الرسمي باسم تويتر أنه "رفض الإفصاح للصحيفة حول حقيقة ما إذا كان موقع التدوين المصغر تويتر قد تعاون بالفعل مع الحكومة البريطانية في تحديد مواقع المحرضين على موقع الشركة" كما رفض المتحدث التعليق على سؤال ماذا كان تويتر "قد زود السلطات البريطانية بمعلومات الاتصال بالمستخدمين" وترك الإجابات معلقة.

وسائل التواصل الاجتماعي باتت ضرورة حياتية, وجزءا من نمط الحياة السريع الذي يلف حياة الفرد اليومية, ولكن الفرد ذاته لن يكون سعيداً وهو يرى كم يمكن لهذه الوسائل أن تشكل خطرا على سلمه الاجتماعي, إن لم تحظ بتنظيمات وتشريعات لا تؤثر على حريته في التواصل, ولكنها تضبط من يريد التعدي على هذه الحرية رافعاً شعارات الاستقرار لمجتمعات يسعى إلى تقسيمها من حيث علم أو لم يعلم.

الأكثر قراءة