ماذا يشغل الشارع السعودي؟
سألت ممتاز ـ العامل الآسيوي في سوق "الحلقة" ـ عن سبب ارتفاع سعر حزمة الفجل، فأجاب: ارتفاع سعر الدولار!
قلت له اشرح لي.
قال بسرعة بدهية: السعودية حظرت استيراد الخضراوات من دول الاتحاد الأوروبي خوفاً من تلوّثها بالبكتيريا، فبدأنا باستيرادها من الأردن.
سألته: وما علاقة الفجل والأردن بالدولار؟ فقال بكل ثقة: بعد توقف الاستيراد من أوروبا، انخفض اليورو وارتفع الدولار. نحن نشتري الخضراوات من الأردن بالدولار، وبالتالي ارتفعت أسعار الخضراوات.
انحنى ممتاز وهمس في أذني بصوت منخفض: وزير الزراعة السعودي منع استيراد الخيار الإسباني، وهذا خبر مفرح لهولندا وفرنسا.
لم تكن هذه محاضرة في الاقتصاد العالمي في قاعة في الجامعة، بل حديث تلقائي من عامل آسيوي يعرف جيداً خبايا السوق ومتاهاته المتشابكة.
مضت حقبة سكون الشارع السعودي للأسرار، فأصبح المواطن اليوم يعبّر عن رأيه أحياناً بتحفظ وعقلانية وأحياناً أخرى باندفاع وعاطفية. الشارع اليوم منشغل بغلاء الأسعار، وضعف الراتب، وكثرة الديون، والبحث عن سكن، وسوء الخدمات، والمرور، والبطالة، والتشهير بوكالات السيارات، والخطوط، والفساد، والسباك الذي يمارس الطب، وعنف الخادمات، والتفحيط، والفراغ الذي فرضناه على الشباب من ضمن أمور أخرى.
إلا أن عدم كفاية الراتب مقروناً بارتفاع غلاء المعيشة حازا الاهتمام الأكثر جدلاً. أسعار المواد الغذائية الأساسية تشهد صعوداً غير مسبوق في ظل غياب الجهات الرقابية. الصحف المحلية تعج بالمقالات الجريئة لأداء الوزارات والمؤسسات الرقابية المعنية.
مواطن الخلل متعددة، فالمشكلة تتعدّى ضعف أداء مراقب البلدية الخجول أمام جبروت وجشع بعض المستوردين. ما ينطبق على حزمة الفجل ينطبق أيضاً على اللحوم والبيض والحليب التي التهمت ما تبقى من الـ 15 في المائة بشراهة واضحة.
أكاد أجزم أن "ممتاز" لم يقرأ أي إحصائيات علمية لمعرفة أسباب ارتفاع الأسعار بهذا الشكل المخيف، ولكنه خبير بمجريات الأمور من موقع التجربة العملية. لم أستغرب أن "ممتاز" سعيد جداً بأداء جمعية حماية المستهلك التي لا تكاد تُُذكر إلا بكل خير من بعض التجار الذين تعلو وجوههم ابتسامة عريضة هذه الأيام.
لم يتوقف ممتاز عن التنظير، بدأ يحدثني عن الناتج المحلي الإجمالي في بلده، وكيف يعمل الفرد هناك ليأكل مما يزرع، وتعمل مصانعهم دون كلل لزيادة الصادرات وخفض الواردات حفاظاً على اقتصادهم الوطني.
طيب ماذا عن اهتراء القوة الشرائية للمواطن يا ممتاز؟ ما في مشكلة، يجيبني بكل ثقة.. هنا دعم حكومي كويس.. ضريبة ما في.. بترول كثير.. بنزين رخيص.. بيوت مال أنت رخيص.. فلوس كثير.. فجل شوية سعر فوق ما في مشكلة.
قل أعوذ برب الفلق، الله يهديك يا ممتاز.. يعني لازم تحسدنا على النعمة؟