الشارع يتكلم "محكي".. وحقوق الشعراء تضيع في "الزحمة"

الشارع يتكلم "محكي".. وحقوق الشعراء تضيع في "الزحمة"

تختزل الذاكرة العربية الكثير من الشعر بعدة مفاهيم، وإعجاب العربي ببعض النتاج الشعري أمر طبيعي في ظل الإيمان بنظرية أن الشعر مكانه الصدور، وهو عامل مهم في التأريخ والتوضيح وأحيانا التعامل بين الأطراف الاجتماعية، ولعل الخوض في تأكيد هذه المسألة لن يحتاج الكثير، فقط حاول استيقاف أي عابر واسأله: أذكر لنا بيت شعر عالق في ذاكرتك؟ وهنا ستأتيك الكثير من الأبيات .
وهذا ما فعلناه، حيث التقينا بمجموعة من الشبان وطلبنا منهم ذكر أي من الأبيات التي يحفظونها، وبداية التقينا ببندر العلي الذي ذكر البيت التالي كأحد الأبيات التي يحب أن يستدعيها في دندنة داخلية:
متى حظي يحالفني يصحح وضعي المقلوب
يعدل قسوة الأيام وغلطة ما ارتكبتها
أما وليد التويجري فذكر البيت التالي وقال إنه من أجمل الأبيات التي مرت عليه:
كلما دقيت في أرض وتد
من رداة الحظ وافتني حصاه
الغريب في الموضوع أن الكثير يحفظ الشعر دون معرفة اسم كاتبه، وهذا أمر مزعج إلى حد ٍ ما، حيث إن حقوق الشاعر هنا تضيع إن كان أقل حق هو أن يمنح الشاعر حقه الأدبي في تذييل الأبيات التي كتبها باسمه، خاصة حين نستمع لبيت جميل وبالسؤال عن صاحبه تأتينا الإجابة "مدري"!
ما للرجا في بعض الأحيان قيمة
وما للعمى صبحٍ ولو بات سهران
وكان هذا البيت الجميل هو ما تذكره بشكل سريع خالد العبد المحسن.
أما ناصر التميمي فيبدو أن ذاكرته مليئة بالشعر الفاخر الجميل كونه تردد في الاختيار ثم ألقى على مسامعنا هذه الأبيات الجميلة:
درب الشقا ياخوك طالت مماشيه
والوقت ضاع وراح عمري شقاوي
العام أداوي نازف الجرح وأكويه
واليوم غاب الجرح ماله مداوي
فوق الورق دمعي نقش ضيم ماضيه
عبرة لمن غره زمانه هواوي
أما رائد عسيري، فلم يتردد كثرا حين أخبرنا أن الأبيات التي يحفظها كثيرة ولكن البيت التالي هو الأبرز:
أدور لك كلام أجمل ولا امل من كلام القلب
وعمر القلب ما يكذب نهار يحدث أحبابه
ولعل وجود الأبيات في ذاكرة قارئها بقدر ما تثري مداركه الجمالية وتلامس ذهنيته حتى يتمنى لو كان هو من قالها، أو ربما ترتبط بلحظة وجدانية هزت كيانه بنشوة لا تشبه إلا الشعر في سحره وإبداعه، ولكن كما أسلفنا تبقى المشكلة في عدم معرفة من القائل، حيث يتم حفظ البيت واختزاله دون محاولة استدراك ذلك بالسؤال عن صاحب البيت.
وليس من الغريب حضور أبيات الرائع بدر بن عبد المحسن التي تكتظ بها القلوب والعقول والوجدان الخليجي بصفة عامة، فقد اختار أيمن الغامدي أحد أبيات البدر مبديا أعجابه الشديد بهذا البيت:
انها الفرقا طلبتك حاجتين
لا تعلمني .. ولا تكذب علي
في حين يرى عبد العزيز الشملان أن الأبيات التي يحفظها ويردوها كثيرة ولكن يظل البيت أدناه هو الأكثر حضورا بالنسبة له :
أنا ماجيت ابسأل يالغلا وش فيك
أنا جيت أبسالك بالله وش فيني
وبعد، فالمسألة تبدو أشبه بجو أمسية شعرية كبرى يتردد فيها التصفيق من مختلف الجوانب وليس بالضرورة أن يأتي ذلك متوافقاً بين الجميع، فهناك جهة تصفق لومضة عاطفية وأخرى تصفق ربما لوصف مختلف أو لمعنى جديد مبتكر، وهذا ما يؤكد الحضور الذهني المصاحب للشعر لدى عقل الإنسان العربي.

الأكثر قراءة