البنوك وشركات التقسيط .. حساسية مفرطة
حين تتأمل في محافظ القروض الشخصية سواء تلك التي لدى البنوك التجارية أو شركات التقسيط بوجه عام على اختلاف أنشطة مجالات التقسيط فيها أو حتى على اختلاف بساطة أو تعقيد نوعية القروض وأحجامها وتباين خصائصها، لتجد إلى حد كبير عاملاً مشتركاً في الأسلوب الذي تُدار به هذه القروض سواء في منحها أو في تحصيلها. وهذا العامل المشترك هو ما يختص بواحد من أهم جوانب الإقراض وهو درجة المخاطرة للمقترض من منظور عدم السداد للقرض ذاته وما يتبعه من فوائد أو عوائد، حيث تتخذ سياسة التحفظ الشديد جداً، في حين أن التكلفة للقرض يحسبها المُقرض على أنها بمحدّدات أعلى من درجة المخاطرة للمُقترض. وهذا في مؤداه بالتالي عدم التناسب العلمي العادل بين تكلفة القرض ودرجة المخاطر التي قبل بها المُقرض (البنوك أو الشركات التمويلية). فمثلاً البنوك التجارية لا تقدم القروض الشخصية إلا بانتقائية مفرطة لموظفي القطاع الخاص بالذات حيث لا تعترف ـــ البنوك ــــ إلى حد كبير بغير مؤسسات القطاع الخاص الكبيرة، بل حتى إنك تستغرب من عدم معرفتهم بمؤسسات وكيانات حكومية أنشئت مع بداية العقد الأول من الألفيَّة الثانية!
وعلى شاكلة القروض الشخصية أيضاً التسهيلات المالية لغير المنشآت الاقتصادية الكبيرة، حيث تعاني هذه المنشآت المتوسطة أو الصغيرة حساسية سوق التمويل تجاهها. وتقليداً للبيئة الإقراضية على وجه العموم أيضاً درجت شركات التقسيط بسلوك النهج نفسه والنمطية في إدارة التمويل لديها.. فمثلاً إحدى شركات السيارات ترفض تقسيط السيارة لأحد المشترين بحجة أنه موظف غير حكومي أو في شركة من الشركات الكبيرة والمعدودة لديهم، في حين أن لديه منشأة اقتصادية يعمل فيها خمسة أشخاص والتي يكتسب منها، إضافة إلى وجود كفيل وهو موظف حكومي!
إن مثل هذا أراه تعسفاً في حق تقدير مستويات المخاطرة في سوق الإقراض والتمويل عامة، علماً بأنني أدرك تدني البيئة التشريعية والتنظيمية، خصوصاً فيما يتعلق بآلية السداد حين التعثر فيه. أنا لا أطالب أبداً بفتح الباب على مصراعيه لننتهي بمجتمع مدين عاجز عن تسديد ديونه. ولكن أيضاً من المعلوم أنه حتى البنوك العالمية تضع في موازناتها مخصّصات للديون المتعثرة لعلمها أنه يستحيل وجود سوق إقراض لا يوجد فيه مَن سيعجز عن سداد ديونه. ولذا فالمحصلة النهائية إذا ما استمر هذا الأسلوب بوجه عام وذلك بتغليب جانب التحفظ دون سبب علمي مقنع من المنظور المالي، فإن المنتهى هو عدم فعالية سوق التمويل بتوازن يكفل عدم التركيز في وجود الأموال مع الذين في الأصل ربما ليسوا في حاجة إلى الاقتراض.