خبراء يطالبون بسن التشريعات والنظم لحماية حقوق الأجيال المقبلة من المياه
الجفاف هم الصحراء، ومحدودية مصادر المياه مشكلتها، ووطننا من أكثر الدول فقرا إلى المياه المتجددة، هل نملك قوانين وتشريعات تحمي هذه المصادر المحدودة، وهل تستخدم مواردنا المائية بالطرق المثلى للري الزراعي؟ متى نتدارك جوانب القصور في هذا كله ونوجد لها الحلول المناسبة والواقعية التي تأخذ في الاعتبار واقع التنمية الحالي وحقوق الأجيال المقبلة؟ وللأسف نجد من يهدر الماء بلا مسؤولية، وحاجتنا إلى ترشيد استخدام المياه وتطوير مصادرها ملحة، ووضع القوانين والنظم وتقليل الاستنزاف الزراعي الذي يستهلك نحو 85 في المائة منه والتركيز على المنتجات ذات الميزة النسبية أكثر إلحاحا.
قامت دراسات سابقة ولاحقة على كميات المياه ومصادرها ونوعياتها وما زالت المعلومة الدقيقة ليست في متناول الجميع رغم الأهمية القصوى لها، وبحث تخصيص المياه قبل سن التشريعات والنظم التي يحتاج إليها المجتمع محل تساؤل، ما زال هدر المياه قائما في كل مكان يوجد فيه، في المزارع والمشاريع وشبكات الري، داخل وخارج المدن تهدر كميات كبيرة ونسبة عالية من مياهنا الصالحة للشرب، وحتى في الشوارع والمنازل، وما زالت مياه الشرب تتعرض للتلوث من حين لآخر. من أجل ذلك جمعت "الاقتصادية" نخبة من المختصين في المياه والزراعة والعلوم المساندة لهما.. فكانت هذه الندوة:
مدينة مثل الرياض تضم نحو خمسة ملايين نسمة، في حال قطع خط مياه التحلية.. ما الحلول وما البدائل؟
العيسى: المياه الجوفية متوافرة وتغطي نحو 25% من المياه التي نستهلكها، لكن الإخوان في وزارة المياه هم الذين يوفرون مثل هذا الرقم وطريقة التعامل معه، واستراتيجية المياه تركز على مياه التحلية وتوجه المملكة نحوها توجها حكيما، ونمو هذا القطاع يدل على أهميته في إيجاد مصادر بديلة لها صفة الديمومة، وننتج الآن ما يساوى ربع إنتاج العالم من المياه المحلاة من البحر، ونحتاج إلى اهتمام أكبر وأعمق بالصناعة والتقنية المرتبطة بها. السعود: أسأل: هل نعاني عدم وجود قوانين تحد من هدر المياه؟ هل نشكو الجفاف وندرة موارد المياه أم لا ؟ هل السيارات تغسل في الشوارع بماء الشرب؟ هل لدينا قوانين رادعة للمخالفات في هدر المياه؟ ومتى توجد مثل هذه القوانين؟ والحلول في إجابات هذه الأسئلة.
الزرعة: أنا أؤيد الكلام حول أن وزارة المياه يجب أن تسأل عن هذا، والمياه التي تأتي إلى الرياض ليست كلها محلاة، هناك مصادر جوفية أضيفت إليها.
الشايع: يجب أن نفسر نسب الاستهلاك في مختلف القطاعات، والدراسات تقول إن 10% تقريبا استهلاك القطاع المنزلي والمدني واستخدامات البلدية والصناعة في السعودية، وهي موزعة كالتالي: 5% للاستهلاك المنزلي، 2% للصناعي، 3% للمدن. وأكبر مثال على المياه غير المستغلة النهر الموجود في الحاير جنوب الرياض، فمعالجة مياه الصرف الصحي يفترض أنها تغطي نسبة 50 في المائة، ويبقى عندنا 5 %. أعتقد أن المياه السطحية الموجودة بالقرب من منطقة الرياض يمكن أن تكون احتياطية في حالة الطوارئ.
مداخلة العيسى: في الحالات الطارئة، نسبة الاستهلاك تكون أقل من الأوقات التقليدية، وأعتقد أن هناك أرقاما في الوزارة معتمدة في ذلك، وتقريبا أكثر من 50 في المائة من المياه المستهلكة في الرياض تأتي من مياه التحلية مع التوسعة الأخيرة، ومحطة تحلية الجبيل من أكبر محطات العالم، ويصل إلى الرياض نحو 800 ألف متر مكعب، وزادت إلى حدود المليون متر مكعب، إضافة إلى كمية المياه الجوفية التي تأتي من آبار الوسيع، والتي تغذي الرياض بشكل كامل بجودة مناسبة للشرب بعد خلط مياه التحلية مع مياه الآبار التي تصل إلى 1.2 مليون متر مكعب في الحد الأقصى، هذه أرقام تقريبية، وأنا أعتقد إذا اعتمدنا على نسب الاستهلاك في الحالات غير العادية، فإن المياه الجوفية تؤدي إلى حد كبير دورا طيبا في الحالات الطارئة، وهناك حاجة إلى إيجاد خزانات استراتيجية وزيادة هذه الخزانات مع زيادة النمو السكاني ليصل إلى 8 % في السنة، ونحتاج أيضا إلى زيادة النمو في منشآت تخزين المياه، لتغطي يومين أو ثلاثة أو أربعة، أكثر من المستوى التقليدي أو المستوى الذي كان معمولا به في السابق.
الخزانات الاستراتيجية.. هل يمكن أن تفي بحاجة الناس من الماء؟
العيسى: الخزانات الاستراتيجية تعطي فترة استهلاك لعدد محدد من الأيام، وفي ظروف استهلاك مقننة جدا، إضافة إلى الإنتاج من المياه الجوفية، فلا بد أن الوزارة لديها خطة طوارئ وتعمل بما يتناسب مع استهلاك مدينة كبيرة مثل الرياض.
مداخلة الزرعة: الحقيقة طالب كثير من المختصين بأن تكون هناك خطة طوارئ وينشأ خزان استراتيجي بمعدل 50 لترا للفرد لمدة 90 يوما لمواجهة حالات الطوارئ، على أن يزداد هذا في الخطط المستقبلية إلى 180 يوما، ولعل ذلك يفعل، وإن شاء الله تعمل الوزارة على تنفيذ تلك التوصيات.
يستهلك القطاع الزراعي ما بين 85 و90 في المائة من المياه، ما برامج ووسائل الترشيد لها؟
العيسى: هذا سؤال كبير يعتمد على محاور عديدة، منها اختيار المنتج الزراعي الأمثل، المنتج الاستراتيجي المهم لتحقيق الأمن الغذائي في حالات الانقطاع لأسباب مختلفة من حروب أو غيرها، ولا ننسى أيضا جانبا مهما هو طرق حفظ الغذاء، والحقيقة أن هناك غيابا إلى حد كبير في مسألة المحافظة على المنتج وإطالة عمر التخزين، وبحكم اختصاصي أعتقد أن من الطرق التي أصبحت الآن منتشرة في العالم وتساعد بشكل كبير على الحفاظ على هذا المنتج هي طرق حفظ الغذاء بالتشعيع، وهذا الموضوع لاقى قبولا كبيرا في دول العالم، وبدأ ينتشر على مستوى قبول المستهلك بشكل كبير، والمملكة تخطو خطوات في هذا الاتجاه، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، بحكم اختصاصها في هذا الجانب لها دور وأسهمت مع عدة جهات في إصدار تشريعات اعتمدت من مجلس الوزراء وبالتالي أصبح الغذاء المشعع مقبولا لدى للمستهلكين في الأسواق المحلية، وهو تقنية آمنة ولها جوانب إيجابية كثيرة ويحتاج إلى أن نلقي عليه الضوء بشكل أكبر من عملية الطرح التقليدي من ناحية واحدة هي تقنين استهلاك المياه الجوفية في ري المنتجات الزراعية واختيار المنتج الزراعي المناسب.
استخدام الهندسة الوراثية في تقليل استهلاك النبات من الماء.. ماذا عن هذا الجانب؟
العيسى: هذا الجزء هو ضمن العلوم التي تعمل عليها مدينة الملك عبد العزيز أيضا، حيث إن هناك معاهد مختلفة في المدينة، وهو ما يتعلق بالمياه المالحة واستخدامها في الري وإنتاج سلالات تتناسب مع استهلاك المياه المالحة، وهذه تعتمد على تقنية التطفير عن طريق الأشعة وتعريضها له لتتغير صفاتها الوراثية وتجعل لها قابلية لاستهلاك المياه مرتفعة الملوحة.
السعود: طبعا القطاع الزراعي هو من القطاعات المستهلكة لنسبة كبيرة من المياه، إلا أنه بالفعل منتج ويوظف كثيرا من السعوديين، وللمحافظة عليه يجب أن نفكر في استدامته بطريقة حفظ الأغذية وهي تعطي ما يسمى بالكفاءة بعد الإنتاج، وهناك طرق التطوير أثناء الإنتاج، وذلك يتطلب تضافر ثلاث جهات رئيسية، هي: وزارة المياه، وزارة الزراعة، والمزارعون، هذه الأطراف الثلاثة هي أركان تطوير القطاع الزراعي في المملكة، وعلى سبيل المثال هناك حاجة إلى تدشين مشروع وطني لرفع كفاءة الري في المملكة، على غرار ما هو معمول به في مياه الشرب، والقطاع الزراعي. ومن الممكن رفع كفاءته إلى 25 % بسهولة وبتكاليف قليلة جدا على الدولة وبالتالي سيكون عائدها للأجيال المقبلة.
الزرعة: الزراعة تستهلك 80 إلى 90 في المائة من المياه، وأعتقد أن هذا يتفق حوله الإخوان في وزارة الزراعة، وقد نتفق معهم أيضا على أن 90 في المائة منها يستهلكها القمح والأعلاف، ويجب أيضا تحديد مدى الاحتياج إلى تطوير الطرق المستخدمة للري، وهل المتبع حاليا يحقق الاحتياجات المائية الفعلية للنباتات المستزرعة عندنا في المملكة؟
مدينة الملك عبد العزيز دعمت بحثا في جامعة الملك سعود وما زال جاريا بعنوان: الاحتياجات المائية للمحاصيل الاقتصادية، وهذا البحث سيتمخض، إن شاء الله، عن نتائج قد تؤدي إلى تقييم الممارسة الفعلية في ري كثير من المحاصيل، ولعل هذه النتائج تسهم في ترشيد المياه في حال وجود زيادة في الاستهلاك وري بعض النباتات بأكثر من حاجتها الفعلية.
هل تغيير طرق الزراعة ونوع المحاصيل واستنباط أصناف جديدة تعمل على ترشيد أفضل لمياه الري؟
الزرعة: الحقيقة تخصصي في مصادر المياه وليس في الزراعة والري، لكن بحكم عملي في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم أعلم أن هناك بحثا قائما الآن وبميزانية كبيرة جدا وعلى مستوى المملكة في عدة مناطق، نحو تسعة مناطق، لدراسة الاحتياجات المائية للمحاصيل الاقتصادية في المملكة، ولعل هذا البحث عندما يكتمل تكون له نتائج طيبة في مجال معرفة الطرق المستخدمة في الري واحتياجات النباتات إلى الري في مناطق المملكة المختلفة.
الشايع: نحن نتكلم عن الترشيد، وهي كلمة كبيرة جدا، وبخصوص النسبة التي حددناها عن حجم استهلاك الزراعة من المياه وهي 80 إلى 90 في المائة يجب أن نعرف عن طريق البحوث نسبة المهدر والمستخدم منها، ويمكن أن تحسن إلى 30 % وهي نسبة عالية جدا واستخدامها اقتصاديا، ولكن يجب أن تكون هناك دراسات عن حجم الهدر في هذا الجانب، والأمر الثاني تحديد حجم الاحتياج الفعلي من المياه للمحاصيل وهو غير واضح للمزارعين، وقد يكون واضحا فقط للباحثين.
أين يكمن الخلل في هذه الجزئية؟
الشايع: تقع المسؤولية هنا على الجانب الإرشادي في وزارة الزراعة، فينبغي على الجهة الإرشادية أن تبلغ المعلومة السليمة إلى المزارع، أما إذا كانت المعلومة مفقودة بين مراكز البحوث والوزارة، فتكون المسؤولية واقعة على عاتق كليات الزراعة، وبالتالي قسم الإرشاد الزراعي في هذا الجانب. أيضا من المهم معرفة أوقات الري الملائمة للمحاصيل، المزارعون قد يقومون بعملية الري عند الظهيرة على اعتبار أن أغلب الموجهين لهذا الجانب هم من العمالة الوافدة وأكثرهم ليس لديه إلمام في إدارة المياه، وفيما
يتعلق بالاعتماد على المحاصيل ذات الميزة النسبية، يفترض أننا لا نزرع جميع المحاصيل التي نحتاج إليها، بل نختار المحاصيل ذات الميزة النسبية في المملكة، كما ينبغي الاهتمام بالدراسات والمقارنات بين نوعية التربة ونوعية المحاصيل، على سبيل المثال، فإن نوعية التربة الموجودة في الجوف تختلف عن نوعية التربة الموجودة في حائل أو القصيم، فيفترض تحديد الاحتياج الفعلي من المياه من حيث التربة والمحصول في كل منطقة، ويجب أن تجرى الدراسات في هذا الجانب حتى يكون القرار مبنيا على أسس سليمة.
مداخلة السعود: وزارة الزراعة لديها استراتيجية للقطاع الزراعي قامت بإعدادها جامعة الملك سعود، وكذلك البنك الدولي يقوم بوضع استراتيجية في هذا الجانب، وأيضا استراتيجية للمياه، وهذه تأخذ في الحسبان المحصول الأهم والميزة النسبية وكفاءة الري والأهداف للسياستين، ومن المفترض أن تدمج لتنتج لنا استراتيجية واحدة للقطاع الزراعي فيما يخص القطاع الزراعي بين وزارتي المياه والزراعة، هذا من ناحية صنع القرار، لكن ما يتصل بالواقع ورفع كفاءة الري وتوجيهه من قبل البنك الزراعي لرفع كفاءة الري في المملكة مثلا لبعض المحاصيل الاستراتيجية خاصة مثل النخيل وبعض المحاصيل البلدية التي يمكن أن تحل محل المحاصيل الأخرى، مثلا الزيتون بدلا من القمح، أو نسبة بسيطة منه، والهدف من استبدال المحاصيل أن نضمن ألا يقل دخل المزارع من تبديل المحصول، وحسبما أعرف فإن وزارتي الزراعة والمياه تسعيان إلى هذا الهدف لقيام زراعة مستدامة.
مداخلة العيسى: فيما يتعلق بنسبة 80 إلى 90 في المائة من استهلاك المياه في مجال الزراعة، يجب ألا ننسى أن هذه المياه هي مياه ناضبة وتأتي في معظمها من مصادر طبيعية ربما لا تقدر بثمن، ومن جانب آخر فإن بعض هذه المياه وللأسف مياه صالحة للشرب وتستخدم للزراعة بشكل مباشر، وأيضا مياه ناضبة وبخاصة في شمال المملكة، وهذه تحتاج إلى عناية في نوعية المياه مثلما نحتاج إلى العناية بكمية المياه في عملية الري.
ونحتاج إلى إعادة النظر في هذا الأمر وعندما نطرحه فيجب أن يكون في اتجاهاته ومحاوره المختلفة ولا نركز على جزئية واحدة هي الزراعة والمنتج الزراعي والجانب الاقتصادي له، يجب أن ننظر أيضا إلى ثروة الأجيال المقبلة في حال انقطاع مياه التحلية، هذا الجزء يجب أن يدرج في الخطة والنظر إلى المصادر الأخرى الطبيعية الجوفية التي تصلح للشرب، يجب أن تبقى وتستخدم مخزونا للأجيال المقبلة.
فالعملية ليست فقط استهلاك مياه، بل هناك أيضا مسألة ملوحة التربة، وأنا لست متخصصا في هذا المجال، لكن أعرف أن معظم المياه الجوفية في مستوى ملوحة ربما لا يكون مناسبا جدا مثل الدول التي تمتلك أنهارا، لكن تؤدي إلى ارتفاع نسبة ملوحة التربة ومن ثم إلى ضعف في إنتاج المحاصيل، وبالتالي تحتاج إلى عناية أولية ومعالجة للتربة للتخلص من الملوحة.
لتر الحليب وكيلو اللحم يحتاج كل منهما إلى 500 لتر ماء.. هل خفض إنتاج الألبان لحاجة استهلاك المملكة ومنع التصدير أسوة بالأعلاف كفيل بوقف هدر كبير آخر للمياه؟
العيسى: الحقيقة أن هذه الأرقام فاجأتني، أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة النظر في استراتيجية الزراعة في المملكة واختيار المحاصيل ذات الميزة النسبية والتي لها بعد في الأمن الغذائي والمائي، وأنا لم أخططها في لحظة، لكن أعتقد أن هذه النظرة في ذهن المسؤولين الآن، خصوصا بعد إعادة ترتيب إدارات الزراعة والمياه، وأصبحتا جهتين مستقلتين بعد أن كانتا "الخصمين في مكان واحد"، لا شك أن عملية إنتاج الحليب بهذه الكمية الضخمة من المياه تحتاج على إعادة نظر، مثلا إذا كانت المياه أهم من الحليب أم لا.
السعود: لن نختلف في زيادة 100 أو 200 لتر كرقم، لأن الرقم يختلف حسب الدولة والمكان، وضربت مثلا على صناعتين للإنتاج الحيواني، صناعة الدواجن وصناعة الإنتاج الحيواني اللاحم والألبان، فالصناعتان تعتمدان بنسبة كبيرة على الأعلاف المزروعة في الداخل، في حين أن صناعة الدواجن تعتمد على مدخلات من الخارج، وهي فول الصويا، والذرة، وغيرهما، والدولة تدعم استيراد مثل هذه الأعلاف، لأنها ضرورية لصناعة الدواجن، نحن في المملكة اكتسبنا خبرة جيدة في إنتاج الألبان، إذ يصل إلى 35 لترا في اليوم للبقرة الواحدة في المملكة، وهذا معدل عالمي جيد قد ينافس المنتج في أوروبا، لكن في الوقت نفسه المدخل يكون غالبا من داخل المملكة، وإذا فكرنا في زراعة مستدامة في المملكة، فنضعها كصناعة يمكن أن نستورد الأعلاف من أي مكان في العالم، حتى لو بدأنا نستورد الأعلاف ونصدر الألبان، فلا مشكلة في هذا، إذا أنت تستطيع أن تستورد الأعلاف، فالطن الواحد كأنك تستورد طنين من الماء، وبالتالي تستطيع توفير المياه لديك، وعندما تستورد المنتج فكأنما تستورد الماء، فالأرز مثلا يستهلك كميات كبيرة من الماء ولا يكلفنا قطرة واحدة لأننا نستورده منتجا، فهذا المفروض أن يتبع في سياستنا الزراعية وخصوصا في المحاصيل التي نعتبرها استراتيجية مثل إنتاج الألبان أو اللحوم، والذي أتوقع أن يكون في حدود 12 مليون رأس من الأغنام، وعندنا مزارع ألبان ضخمة جدا، والمفروض أن تستورد الأعلاف من الخارج وتدعم الدولة استيرادها لتقليل استهلاك الماء.
الزرعة: الدراسة التي ذكرتم، اطلعت عليها أنا من عدة مصادر، منها جامعة كورنيل وأيضا اليونسكو، الأولى تحدثت عن الألبان والثانية تحدثت عن اللحوم سواء كانت من البيضاء (الدواجن) أو الحمراء من الأبقار، وأنا أؤيد كلام الدكتور السعود، وأؤيد قرار وزارة الزراعة السابق بوقف تصدير الأعلاف وكان قرارا حكيما وسليما، لأننا لا نصدر حينئذ فقط الأعلاف، ولكن أيضا المياه معها، وتشجيع استيراد الأعلاف ودعم هذا التوجه، ويجب أن يكون في خطط وزارة الزراعة، وأن يكون الهدف الاستراتيجي، لأن الألبان لا يمكن الاستغناء عنها، لأنها سلعة يحتاج إليها كل بيت، ويجب أن نتعايش مع بقاء الألبان، ولذلك يجب أن نشجع أيضا خط استهلاك المياه بالنسبة للألبان، وتذكر المعدلات أن إنتاج لتر واحد من الألبان يستهلك 600 لتر من الماء، ويجب أن نخفض هذه الأرقام، ولعل مدينة الملك عبد العزيز تقوم بأبحاث في هذا الخصوص، وتتعرض إلى نسب هذا الاستهلاك في المياه، هل في الأعلاف، أو في المصنع نفسه؟ وإن كانت هذه الدراسات التي اطلعت عليها فصلت هذا الاستهلاك، أين يكون؟ هل هو في العلف أم في المصنع، أو في أمر آخر؟ ومع هذا يجب إجراء دراسات وبحوث، خصوصا أن شركات الألبان وهي من الشركات الكبيرة 24 شركة وينتج اثنتان منها هما "المراعي" و"الصافي" 60 في المائة تقريبا من احتياجات السوق.
وأعتقد أنه يجب أيضا الحد من تصدير المنتجات المستنزفة للمياه، ويجب دراسة ذلك من قبل وزارة الزراعة، فهناك بعض المنتجات التي تستهلك المياه وتستنزفها وتخرج للتصدير إلى الخارج.
لو تم استيراد الألبان الجافة وأعدنا تصنيعها.. هل هذه الطريقة مجدية؟
الزرعة: هذا الأمر يرجع إلى المختصين في صناعة الألبان، لا أدري هل يختلف الطعم؟ وأعتقد أن هذا موجود.
الشايع: أعتقد هذه المسألة تحتاج إلى استراتيجية في ظل الاستثمارات الضخمة بالنسبة للأفراد أو الشركات، يجب كذلك أن ننظر نظرة منصفة إلى هذه الاستثمارات، ومحاولة التكامل مع الدول الأخرى، أؤيد كلام الإخوان جميعا، فاستيراد الأعلاف مقابل المحافظة على المياه، وكذلك للمحافظة على الصناعة نفسها في الوقت نفسه، يعني حاليا وعلى المدى القصير، الحد من استهلاك المياه والاكتفاء بالاستهلاك المحلي فقط ووقف تصدير أي منتجات زراعية سواء كانت ألبانا أو خلافها لأنها تستنزف مواردنا من المياه، فالمياه حق للأجيال المقبلة وليست حقا لجيلنا فقط، أيضا قضية الاكتفاء الوطني يجب أن تتوقف، فالاكتفاء الوطني لم يحدث في كل شيء.
ويجب أن نفرق بين الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي، فالاكتفاء الذاتي إذا كان على حساب استنزاف المياه وحقوق الأجيال المقبلة، فما قيمته؟
أيهما أهم: الأمن الغذائي أم الأمن المائي؟
الشايع: الأمن المائي هو الأولى، بل إن الأمن الغذائي متوقف على الأمن المائي، ويجب أن نعتمد قضية الزراعة المستدامة، نزرع ولكن وفق ضوابط لا تستنزف المياه، والدليل أن دولا كثيرة سنت الأنظمة والقوانين الخاصة بالمياه من أجل الحفاظ على هذا المورد الاستراتيجي.
التضامن مع دول شقيقة لديها المياه والأراضي من أجل تأمين احتياجاتنا من الأعلاف.. ما جدوى ذلك؟
الشايع: التكامل واجب لكن وفق خطط طويلة الأمد، أنا لا أتكلم عن شيء يبنى عليه استثمار وكأنك على كف عفريت، يفترض أن تكون الاستثمارات مستندة إلى استراتيجية وعلى مدى طويل، فالتكامل واجب مع أي دولة كانت تنتج الأعلاف.
هل يمكن أن نتكلم عن بروتين قليل جدا في استهلاك المياه، يستخدم من أربعة آلاف جزء من المليون ولم يطبق في بلادنا؟
الشايع: هذه يسأل فيها متخصصون في إنتاج الأعلاف والحيوانات، وأيضا ربما تؤثر في مذاق الألبان، فيسأل في ذلك المتخصصون.
السعود: تعرفون أن البرسيم يوضع على مكعبات صغيرة ويستورد، لكن سعر الطن منه مغر لإنتاجه، والمشكلة في حاجة الحيوان حسبما سمعت من المختصين إلى العلف الطويل، فالفكرة التي نتكلم عنها أن تدعم الاستيراد في هذه الناحية، وبالتالي تخرجها من مزارع عالمية بدلا من مزارع محلية، ونحن نتحدث عن الأمن المائي أو الأمن الغذائي، فمعلوم أن المملكة تملك نحو 25 في المائة من الاحتياطي العالمي من البترول، ولن نستطيع أن نضحي بهذا الاحتياطي من البترول تحت ذريعة توفير الأمن الغذائي للبلد، المملكة في وضع سياسي واقتصادي جيد تستطيع أن توفر لأهلها الأمن الغذائي، أي أن ما تمتلكه المملكة من موارد طبيعية تمكنها من توفير الأمن الغذائي لأبنائها.
لو قارنا بين البترول ومواردنا المائية، أيهم أقرب للنفاد بمعدلات الإنتاج والاستهلاك الحالية نفسها؟
العيسى: لا شك أن مصادر البترول هي مصادر اقتصادية، وهناك دول في حال التنمية تعتمد على طاقتها البشرية كمنتج اقتصادي وليس بالضرورة مواردها الطبيعية، وهذا أيضا في خطط المملكة، حيث بدأت تتجه إلى تنمية وتطوير العنصر البشري، خصوصا بعد زيادة عدد السكان وارتفاع المستوى المعرفي والمهارات المهنية، إنما مصادر المياه هي المشكلة الآن ويجب الحفاظ عليها بشكل أكبر.
البترول كمورد اقتصادي للبلد يطرأ عليه تطور حتى في طرق استخراجه، والاحتياطيات التي قدرت يوما بعد يوم العمر الزمني لها يزداد، والسبب أن كفاءة الاستخراج تزداد، والتقنية تتطور، علما بأن الاستهلاك أيضا يزداد، فالعالم يحتاج إلى دولة مثل المملكة حتى يغطي احتياجاته من الطاقة، وهذا عامل مهم، حتى على المستوى المحلي يحتاج إلى إعادة نظر ووضع استراتيجية أشمل فيما يتعلق بالطاقة.
تصريف مياه نهر النيل 500 عام، أرقام دراسات سابقة لحجم وكمية المياه في المملكة بنيت عليها المشاريع القائمة الآن.. ما رأيكم في تلك الدراسات؟
العيسى: أنا لم أطلع شخصيا على نتائج هذه الدراسات، لكن سواء كانت 500 أو خمسة آلاف أو 500 ألف سنة، فالحقيقة العملية ليست كمية المياه بقدر ما هي أيضا القدرة على استخراج هذه المياه، وأيضا أنا عندي إجابة أكثر من 500 سنة مياه النيل، أقول إن البحار فيها مياه أكثر من النيل، خمسة ملايين سنة أو أكثر، العملية ليست كمية المياه بقدر ما هي جودة هذه المياه ومناسبتها.
السعود: الحقيقة التي يجب أن نعرفها أن مياهنا مثلها مثل البترول ستنضب يوما ما، وإذا لم يكن هناك إعادة تغذية عالية لمصادرنا من المياه، وإذا لم يكن هناك استهلاك عقلاني رشيد، فستنضب.
ما المدى الزمني عن احتمالات نضوب مواردنا من المياه وفق دراسات تتناول هذا الجانب؟
السعود: أنا أعتقد أن وزارة المياه لديها مجموعة من الدراسات عن حقول الساق، الوجيد، وكلها دراسات قائمة ويمكن أن يوجه إليهم السؤال ولديهم الإجابة بالأرقام، كمية المياه في كل تكوين من تكوينات المياه.
الزرعة: الحقيقة أنني لم أطلع على تلك الدراسة التي أشرت إليها، لكن التقديرات المتحفظة ولو كانت أقل من الواقع أفضل لدي من التقديرات المبالغ فيها، ومن يبني خططه على أرقام مبالغ فيها قد يصدمه الواقع، الحقيقة نخشى أننا استنزفنا الماء الذي في أيدينا عندما رأينا سرابا، وأعتقد أن الأرقام قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة وهذا يعتمد أيضا على جودة المياه ومدى صلاحيتها للشرب، هناك مياه موجودة في الربع الخالي بكميات هائلة فوارة، لكن هل تصلح للشرب أو لا تصلح، هذا سؤال أعتقد أن الإجابة عنه تقول إنها لا تصلح في أغلب الأحيان، لكن هناك الآن مشروع لاستخدامها في نجران.
الزرعة: يفترض أن تجرى دراسات حول كمية مياه المخزون المائي المتاح للمملكة حاليا، وهناك دراسات قائمة حاليا في هذا الشأن، أيضا كمية التغذية السنوية لهذه المياه.
هناك دراسات متعددة، هل هو عدم ثقة بنتائجها؟ أم أننا لم ندرس الاستنزاف بشكل كاف؟
الزرعة: قضية التغيرات، ربما يكون الرقم المذكور في الدراسة الأولى لم يتوقع كمية الاستنزاف الحادث الآن، فهذه قضية الخلاف في الدراسة ونتائجها، فيفترض أن كمية التغذية السنوية لهذه المياه الجوفية وحجم الاستهلاك وإذا ما كان قريبا من هذا الرقم أو مطابقا له بالنسبة للزراعة المستدامة، إذا كنا نبحث فعلا عن زراعة مستدامة في المملكة.
العيسى: لا ننسى أن استنزاف المياه يؤدي إلى الإساءة لنوعية هذه المياه، وأعطي مثالا ببعض المناطق والمدن الساحلية التي لا تعتمد على المياه الجوفية مثل ينبع في زراعة النخيل، فقد بدأ مستوى ونوعية المياه يتغيران إلى ملوحة أكبر والسبب في ذلك دخول ماء البحر، فالسحب الكبير من المياه الجوفية يؤدي إلى تعويضه من مصادر مياه قريبة وهي البحار، وفي هذا الإطار نعمل، وعملنا يبقى محدودا على مستوى باحثين، ونحتاج إلى عمل على مستوى مؤسسات كبيرة مثل وزارة الزراعة ووزارة المياه، ولابد أن تكون هناك مشاريع وطنية تعتمد على الخبرات الوطنية، وعندنا الآن دراستان إحداهما تتعلق بتغذية مياه الصرف الصحي المعالجة للتكوينات الجوفية، وسبق طرحها من قبل، وهذه إحدى الوسائل الناجحة والمقبولة من الناس عامة، لأن المعالجة مهما كانت مراحلها لمياه الصرف الصحي لن تكون مقبولة في كثير من الدول لدى الناس عامة.
الجانب الآخر مسألة تسرب مياه البحر إلى المياه الجوفية في بعض المواقع وأهمية مراعاة ذلك في التخطيط المؤقت.
مداخلة الشايع: هل نستخدم المياه المتاحة الاستخدام الأمثل؟ على سبيل المثال مياه الصرف الصحي المعالجة نستخدم منها في حدود 16 % فقط، وهذه نسبة قليلة جدا بالنسبة لدولة صحراوية لا يوجد فيها مصدر مائي متجدد كالأنهار، وبرامج دول العالم في كفاءة استخدام المياه بجميع أنواعها سواء مياه الشرب أو مياه الزراعة أو مياه الصناعة، لأن المصدر المستخدم لأغلب أنشطتنا التنموية هو الماء، وهو محدد لكثير من المشاريع الموجودة لدينا.
تخصيص "المياه" وطرحها للشركات فيما بعد، هل ترون أنه يضع حاجة ملحة للمواطن مثل الماء في دائرة الخطر؟
العيسى: موضوع تخصيص المياه أو عدمه يعتمد على البنية التحتية التشريعية للمياه وللغذاء ولجوانب كثيرة في حياتنا، إذا كانت البنية موجودة والجهة التي تنفذ هذه البنية التشريعية موجودة أيضا، لأن كثيرا من التشريعات الموجودة لا تجد الجهة التي تتولى تنفيذها.
هل توجد تشريعات تخص الماء الآن؟
العيسى: أعرف أنه لا توجد الآن تشريعات متكاملة وأعرف أن الوزارة تعمل على ذلك، متى تصدر؟ الإجابة عند الوزارة، إنما موضوع التخصيص لا يمكن النظر إليه دون النظر في عملية التعرفة، فهي مسألة مهمة، وحاجة ملحة، وأقصد بها ليس بالضرورة رفع قيمة التعرفة ثم بيع المياه، ولكن النظرة الصائبة لها على الأقل في المستويات الاستهلاكية الكبيرة؟
أيهما أكثر أمنا، أن تبقى المياه في يد الدولة أو أن تخصص لشركة؟
العيسى: الاثنان معا، التخصيص اتجاه دولي يؤدي إلى نجاح في ظل التشريعات والجهة الرقابية، من الأولى أن تتولى جهات أو مؤسسات حكومية تنفيذ الأعمال، ومن الأنسب أن يتولى القطاع الخاص إدارتها، الرقابة يجب أن تتولاها الدولة ممثلة في وزارتي الزراعة والمياه على حسب جهة الاختصاص، وتتولى التنفيذ والتشغيل شركات مناسبة. مثال على ذلك "الاتصالات"، حيث نجحت بشكل هائل جدا عندما تولاها القطاع الخاص، وأتصور أن النجاح سيزيد أكثر عندما تتعدد شركات القطاع الخاص في هذا المجال، وتكون المناسبة ليس فقط في القيمة أو التعرفة، وإنما أيضا في الجودة ففي رأيي أن التخصيص توجه لا خلاف فيه ويتفق كل المختصين والمنظمات الدولية والخبراء في أهمية الجودة، وإنما لا تغيب عنا جوانب أخرى في عملية التخصيص والتشريع.
هل يمكن تخصيص الأمن؟ وما أشبه الماء بالأمن!
العيسى: الحقيقة أن هذا السؤال موجود في أرض الواقع في مؤسسات أمنية خاصة تتولى حماية بعض المنشآت، وهذا جزء من تخصيص الأمن.
السعود: أعتقد أن من المناسب قبول عملية التخصيص التي أصبحت خيارا عمليا ومتبعا في أغلب الدول على أنه وسيلة لرفع كفاءة أجهزة معينة، لكن الأولى بالإصلاح الآن هو أجهزة الدولة المختلفة التي تعمل كشركات، بمعنى أنني إذا استطعت أن أجعل الذين ينتجون الطاقة أو المياه يعملون كشركة وتعاملت معهم من حيث المصروفات والإدارة والتوزيع كشركة، فإن هذه العملية أولى من عملية تسليم القطاع كاملا إلى القطاع الخاص.
مثال على ذالك تحويل قطاع معالجة الصرف الصحي إلى شركة تملكها الحكومة، ومياه الشرب كذلك، فإذا وجدت التشريعات لا يهم من يدير العملية، لكن لا بد من إيجاد التشريعات التي تضمن سلامة المواطن، فمثلا قطاع الكهرباء الآن قطاع مخصص تملكه شركة خاصة مساهمة، وهناك أمن كامل للطاقة الكهربائية.
والهدف أنه يجب أن تعمل أجهزة الدولة كشركة وليس من المهم أن تخصص القطاع أو لا تخصصه.
الزرعة: لكل جانب مساوئه ومحاسنه، فالتخصيص له مساوئ ومحاسن، وأعتقد أن تخصيص قطاع المياه سوف يحول الماء من كونه حالة أو حاجة اجتماعية ضرورية للحياة إلى سلعة اقتصادية تخضع للعرض والطلب، وقد لا يكون في متناول الجميع، هذا ما أخشاه بالنسبة إلى التخصيص، ولدينا من تجارب الدول أمثلة، فمثلا أمريكا تسعة من كل عشرة ما زالوا يحصلون على المياه من قطاع خدماتي يديره القطاع العام، وهناك أيضا تجارب في أمريكا وعلى محدودية التخصيص هناك في هذا الجانب، إنما التجارب أفرزت زيادة في السعر، وجودة المياه معلومة ومهمة جدا وتخفيض إنتاجية العامل، نحن نشتكي من بعض الرواتب في بعض القطاعات التابعة للدولة، فكيف الآن عندما ينتقل هذا القطاع إلى القطاع الخاص؟ كيف ستكون رواتب موظفيه؟ أقرب مثال المدارس الأهلية ومستوى الرواتب التي تعطيها لمدرسيها، وهذا هو الفرق بين القطاع العام والقطاع الخاص، وهناك أيضا تجارب في عدة دول في تنزانيا، مثلا تم التحويل عن طريق قرض من البنك الدولي بمبلغ 150 مليون دولار كلفت شركة بريطانية لتخصيص قطاع المياه ففشلت فشلا ذريعا في تنزانيا عام 2005، وربما يرجع السبب إلى عدم قدرة القطاع الخاص هناك على إدارة هذا القطاع الكبير، وطبعا البحث عن الربح.
وفي منتدى المياه العالمي، تزاحمت مصر وأنت تعرف أن مصر هبة النيل، هناك رؤية رافضة للتخصيص واعتمدت على شيء يسمونه التسعيرة تحصل فيه الدولة على رسوم ضئيلة تعرف بمبدأ استعادة التكلفة، ومع ذلك أنا أقول إن التخصيص له مساوئ ومحاسن، ومن الآن إذا أردت نجاح التخصيص لابد أن يكون لديك جهاز رقابي قوي، وأيضا هناك خيار ثان يتمثل في قيام الدولة بشراء المياه من القطاع الخاص لتزويد المواطن بها، ولذلك لابد من دعم الدولة للمياه، ففي جنوب إفريقيا خصصت (المياه) فيها عام 2000 وحصل وباء كوليرا أصاب 260 شخصا بسبب أنهم لم يستطيعوا الحصول على مياه نظيفة فاتجهوا إلى مصادر مياه ملوثة. هذه القضية إذن يجب أن تدرس من جميع جوانبها، وأعتقد أن وزارة المياه لا شك اطلعت على هذه التجارب واتخذت الاحتياطات، وكنت أتمنى أن تكون وزارة المياه موجودة معنا الآن حتى تشرح لنا وجهة نظرها بالنسبة إلى التخصيص، لكن أعتقد أن هذه المخاوف يجب أن تدرسها الوزارة لتجنب المساوئ التي تلازم التخصيص.
الشايع: أعتقد أنه يجب أن يسبق التخصيص سن القوانين والأنظمة وكذلك آلية تطبيق وتنفيذ هذه الأنظمة وفق جهة محايدة لتطبيق التخصيص. نحن نتحدث عن مورد طبيعي وأجيال مستقبلية، والتخصيص يجب أن تسبقه توعية بيئية وحقوق الأجيال المستقبلية سواء من قبل الشركات أو غيرها، أما قضية إدارة موارد المياه فلا أعتقد أن هناك مشكلة في قضية التخصيص في حد ذاتها كإدارة، ويجب فهم الاختلاف بين قطاع المياه وقطاعي الكهرباء والاتصالات، لأن المياه مرتبطة بمستقبل أجيال، أما الكهرباء والاتصالات ففيهما ربحية، وكل شيء له محاسنه ومساوئه، فالمياه مورد حساس وينبغي أن يتوافر نظام واضح يحدد حقوق وواجبات الأفراد والأجيال قبل أن نلجأ إلى قرار تخصيص المياه.
مداخلة العيسى: أنا حقيقة لا أتفق مع وجهات النظر التي طرحها الزملاء، فأنا أعتقد أن تخصيص إنتاج المياه ينقل عبئا كبيرا عن عاتق الجهات الحكومية مثل وزارة المياه والمؤسسات العامة لتحلية المياه، وهذا الاتجاه اتجهوا إليه بعد دراسات عديدة، فإنتاج المياه شيء وتوزيع المياه وتسويقها شيء آخر، ففي رأيي أن التكلفة إذا أدارت الحكومة مرفق المياه ستكون أكبر مما لو أداره القطاع الخاص، وذلك لأسباب مختلفة كثيرة من ضمنها أن القطاع الخاص لديه من المرونة والحفاظ على مستوى الاسم والسمعة والجودة ما يجعله أكثر قدرة على إدارة المياه، لكن هذا يجعلنا نتجاوز موضوع التخصيص ونقول يجب أن تتولى الحكومة في هذه المرحلة عملية صناعة التحلية. ويجب أن نركز على الخبرات النسبية للمملكة سواء كانت إيجابية أو سلبية. نحن تكلمنا عن النفط وبدأت مدن صناعية هائلة على مستوى العالم، وهذه قفزة جبارة للدولة في هذا المجال، لكن نحتاج إلى قفزة شبيهة في التحلية، لدينا 30 % من إنتاج النفط العالمي أو حول هذا الرقم من المملكة و25 % من إنتاج المياه المحلاة من المملكة أيضا، وهذه أرقام متشابهة وهذا يدعو إلى تساؤل: لماذا لا يأتي اليوم الذي تصدر فيه المملكة صناعة التحلية؟ وهذا أعتقد ليس صعبا إذا كان هناك توجه من الدولة والجهات التي لها علاقة بصناعة التحلية والقطاع الخاص، وننتقل به إلى نقلات نوعية كبيرة، فالدولة في بداية نشأتها كانت تتولى أعمالا تنفيذية بنفسها، ويجب أن تتحرر من هذه الجزئية بخطوات مدروسة وتعتمد على القطاع الخاص، لإثراء الاقتصاد المحلي للتركيز على الجوانب التنفيذية ومراقبتها ومراقبة جودتها والجوانب التشريعية، والقضية مهمة ومعروفة. ألا تكون خصما وحكما في الوقت نفسه.
كيف نتوقع أن تقوم المملكة بتصدير صناعة التحلية؟
العيسى: أنا أتمنى أن أسمع، إن شاء الله، أن المملكة قامت بإنشاء محطة تحلية في دولة ما، وأعتقد أن هذا يجب أن يبدأ وفي أقرب وقت ممكن وبكل دعم ممكن خصوصا أنه ينطوي على بعد استراتيجي للاستهلاك على المستوى المحلي ولو ببعد اقتصادي على المدى البعيد، إن شاء الله.
مداخلة الزرعة: أول الأشياء التي تترتب على التخصيص، الجانب البحثي، فالآن بالنسبة إلى المؤسسات العامة للتحلية حصلت على براءة اختراع في مجال التحلية خصوصا في مجال تطبيقات "النانو فلتريشن"، أخشى ما أخشاه من التخصيص أن يضعف الجانب البحثي، ويجب أن يكون هناك تنبه من المسؤولين إلى هذا الجانب حتى نستمر في التطوير إلى أن نصل إلى تصدير صناعة التحلية.
مداخلة العيسى: أحب أن أعلق على موضوع الجانب البحثي، وحتى في وضعه الحالي، ولنأخذه مثالا على المؤسسة العامة للتحلية، وسنجده ضعيفا للغاية، مع النجاحات التي تمت، الميزانية المخصصة للمؤسسة تصل إلى نحو ملياري ريال سنويا من صناعة المياه المحلاة والمشاريع الجبارة، الجانب البحثي في المؤسسة أرقامه ضئيلة للغاية واتجاهه ضعيف جدا، وأعتقد أن التخصيص سيضعفه أكثر من ضعفه الآن.
كيف تطالب بتطوير وتصدير صناعة التحلية وأنت الآن تقول إن الجانب البحثي ضعيف جدا؟
العيسى: لأنه ليس هناك توجه إلى هذا المجال، مجال نقل تقنية التحلية وتبنيه وتطويره وإنتاجه، هذا التوجه غير موجود حاليا في مؤسسات الدولة المعنية، الهم الأكبر هو إنتاج المياه المحلاة، وهذا نجحوا فيه بشكل كبير وواضح. ولا يحتاج إلى تعليق، وهذه مرحلة نحن نريد أن نتجاوزها من حيث الإنتاج والكم وأهمية تحقيق الاكتفاء الذاتي والأمور الوطنية الداخلية، لكن نحتاج أيضا إلى الاكتفاء الذاتي في صناعة التحلية ما أمكن، وليس الماء فقط، وفي مرحلة أخرى تصدير هذه الصناعة، وبهذا البعد الاقتصادي المهم نتجاوز موضوع النفط وصناعة النفط إلى حد أن تصبح الميزة السلبية إيجابية.
مداخلة السعود: نحن ننتج كمية كبيرة، نعتبر مرجعا للطاقة، أستراليا تحاول أن تستفيد من التجربة السعودية في هذا الموضوع، والمفروض في رأيي أن يوجد مركز وطني لأبحاث المياه، أرى ضرورة أن يقام مركز وطني للتحلية يرتبط بأي جهة أكاديمية أو مدينة الملك عبد العزيز، لكن يكون مركزا مستقلا يأخذ ميزانية أبحاث ويركز على صناعة التحلية فقط.
مداخلة العيسى: الحقيقة أن المركز موجود لكن أتذكر عندما تم إنشاء مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، قامت الدولة بإنشاء الهيئة الملكية للجبيل وينبع وشيدت ومازالت مشاريع تفوق الخيال في بعض الأحيان، نحن ننظر إلى الموضوع من هذا المستوى وليس من مستوى الدراسات والأبحاث، أنا أظن أن ميزانية الأبحاث في المؤسسة العامة للتحلية لا تتجاوز مليونين أو ثلاثة ملايين مع إيماني بأن المادة ليست السبب الوحيد، أنا أتحدث عن التوجه، حيث إن المؤسسة لا تنظر إلى صناعة التحلية وإنما إلى معالجة مشكلات التحلية وإنتاج المياه المحلاة في مركز الأبحاث، وهذا هو ما يجب أن ننظر إليه الآن.
مصادر تلوث المياه من أين، وكيف يمكن حلها؟
العيسى: مصادر تلوث المياه، بحد ذاتها عنوان لندوة مستقلة، لكن إذا تكلمنا عن مياه الشرب في المدن، فإنها تأتي من شبكات المياه، وهذه الشبكات في وضع يحتاج إلى مراجعة دورية وإلى اهتمام أكبر بجودة شبكات المياه داخل المدن، أيضا في إدارة ضخ المياه، التذبذب في الضخ يؤدي إلى مشكلات فيما يتعلق بالتلوث، ولا ننسى محطات الوقود والنفط داخل المدن وجودة خزانات النفط، كل هذه مصادر تلوث، عندنا أيضا الصرف الصحي، ومخلفات السيارات، هذه كلها منظومة متكاملة تتعلق ببيئة المدينة وهي تؤثر علينا سواء في الهواء أو في مياه الشرب، في تصوري أن هذا الموضوع يلقى الاهتمام، ولكن يحتاج إلى دعم وتوجه أكبر في مراجعة جودة المياه سواء من الناحية الميكروبية أو جهة ومصدر التلوث العضوي.
** التوصيات:
القيام بترشيد فوري في مياه الزراعة كونها تستهلك 90 في المائة من إجمالي المياه والتركيز على الزراعات التي تعطي ميزة نسبية.
ضرورة القيام بأبحاث تركز على نباتات تستهلك مياها أقل ونباتات تتحمل الملوحة في التربة والمياه.
حصر ودراسة مصادر المياه المتوافرة وبحث طرق تنميتها والاستغلال الأمثل لمياه الصرف الصحي في الزراعة بعد معالجتها.
عدم الدخول في برامج تخصيص المياه قبل سن قوانين منظمة لحقوق الأفراد والأجيال والعمل على ألا يكون الماء سلعة لا يستخدمها إلا القادر على الثمن.