نحو تسويق المكتبات وخدمات المعلومات
في مقالة نشرت لي في العدد 4973 من هذه الصحيفة قبل أكثر من خمسة أعوام وبالتحديد في 24/5/2007 حيث كانت بعنوان ''اقتصاديات المعلومات: الوطن بحاجة إلى جميع الموارد البشرية''. كنت قد نوهت عن أن تطور تقنية المعلومات وفر وسيوفر فرصا وظيفية أكثر مما تخوف منه وتوقع الكثيرون، بل استنتجوا بحسابات غير واقعية بطالة مفزعة. من ناحية أخرى أبرزت دور الخريجين في التخصصات المختلفة وهم مسلحون بمهارات فكرية ويدوية قادرون على استيعاب الجديد في التخصصات المطروحة بسوق العمل، لأنهم جددوا أداء العمل بإدخال مفهوم التطبيقات ونقل المعلومات وتقديم الخدمات عبر خدمات المعلومات.
في هذا السياق أكاد أرى أن نتيجة تعديل مسميات بعض الكليات أو الأقسام وبالذات المكتبات والمعلومات ستكون نتيجته إيجابية لحد بعيد، بل هي خطوة مهنية أكاديمية واقتصادية ذات أبعاد استراتيجية يمكن أن نرى ثمارها في خلال هذا العام أو الذي يليه. بالطبع في البداية تم تتبع خطوات بعض الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وأستراليا، والمملكة المتحدة، وبعض دول أوروبا التي انضمت لهذا المسار حديثا. ولكن بعد ذلك تم تبني الفكرة والمضي فيها من أجل تخريج قوى عاملة موائمة لمتطلبات التنمية على وجه العموم.
إن اتباع تلك الدول لهذا المسار التطويري كان بلا شك إفرازات لمشكلات يمكن حصر أهمها في: الاختلاف العرقي، والتوزيع غير العادل، وانهيار النظام الاقتصادي، والتساؤلات حول قوة مصادر التمويل وغير ذلك من عوامل. هذا وضح بعد أن قيضت هذه العوامل سرعة الانتقال من مرحلة لأخرى وإجادة تنفيذها. ومع ذلك كرسوا جهودهم بالاجتماعات المتكررة وصياغة وتعديل صياغة المواثيق والأنظمة واللوائح وبالتدريج استطاعوا بشكل شمولي واستراتيجي أن يتجاوزوا منعطفات كان يمكن أن تعصف بمقدراتهم وتسوقهم للغرق في ديون ومشكلات موارد بشرية لا حصر لها.
على النقيض نحن -ولله الحمد- نعيش ظروفا ندير بها محركات المشاريع بأحجام مختلفة نحو الوجهة الصحيحة. وفي كل عام تتنامى هذه المشاريع لنتمكن من الاستفادة من ظروف تضع لنا أساسا يحمينا -بإذن الله- لعقود طويلة قادمة. لذلك لا بد أن نبدأ في قياس وضع السوق بعد تخريج هؤلاء الطلاب والطالبات. كما لا بد أن نحدد مدى الاهتمام بتوظيف خريجي هذه الأقسام حتى لا يواجهوا كسادا مقنعا والفرص الوظيفية يمكن خلقها والاستفادة منها في استيعاب الموجودين من الجنسين. من ناحية أخرى ليتنا نعرف ما إذا كان استبعاد أي خريج في هذا الوقت مبنيا على مستوى الإعداد والتأهيل أم أن التوظيف قائم على أهواء أرباب العمل الذين ما زالوا يتعذرون بضعف مستويات الخريجين.
لريثما يتم إيجاد أجوبة على هذه التساؤلات في سوق العمل، نحتاج إلى أن نحرص على أمرين أولهما: أن يكون التحول لتبني قوى عاملة تتناسب وتوقعات السوق في تقديم الخدمات بالأسلوب الحديث مبنيا على الرغبة الفعلية في الاعتماد عليهم كأبناء وطن هم أساس الحركة التطويرية. أما الثاني: فهو أن تكون الخطط الدراسية متوافقة وتلك التي تدرس بالدول التي تمت مقارنتها، فهم في النهاية سيسعون للابتعاث داخليا أو خارجيا والرغبة تحدوهم بأن يكملوا تعليمهم فيما برعوا فيه وبطريقة تضمن تقدمهم في التعليم بأسلوب متدرج مبني بعضه على بعض.
من ناحية خلق الفرص فأجد أن المكتبات الجامعية يمكن أن تدخل مضمار السباق مع الشركات المتخصصة في تقديم الخدمات المعلوماتية وذلك باستخدام التقنية. فبعد فتح الأبواب على المجتمع كما هو مفتوح للطلاب والباحثين وأعضاء هيئة التدريس، يمكن أن تستفيد من خريجي وخريجات أقسام المكتبات والمعلومات أو دراسات المعلومات في ثوبها المطور، حيث أثبت خريجو الجامعات المستقاة منها البرنامج قدرتهم على ذلك. فهم أصبحوا مطورين للتطبيقات وتأقلموا في العمل بالشركات المقدمة لخدمات المعلومات وإدارتها. وأصبحوا بالفكر الجديد مطورين لكثير من الإجراءات التي أقنعت كثيرا من أصحاب الأعمال بأن يحولوا أعمالهم اليومية لهذه الشركات ويهتموا بالصناعة التي تميزوا في تقديمها بدون إشغال العديد من القوى العاملة في آليات عمل بسيطة يمكن أن تقوم بها شركات أخرى باحتراف. فلو طورت المكتبات الجامعية الحكومية والأهلية والعامة والوطنية والمدرسية بعض الخدمات وقدمتها بتعرفة تحددها حسبما يتم الاتفاق عليه لوصلنا لحقيقة أن هناك نوعية من العاملين مطلوبون لسد الثغرة في هذا الاتجاه وسيكون مردود العمل دخلا للمكتبة يمكن أن يغطي بعض التكاليف في تنمية مصادرها أو حتى في تشغيلها وتحسين ظروفها المتعلقة بدورها في المجتمع.
هذا يعني أن بظروف العمل التي أصبحت عليها مثل هذه المرافق على مدار الـ 24 ساعة يوميا، فالعملية الحسابية البسيطة تقودنا إلى أن 300 - 500 موظف يمكن استيعابهم للعمل في هذه المكتبات في أقسام مثل الترميز، والفهرسة الإلكترونية، والأرشفة، والمسح الضوئي، وإعادة استخدام المخطوطات بالأساليب الحديثة وتبادل المصادر وما إلى ذلك من خدمات. وإذا ما أرادت المستشفيات والمدارس سلوك التوجه نفسه فلا شك أننا نتحدث عن استيعاب آلاف للعمل في هذا المجال فقط.
إذا ما تم ذلك فعلا فإن استفادتنا، من مواكبة التغيير وتعديل المسميات والخطط الدراسية ومفردات المواد، بناء على تغيرات متطلبات التنمية أتت ثمارها وستكون الخطوة التالية هي ''تسويق المكتبات وخدمات المعلومات''.