خطب الموحّد .. المنهاج الواضح في كل الأوقات
تتسم خطب الملك عبد العزيز -رحمه الله- بمنهاج واضح في كل الأوقات، معتمدة على لغة مفعمة بالدين والثبات. ويتضح من الأسلوب والمفردات تدين ظاهر اصطبغ بشخصية الملك الموحد، عبر التأكيد الدائم على مرتكزات الرسالة المحمدية ومنهج السلف. ويتوجه الإمام إلى رعيته في جميع المناسبات الإسلامية والوطنية بخطاب معتدل قائم على التنبيه والالتزام بثوابت العقيدة الصحيحة. وأعطى الملك عبد العزيز في خطبه الدينية جانباً أصيلاً من ثقافته الذاتية عبر الاتكاء على جمل بالغة السماحة. ويشدد الملك عبد العزيز على إعطاء الحقوق وتحقيق العدل باعتباره ركناً أساسياً في الحكم. في هذا الجانب نبرز بعضاً من خطب الملك عبد العزيز ذات الشأن الديني:
احذروا غضب الله
بهذه النعمة وعدم الرغبة فيها، والاشتغال بما يشغل عنها بما هو وبال على العبد في دنياه وآخرته وعلينا وعليكم معاشر المسلمين أن نقوم على من قدرنا على القيام عليه ببذل الجهد والنصيحة للمسلمين بتذكيرهم بما أنعم الله عليهم به من الدين والقيام على من ترك حقوق الإسلام وضيعها ولم يبالِ بحق لله من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه لا صلاح للعباد في معاشهم ومعادهم إلا بالقيام بذلك. وقد وقع الخلل العظيم بسبب الغفلة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقلّ اتعاظ العباد بمواعظ الله وانزجارهم بما يرونه ويشاهدونه من آيات الله ومواعظه، وقد عُيِّنَّا نوابا لِتفقد الناس عند الصلاة ومعرفة أهل الكسل الذي اعتادوه وعرفوا من بين المسلمين بذلك فيقومون على من قدروا عليه بالحبس والضرب ومن هابوه ولم يقدروا عليه فليرفع أمره لنا وتبرأ ذمتهم لذلك، ولا يكون لأحد حجة يحتج بها علينا.
كذلك إنا ملزمون أهل كل بلد بالقيام بذلك ومن لم يقم به من أمير أو غيره بأن لنا أمره واتضح لنا غيه، وكذلك الربا الذي فشا في الناس فيما بينهم وتلاعب الشيطان بهم حتى أنهم لا يخفون، إنا ملزمون القضاة في كل بلد بالبحث عن معاملات الناس وعقودهم وما يجري بينهم من عقود الدين وبيع السلم قبل قبضه كل هذه الأمور الربوية التي يتعامل بها الناس من حققها ورفع لنا خبرها برئت ذمته ومع ما ينضم إلى ذلك من أنواع المنكرات التي يجب إنكارها، إنا ملزمون أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بها ولا يخشى العبد إلا ربه فاحذروا غضب الله ومقته.
هذا الذي ندين لله به
لا يخفاكم ما جرى من التنازع الذي يخشى علينا من إحباط الأعمال والفتنة. والرجاء -إن شاء الله- أننا وأنتم ما لنا قصد إلا تقديم الشريعة ودورة نجاة الفتنة من عذاب النار، وذلك ما يحصل إلا بالاقتصاد واتباع ما جاء في كتاب الله على منهاج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنتم حضرتم عند علمائكم وقدوتكم وأخذتم من دروسهم كما أن الحاضر يسمع والغائب هذا كتابه ينظر فيه ويقتدى به، وهم جلوا عنكم ما كان مشتبها عليكم، وهذا الذي ندين الله به ونعتقد به نحن ومشايخنا وأسلافنا وهو الصراط المستقيم ومن خالفه وهو جاهل، فيجب عليه التوبة والرجوع إلى الله، ومن خالفه وهو معتقد بطلانه. فنشهد الله أنه ليس على شيء من الدين لا أصله ولا فرعه، لأنه ما كذَّب مشايخنا بل كذَّب كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليهم وسلم- وعلماء المسلمين واعتقاداتهم أولهم وآخرهم.
حقوق العرب والمسلمين
إن هذا الوطن المقدس يوجب علينا الاجتهاد فيما يصلح أحواله، وإننا جادون في هذا السبيل قدر الطاقة حتى تتم مقاصدنا في هذه الديار، وتكمل للمسلمين جميعاً راحتهم وأمنهم، وتتم لجميع الوافدين لمنازل الوحي المساواة في الحقوق والعدل.
إن للدولة الأجنبية المحترمة علينا حقوقاً، ولنا عليها حقوق؛ لهم علينا أن نفي لهم بجميع ما يكون بيننا وبينهم من العهود '' وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا'' (الإسراء، الآية: 34). وإن المسلم العربي ليشين بدينه وشرفه أن يخفر عهداً، أو أن ينقض وعدا. وإن الصدق أهم ما نحافظ عليه. إن علينا أن نحافظ على مصالح الأجانب، وهي مصالح ماسة باستقلال البلاد الديني أو الدنيوي. تلك حقوق يجب علينا مراعاتها واحترامها، وسنحافظ عليها ما حيينا إن شاء الله تعالى.
وأما حقوقنا على الدول ففيما يتعلق بهذه الديار نطلب منهم أن يسهلوا السبل إلى هذه الديار المقدسة للحجاج والزوار والتجار والوافدين. ثم إن لنا عليهم حقاً فوق هذا كله وهو أهم شيء يهمنا مراعاته؛ وذلك أن لنا في الديار النائية والقصية إخواناً من المسلمين ومن العرب نطلب مراعاتهم وحفظ حقوقهم. فإن المسلم أخو المسلم، يحن عليه كما يحن على نفسه في أي مكان كان. وإني أؤكد لكم أن المسلمين عموما، والعرب خصوصا كالأرض الطيبة كلما نزل عليها المطر أنبتت نباتاً حسنا، وأن المطر الذي نطلبه هو الأفعال الجميلة المطلوبة من الحكومات التي لها علاقة بالبلاد التي يسكنها إخواننا من العرب ومن المسلمين، وأن الأرض الطيبة هم المسلمون عامة والعرب خاصة.
ولي الأمل الوطيد بأن الحكومات المحترمة ذات العلاقة بالبلاد الإسلامية والعربية لا تدخر وسعاً بأداء ما للعرب والمسلمين من الحقوق المشروعة في بلادهم. وفي الختام، أسأل الله أن يجعل أفعالنا أصدق من أقوالنا، وأن يوفقنا وإياكم لما فيه الخير والصلاح.
هذه هي عقيدتنا
يسموننا ''بالوهابيين''، ويسمون مذهبنا: ''الوهابي'' باعتبار أنه مذهب خاص. وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض.
نحن لسنا أصحاب مذهب جديد أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه السلف الصالح.
ونحن نحترم الأئمة الأربعة ولا فرق بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة. كلهم محترمون في نظرنا.
هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب يدعو إليها، وهذه هي عقيدتنا. وهي عقيدة مبنية على توحيد الله -عز وجل- خالصة من كل شائبة منزّهة من كل بدعة فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعو إليها، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من محن وأوصاب.
أما ''التجديد'' الذي يحاول البعض إغراء الناس به بدعوى أنه ينجينا من آلامنا، فهو لا يوصل إلى غاية، ولا يدنينا من السعادة الأخروية.
إن المسلمين في خير ما داموا على كتاب الله وسنة رسوله، ما هم ببالغين سعادة الدارين إلا بكلمة التوحيد الخالصة.
المشورة
إننا نسأل التوفيق من الله لنا ولكم في جميع الأفعال، ونسأله العناية والهداية إلى صالح الأعمال.
إن ابن آدم بشر، ويستحيل على الإنسان أن يكون شيئاً يذكر إلا أن ينال عناية من الله تعالى، وعناية الله لا تكن إلا من اتبع أمر الله تعالى، ومن وفقه الله وكان في كنف الله وفي عنايته كان النصر حليفه بدون شك.
إني أريد أن أتحدث إليكم في هذا الاجتماع في أمور متعددة، ومقاصد جمة. والغاية من هذا الاجتماع هي:
1- اتباع ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام، تنفيذاً لما أمر الله به نبيه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: '' وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ'' (آل عمران، الآية: 159).
وللمشاورة فوائد جمة لا تحصى، ولو لم يكن من مصالحها إلا إقامة السنة لكفت؛ لأنه إذا أقيمت السنة زالت البدع.
2- إن الإنسان أحب ما إليه في حياته أن يجتمع مع صديقه، وأن يتجاذب وإياه أطراف الحديث، وبهذا يحصل التعارف، وتظهر الحقائق، ويقع التناصح. وقد كان السلف الصالح يسير على هذا الطريق في أعمالهم، فقد كان أمرهم شورى بينهم، وكان من أمرهم ما كان، وكانوا على ضعف فصاروا إلى قوة.
3- إن الناس الذين لا نشك أن الله عالم بقلوبهم، وأنهم أعداء بعضهم البعض، كما قال الله تعالى: '' تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى'' (الحشر، الآية: 14). قد بلغوا بالشورى مراتب عالية في الدنيا. ونحن المسلمين أمرنا الله تعالى بالمشورة. والمشورة لها أساس، وهو النصح بالتزام الحق، ولها مزية ورونق، تحصل بهما الفائدة. أما السير على غير مشورة فهو مجلبة للنقص، مجلبة للهوى، هوى النفس. ونحن نريد المشورة أن تجمع بين السنة وبين ما أمرنا الله به في قوله: '' وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ'' (الأنفال، الآية: 60).
وأعظم القوى التناصح والنية الصالحة لأن كل شيء أساسه الإخلاص والنصح. هذا هو اجتهادنا في المسألة. ونسأله تعالى العناية والتوفيق وإصلاح النية، وأن يوفقنا إلى ما فيه الخير والفلاح.