مستثمرو الباطن ينقلون مدخراتهم وتجاربهم إلى أوطانهم

مستثمرو الباطن ينقلون مدخراتهم وتجاربهم إلى أوطانهم

أجبرت إجراءات وزارة العمل الأخيرة الرامية إلى تصحيح وضع العمالة الأجنبية المخالفة في السعودية شريحة كبيرة من هذه العمالة الأجنبية التي كانت تدير أنشطة تجارية خاصة بها؛ من الباطن؛ على نقل أنشطتها وخبراتها إلى بلدانها بعد أن عجزت عن توفيق أوضاعها وفق متطلبات إجراءات الوزارة، في ظل قرب انتهاء المهلة المقرر أن تنتهي في المحرم المقبل.
ويأتي تحرك العمالة الأجنبية لنقل أنشطتها التجارية خارجا بعد أن سيطرت لسنوات عديدة على هذه الأنشطة التجارية في قطاع التجزئة الذي تنتشر محاله في أسواق الخضار والفاكهة واللحوم والدواجن، محال أعمال النجارة والحدادة وأعمال السباكة، والبناء والتشييد، وأعمال الديكور والمفروشات، وورش الصيانة لأجهزة التبريد، وأسواق الخردة، محال الملابس الجاهزة والتفصيل، النقل الخاص.. وغيرها من الأنشطة التجارية التي سيطرت العمالة الأجنبية المخالفة على مفاصلها بشكل محكم طوال السنوات الماضية محققة بذلك عوائد مالية يمكن أن يجنيها الشباب السعودي بعد انتهاء المهلة التصحيحية، وتخلي العمالة الأجنبية المخالفة عن هذه الأنشطة لعجزها عن تصحيح أوضاعها.
وهنا يقول عمر الشيخ -مقيم بطريقة نظامية، قادته تجربته الطويلة الممتدة في مجال تجارة الأسماك في إحدى المؤسسات التجارية العاملة في هذا المجال إلى تأسيس كيان تجاري مصغر من الباطن بالاتفاق مع أحد المواطنين دون أن يتدخل الأخير في شؤون إدارة هذا الكيان، ما عدا إنجاز معاملات حكومية مرتبطة بدوائر حكومية لها مباشرة بنشاط هذا الكيان- استفدت من تجربتي في تأسيس مشروع تجاري بالاتفاق مع الأصدقاء السعوديين، وتركت العمل لدى المؤسسة التي كنت أعمل بها، وتوسع نشاط مشروعي بشكل كبير، وأصبح لدي مطاعم متخصصة في الأسماك، واستقدمت عن طريق السجل التجاري عددا من أقاربي، ولكن بعد الإجراءات الأخيرة ومهلة التصحيح أصبح هناك تضيق لحركة نشاطنا، ما تسبب في أن عددا من العمالة التي تعمل لدينا غادر السعودية نهائيا أو انتقل إلى مؤسسات أخرى. أما أنا فقررت الانتقال بمدخراتي طوال السنوات الماضية إلى إمارة العين في الإمارات ومن ثم التفكير جديا في تأسيس النشاط نفسه في بلدي.
أما محمد كومار ـ مقيم هندي في الدمام- فهو يدير محلا لأعمال الستائر والديكور عجز بسبب الإجراءات الأخيرة عن توفيق وضعه بعد أن تركه أغلب العمال المخالفين الذين كانوا يعملون معه في الخفاء، فقرر الاستعداد لمغادرة السعودية نهائيا، والتوجه لتأسيس مشروع مصغر في الهند بعد أن تزود بكل الأدوات التي تعينه على نجاح مشروعه هناك. ويؤكد أكمل سليم ـ مقيم من بنجلادش ـ أنه إلى جانب عمله حارس بناية في الدمام فقد أسس محلا تجاريا لبيع المواد الغذائية، وأصبح هذا المحل يدر عليه مبالغ جيدة، أوكل لأحد من أبناء جلدته إدارة المحل بأسلوب الشراكة، على أن يقوم هو بأعمال الحراسة الموكلة إليه، إلا أن من أوكلت إليه مهمة إدارة المحل قرر النأي بنفسه عن مصيدة المخالفات النظامية فانتقل إلى العمل في إحدى المؤسسات التجارية الأخرى، خاصة أن عمله السابق كان مخالفا للأنظمة. وهنا يقول أكمل، أصبحت في موقف حرج بعد أن أغلقت المحل وتراكمت عليَّ مبالغ الإيجار، فقررت إغلاقه نهائيا، وتحويل مدخراتي التي اكتسبتها طوال السنوات الماضية لوطني لتأسيس مشروع مماثل هناك.
أمام ذلك، قال الدكتور خالد الغامدي مختص في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، هناك فائدة صامتة سيجنيها الشباب السعودي خلال الأشهر الستة المقبلة، جراء خروج الاستثمارات التي كانت تديرها العمالة الأجنبية المخالفة، رغم أن الأمر قد يعد خسارة للحركة التجارية في السعودية سبّب مغادرة هذه الاستثمارات وخبرات العمالة الأجنبية للخارج، ولكن الفائدة الصامتة ستكون مواتية أمام الشباب بعد تزايد عدد الخريجين من المعهد المهني، عندما يدركون أن منافسة العمالة الأجنبية قد تلاشت وأصبح أمامهم فرصة للدخول في مجال العمل التجاري بمختلف قطاعاته.
وأضاف الدكتور الغامدي، أن العمل التجاري الحر في السعودية يحقق عوائد مالية مجزية، وسبق أن كونت العمالة الأجنبية نتيجة ممارستها هذا النشاط أرصدة مالية جيدة، ولكن بفضل الإجراءات الأخيرة التي أعلنت عنها وزارة العمل بدأ كثير من هذه العمالة يتخلى عن هذه الأنشطة بعد سيطرة تامة عليها لسنوات عديدة، وقال: لم يعد الشباب السعودي المتخرج حديثا مجبرا على العمل كحارس أمن كما كان يحدث في السابق، بل أمامه الآن عمل مجزٍ ومربح يمكن أن يشكل نواة حقيقة للاستثمار المستقبلي. وأوضح حسب آخر الإحصائيات، أن هناك نحو ثمانية الألف منشأة صغيرة ومتوسطة تعمل في السعودية، رغم أن الدكتور الغامدي أشار إلى أنه حتى الآن لم يتم الاتفاق في توحيد مصطلح المنشأة الصغيرة والمتوسطة، فكل جهة سواء كانت الغرف التجارية أو الجهات الحكومية الأخرى، أو الجامعات تطلق تعريفا للمنشأة الصغيرة والمتوسطة.
وأشار إلى أن توحيد التعريف يساعد في تقديم إحصائيات دقيقة عن عدد هذه المنشآت وحجم استثماراتها.

الأكثر قراءة