الوصم والتشهير الباب الواسع للعودة إلى الجريمة
كشف باحث سعودي في علم الجريمة والعقوبة عن دراسة علمية سابقة أظهرت أن نسبة العود للجريمة بلغت 59 في المائة من الجناة، وأن 97 في المائة من الجناة يرون عدم استخدام القضاة لبدائل العقوبات الصحيحة.
وأوضح الدكتور مضواح آل مضواح مدير الإصلاح والتأهيل في سجون عسير أن عدد مرات العودة للجريمة بلغت من 3 إلى 12 مرة، لـ 59 في المائة من عينة الدراسة، مشيرا إلى أن العود للجريمة عملية اجتماعية تحدث بين طرفين أساسيين هما الفعل المنحرف الأول ورد فعل المجتمع "العقوبة" تجاه هذا الفعل إذا اتسم رد الفعل هذا بالقسوة، وما يزيد من نقمة العائدين للجريمة على مجتمعهم أن رد فعل المجتمع لا يكون متساويا في كل الأحوال عندما يصدر الفعل نفسه عن شخصين أو أكثر، أو انتفاء المعيار الذي يتبعه القضاة في اختيار العقوبة المناسبة أو البديل فتأتي قرارات بعض القضاة في إطار من الأحكام التصورية.
#2#
وأضاف في الجانب المتعلق بالعود للجريمة: "أن الكيفية التي يتعامل بها الآخرون مع الفرد هي التي تجعل منه مجرما، وقد حددت إحدى النظريات ثلاثة مستويات لظاهرة العود للجريمة، فهي على مستوى الفرد نتيجة الضغوط النفسية التي تخلفها العقوبة القاسية إزاء جرمه أو انحرافه أول مرة، وعلى مستوى البيئة الاجتماعية نتيجة ضغوط تضيق على الفرد مجال الاختيار، وعلى رأسها العقوبة القاسية التي ينتج عنها الوصم بالانحراف، وعدم معالجة المشكلات التي دفعت الفرد إلى الانحراف ابتداء، وعلى مستوى التنظيم الاجتماعي عندما يصبح الانحراف أسلوب حياة لمجموعة كبيرة من الأفراد، خاصة المفرج عنهم، بسبب تقصير أجهزة الرعاية اللاحقة فلا يجد المفرج عنهم ملاذا سوى العودة للإجرام".
وأوضح آل مضواح أن العديد من الدراسات العلمية أثبتت أن الجناة، خاصة صغار السن، الذين حكم عليهم بالسجن لديهم نسب عود أعلى من الجناة الذين طبقت بحقهم بدائل لعقوبة السجن، لكون السجن في الغالب لا يوفر التأهيل المهني لكل السجناء، كما أنه يعيقهم عن الحصول على وظائف بعد الإفراج عنهم، وتابع: "كما دلت الدراسات على أن خوف الأحداث من رد الفعل الذي سيواجهونه من والديهم والمجتمع يفوق خوفهم من عقوبة السجن، ما يعني أن عقوبة السجن ليست عقوبة رادعة لدى كثير من المنحرفين".
وحذر من التشهير بالجاني، موضحا أنه إذا أصبح الجاني معروفا عند كل فئات المجتمع يسهم لديه ذلك في خلق وعي سلبي خاص بذاته، ويثير لديه الخصائص الإجرامية المرتبطة بما وصم به فيصبح صورة مطابقة لما يصفه به المجتمع، وأضاف: "العقوبة القاسية مع التشهير لهما دور حاسم في حدوث الوصم بالانحراف فهي تجعل الجاني يعتقد أن المحيطين به ذئاب مفترسة يسعون إلى إيذائه وتجريحه، ومن هنا يحتقر المجتمع ويكرهه وينعزل عنه، ولا تلبث هذه المشاعر أن تتحول إلى رغبة جامحة في الانتقام من المجتمع بالعود للجريمة".
وبين آل مضواح أن وجود القانون "التشريع" كان أساسا لتنظيم حياة الناس في المجتمع، وأنه ليس وقفا أو وصية يخلفها الأجداد للأبناء لا ينبغي تعديلها أو التصرف فيها بشيء، لأن المجتمع ينبض بالحياة والتغير، مطالباً بانتقاء العقوبات التي تعطي أطول أثر في أذهان الأفراد وأقل قدر ممكن من الألم، وشدد على أن الغرض من العقوبة ليس تعذيب الجاني وإيلامه ولا عرقلة فعل سبق حدوثه، وإنما الغرض هو منع الجاني من إحداث أضرار جديدة بحق المجتمع وثني الآخرين من اقتراف أفعال مماثلة. وأشار إلى أن القانون يفقد الاحترام العام له إذا جرّم فعلا من الأفعال في الوقت الذي لا يكون فيه هذا الفعل جريمة لدى غالبية أفراد المجتمع، معتبرا أن ذلك يقلل من تجريم الأفعال التي هي في حقيقة الأمر جرائم وتستحق أن تحظر، وأكد أن فورية العقوبة تحقق قدرا أكبر من العدل والمنفعة المستقبلية، كلما كانت الفترة الزمنية التي تفصل بينها وبين الفعل الإجرامي قصيرة.