ارتفاع عدد «جوعى» بريطانيا إلى 750 ألفا خلال الشتاء

ارتفاع عدد «جوعى» بريطانيا إلى 750 ألفا خلال الشتاء

للوهلة الأولى اعتقد عدد كبير من قراء الصحف ومواقع الإنترنت في بريطانيا، أن هناك خطأً مطبعياً في إعلان الصليب الأحمر بأنه سيقوم وللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية بجمع الطعام من المحال التجارية الكبرى وتوزيعه على المحتاجين في المملكة المتحدة خلال موسم فصل الشتاء لهذا العام.
الخبر شكل صدمة للكثير من البريطانيين، فقد يكون من المألوف في لندن وبعض المدن البريطانية الأخرى أن ترى أحيانا وفي ساعات متأخرة من الليل أشخاص يبحثون عن طعام في صناديق القمامة الموضوعة أمام المحال الغذائية، لكنها هذا المشهد كانت في قناعات الكثيرين مجرد تصرفات فردية وليست ظاهرة مجتمعية تدفع بالصليب الأحمر للتصدي لها.
ووفقا للتقديرات المتاحة من قبل الصليب الأحمر فإن هناك زيادة حادة في أعداد الأشخاص الجوعى في أوروبا عامة، تقدر بنحو 75 في المائة مقارنة بعام 2010.
وأعلنت المؤسسات الخيرية في بريطانيا أن هناك نحو 500 ألف بريطانيا يعتمدون في غذائهم اليومي على "مصارف الطعام"، ويتوقع المسؤولون عن تلك المصارف أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يعتمدون عليها في إشباع احتياجاتهم الغذائية لهم ولأسرهم خلال فصل الشتاء المقبل إلى قرابة 750 ألف بريطاني.
ويعلق إدوارد بيكلي نائب الأمين العام لمنظمة الصليب الأحمر لـ "الاقتصادية" على الوضع الراهن بالقول "نحن نعلم حجم الضغوط التي تتعرض لها الحكومة البريطانية جراء الأزمة الاقتصادية الراهنة، والتوجهات التقشفية لبرنامجها الاقتصادي، ولكن بحكم ما هو متوافر لدينا من معلومات بشأن تزايد أعداد الاشخاص الذين يعتمدون على بنك الطعام للحصول على غذائهم اليومي، فإننا ننصح بشدة بعدم مساس الحكومة بالمخصصات المالية للصحة العامة والرفاهة الاجتماعية، لأن تقليصهم الآن سيكون له انعكاسات خطيرة على زيادة أعداد الفقراء والجوعى في بريطانيا".
زيادة أعداد الجوعى في بريطانيا لم يكن أمرا مفاجئا للمواطنين العادين فحسب، بل مثّل أنباء خطيرة بالنسبة للعاملين في مجال المساعدات الإنسانية، ومنهم تشارلز جونسون مدير قسم مكافحة الفقر في منظمة أوكسفام البريطانية، أحد أكبر منظمات المساعدات الإنسانية في العالم، والذى أعرب لوسائل الإعلام البريطانية عن صدمته من تلك المعلومات، مشيرا إلى أنه لم يعتقد أبدا أن الوضع تدهور لهذا الحد، معتبراً أن تدخل الصليب الأحمر لمواجهة تلك المشكلة يعني أن الموقف خطير للغاية.
ويقدر عدد الفقراء في بريطانيا بنحو خمسة ملايين شخص لكن من بينهم نحو 750 ألفا يعانون مستويات فقر مدقع لا يمكِّنهم من شراء احتياجاتهم من الطعام والشراب لهم ولعوائلهم.
وعلى الرغم من التركيز على الجانب الإنساني للموضوع من قبل العديد من المسؤولين في منظمات الإغاثة والمساعدات الإنسانية إلا أن اقتصاديين يربطون بين تنامي أعداد الجوعى في بريطانيا والسياسات الاقتصادية الراهنة، حيث يرى الدكتور بيرت جن أستاذ مادة الاقتصاد الكلي في جامعة بليموث أن ظاهرة زيادة عدد الأشخاص غير القادرين على توفير احتياجاتهم من الطعام والشراب يرتبط في الأساس بالخلل في توزيع الدخول في المجتمع وغياب آليات فعالة من قبل الدولة لمواجهة ذلك إلا من خلال المساعدة الإنسانية.
ويضيف لـ "الاقتصادية" أنه لم يكن من قبيل الصدفة أن يزداد عدد الأشخاص الجوعى في بريطانيا في ظل توجه الحكومة لتقليص برامج الإعانات الاجتماعية، والتوجه في الوقت ذاته لمزيد من الخصخصة والتخلص من المؤسسات الحكومية، مشيراً إلى أن هذا النمط الاقتصادي يؤدي إلى تراكم الثروات ويختزل قضية الجوع في جانب إنساني متناسيا أو متجاهلا الأسباب الاقتصادية لها.
ومع احتلال تلك القضية مساحات متزايدة من الإعلام البريطاني، فإنها أثارت جدلاً واضحاً من قبل المجموعات اليمينية ذات الطبيعة الفكرية المنغلقة والتي طلبت من الحكومة أن تركز على الشأن الداخلي وتحويل المساعدات الدولية التي تقدمها لعدد من البلدان الإفريقية والآسيوية إلى الداخل البريطاني، كما أثارت تلميحات وزير الدولة للتعليم ميتشيل جوف والمنتمي لحزب المحافظين بشأن عدم معرفة حقيقة الوضع المالي للأشخاص المسجلين في مصارف الطعام، ردود فعل حادة من قبل قادة المؤسسات المعنية بمكافحة الفقر والجوع في المملكة المتحدة.
فقد فسرت تصريحات الوزير البريطاني بأن العديد من الأشخاص الساعين للحصول مساعدات غذائية من بنك الطعام أو المؤسسات الخيرية لا يستحقونها، وقد اعتبر البعض أن هذه التصريحات محاولة من الحكومة للتنصل من مسؤوليتها بزيادة عدد الجوعى في بريطانيا ولتبرير أي إجراء مستقبلي بمزيد من الخفض للإعانات الاجتماعية.
ويعلق فرانك باريت الرئيس التنفيذي لأحد مصارف الطعام البريطانية لـ "الاقتصادية" بأنه خلال السنوات التسع الماضية بلغ عدد مصارف الطعام في بريطانيا 383 مصرفا، وهذا عدد كبير للغاية يعكس تنامي ظاهرة الجوعى في المملكة المتحدة، ونحن نرفض تصريحات الوزير البريطاني ميتشيل جوف، ونعتقد أنه من غير اللائق أن يحمّل الأشخاص الذين لا يستطيعون توفير احتياجاتهم من الغذاء المسؤولية لهم وحدهم ويتجاهل دور الحكومة في ذلك من خلال عدم توفير فرص عمل لهم.
وأوضح باريت أنه لكي تسجل في أحد مصارف الطعام للحصول على وجباتك الغذائية لك ولأفراد أسرتك فإن هناك العديد من الإجراءات يجب أن تتم للتأكد من أحقيتك في الحصول على المساعدة، كأن يقوم بزيارتك الطبيب أو الإخصائي الاجتماعي في أوقات غير محددة ومفاجئة، فالأشخاص الذين يأتون إلينا لمساعدتهم لا يوجد لديهم بديل آخر عن مصارف الطعام.

الأكثر قراءة